بقلم - عمرو الشوبكي
رغم أن بعض الجامعات والمعاهد الكبرى فى فرنسا، وتحديدا معهد العلوم السياسية وجامعة السوربون، شهدت مظاهرات تضامن مع فلسطين إلا أنها لا تقارن بحجم الاحتجاجات العارمة التى شهدتها الجامعات الأمريكية، وخاصة جامعات كولومبيا ونيويورك وبيركلى وواشنطن وميرلاند ونورث كارولينا وغيرها، وحتى واحدة من أهم جامعات العالم مثل «هارفارد» شهدت مظاهرات واحتجاجات طلابية واسعة.
والسؤال الذى ناقشته أمس الأول مع أحد أصدقائى الفرنسيين حين هاتفنى وقال لى إن عدد من تظاهروا فى جامعة السوربون حيث درسنا سويا منذ ثلاثين عاما لا يتعدى بضع عشرات، وتطرق حديثنا عن أسباب الفارق بين أعداد المتظاهرين فى الجامعات الأمريكية مقارنة بالمحدودية النسبية لمظاهرات الطلاب الفرنسيين دعما لنفس القضية؛ أى فلسطين.
وبعد نقاش طويل توافقنا على نقطتين: الأولى أن الحكومة الأمريكية هى الداعم الأول لإسرائيل وهو دعم بدون شروط وبفضلها ظلت إسرائيل دولة محصنة فوق القانون والمحاسبة، وأن هذا الدعم المستفز لدولة الاحتلال جعل هناك تيارا شعبيا وطلابيا متزايدا يريد تغيير هذه الصورة وهذه السياسات غير العادلة خاصة من قبل شباب لديهم نقاء وليس لديهم حسابات النخب الحاكمة.
أما السبب الثانى الذى عادة لا يقبله قطاع واسع من الفرنسيين (وقبله صديقى) وهو أن فرنسا لديها عقدة الجزائر، كما أنها بلد متوسط القوة متوسط فى عدد سكانه، وأن الجانب الأكبر من الجاليات الأجنبية أصولهم عربية، كل ذلك جعل قطاعا واسعا من الفرنسيين يضع عرب فلسطين مع العرب المقيمين فى بلاده ولديه مشاكل ثقافية واجتماعية معهم.
هذا بالإضافة إلى أن النموذج الفرنسى نفسه يمتلك ثقافة استعمارية ضاربة فى جذور التاريخ الفرنسى، صحيح أن هناك دائما من عارضها فى داخل المجتمع، إلا أن وطأة هذا التاريخ بجانب شعور قطاع من الفرنسيين بأنهم مهددون من الجاليات العربية جعلهم متحفظين فى دعم أى قضية تخص العرب، حتى لو كانت قضية إبادة جماعية. أما فى أمريكا فهى بلد لديه سياسة استعمارية ولكن ليس تاريخ استعمارى، بلد لديه ثقافة مهاجرين هم من صنعوا أمريكا وحتى لو حدث تمييز بين هؤلاء لصالح الرجل الأبيض على حساب الرجل الأسود، إلا أن الأصل بقى أن ثقافة أمريكا «مصنعة» حديثا وتقبل من أى شخص مهما كان لون بشرته أو أصله أن يصعد فى السلم الوظيفى والسياسى طالما التزم بالقوانين الأمريكية.
أمريكا لديها ثقة فى نفسها وفى تنوعها الثقافى أكثر من فرنسا التى تخاف على هويتها من الجنسيات الأخرى بمن فيهم الفرنسيون من أصول عربية.
وفى النهاية يبقى تحرك طلاب الجامعات فى أمريكا وأوروبا- على ما بينهما من تفاوت- أمرا إيجابيا، وإذا لم يغير اليوم معادلات الحكم فإنه بالقطع سيغيرها غدا كما فعلت احتجاجات الطلاب فى الستينيات وساهمت فى إيقاف حرب فيتنام.