بقلم : عمرو الشوبكي
الجدل الذى ثار طوال الأسبوع الماضى حول تطوير القاهرة الخديوية أو منطقة وسط البلد فتح باب النقاش حول التعامل مع الأحياء والمناطق القديمة، التى تجاوز عمر بعضها القرنين، وباتت تمثل أحد أبرز ملامح هوية القاهرة وسحرها.
واللافت أن المقارنة التى فرضها البعض بين القاهرة ودبى ليست لها أساس فى الواقع، فدبى تفوقت فى سياقها لأنها كما قال الراحل الكبير، الشيخ زايد: «سنجعل تراب الوطن ذهبًا»، وهو ما حدث بالفعل، حيث تحولت الإمارات إلى مركز تجارى عالمى شديد الحداثة والدقة، وصارت دبى مقصدًا سياحيًّا حداثيًّا يزوره الملايين من كل بلاد العالم بفضل جوانب مبهرة كثيرة فيها، ومنها النظام وتطبيق القانون والقفز بسرعة مذهلة فى بناء أحدث ناطحات السحاب.
أما القاهرة، فربما يكون سحرها وبريقها فى العكس، فهى لن تنافس فى الأبراج الحديثة، حتى لو بنت بعضها، إنما هى ستكون بلا منافس إذا طورت وجددت أحياءها القديمة، ووسط البلد فى القلب منها، وحافظت عليها بروحها وطابعها المعمارى.
إن معنى الهوية البصرية للمدينة كما يقول «أهل العمارة» يعنى تلقائيًّا الحفاظ عليها كما هى وتجديدها لأنها عبارة عن صورة تجذب الكثيرين وتترسخ فى ذاكرتهم عبر الزمن، فمن الصعب أن تلغى وقع الهرم
و«أبوالهول» كهوية بصرية لمصر كلها، ولا صورة القلعة والقباب والمقابر المملوكية المحيطة بها كهوية بصرية أخرى للقاهرة، ولا وسط البلد وشارع طلعت حرب وقصر النيل حتى تصل إلى الأوبرا، (التى تحولت بعد حريقها يا للأسف إلى جراج قبيح)، والعتبة، فهى كلها تمثل هوية المدينة وجزءًا من سحر القاهرة.
لا أحد يتصور أن بناء أبراج قبيحة أو حتى جميلة مكان مبانى العتبة ووسط البلد يمثل تطويرًا لها، إنما هو جريمة حقيقية فى حق القاهرة وهدم لمناطق قوتها وسحرها.
لم يُقدم أحد فى مدن العالم ذات التاريخ على إزالة أثر أو مبنى تاريخى يمثل جانبًا من الهوية التاريخية للمدينة، فهل تخيل أحد أن الحكومة اليونانية أثناء أزمتها الاقتصادية الطاحنة فكرت أن تؤجر أو تشوه معلمها السياحى الأبرز «الأكروبوليس» من أجل بعض السيولة النقدية؟. بالقطع، لا، بل إن البولنديين أعادوا بناء وسط العاصمة الذى تهدم بالكامل أثناء الحرب العالمية الثانية، بتقنيات حديثة وبنفس تفاصيل الشكل القديم، ولم يفكروا للحظة فى بناء أبراج ضخمة مكانها، وفضلوا إنفاق المليارات لاستعادة الهوية البصرية لمدينتهم التاريخية.
يجب ألا ندخل فى مقارنات بين القاهرة وأى مدينة عربية أو غير عربية، فلكل مدينة سحرها وسياقها الاجتماعى والثقافى، وكل المدن العالمية التى تشبه القاهرة من حيث قدمها وتاريخها تعتبر أن جمالها فى الحفاظ على القديم وتجديده، دون الحاجة إلى الدخول فى مقارنات مع مدن أخرى هى بنت سياقها وواقعها الخاص.