بقلم : عمرو الشوبكي
الصراع الدائر بين الحكومة المركزية فى العراق ونظيرتها الإسبانية مع الانفصاليين فى كلا البلدين لا يخلو من دلالة من حيث التوقيت وطريقة إدارة الصراع ومستقبله.
والمؤكد أن هناك فروقات كبيرة بين وضعية إقليم كتالونيا الإسبانى وإقليم كردستان العراق، ففى الأول هناك انقسام شعبى حقيقى بين مؤيدى البقاء مع إسبانيا ومؤيدى الانفصال، وهناك صراع بين الجانبين على نسبة الـ55% التى يؤكد مؤيدو «البقاء» أنها تخصهم، فى حين يرى معارضوه أنها نسبتهم، أى أنه فى النهاية هناك تقارب كبير بين نسبة مؤيدى الانفصال ومعارضيه، على عكس الوضع فى كردستان الذى يؤيد غالبية أبنائه الساحقة الانفصال عن العراق.
البيئة المحيطة بكلا الإقليمين متشابهة، من حيث رفض انفصالهما، فكل من تركيا وإيران ترفضان انفصال كردستان بشدة لا تخلو من تهديد عسكرى خشن، فى حين رفض الاتحاد الأوروبى انفصال كتالونيا عن إسبانيا وتمسك بوحدتها، من خلال لغة سياسية وقانونية ناعمة.
إن الحديث السائد فى إسبانيا وكتالونيا حول تأييد الانفصال أو رفضه ليس فيه حديث المؤامرة، إنما هو كلام دستورى وقانونى وسياسى بامتياز على عكس ما يجرى فى العالم العربى حول المؤامرة الصهيونية التى تقف وراء انفصال الأكراد، وهو ما لم يردد بنفس الدرجة فى العراق لصالح خطاب سياسى وقانونى أحيانا وطائفى أحيانا أخرى.
أما بالنسبة للتناقضات القومية بين إسبانيا وكتالونيا، فهى أقل بكثير من تلك التى بين القوميتين الكردية والعربية التى اتسمت بعمق الصراع وبسقوط دماء كثيرة، خاصة فى ظل القمع الذى تعرض له الأكراد على يد نظام صدام حسين، فى حين سنجد فى تجارب أوروبية أخرى أن أقاليم، مثل كتالونيا، انصهرت بشكل كامل فى داخل الدولة الوطنية التى تعيش فيها، دون أن تحتاج حتى لحكم ذاتى، وأن طموحات سياسية كثيرة، عمّقها الثراء الاقتصادى (أغنى أقاليم إسبانيا)، كانت السبب الرئيسى وراء مطالبة البعض بانفصال كتالونيا أكثر من الأسباب اللغوية والقومية.
تجارب التاريخ تقول لنا إن الانفصال حق طالبت به قوميات كثيرة، فى حين أن الواقع يقول ليس كل هذه القوميات نجحت فى الانفصال، بل إن بعضها تخلى عن مطلبه، لأنه ذاب أو استُوعب داخل الثقافة القومية التى يعيش فى ظلها، والبعض الآخر تخلى عن مطلبه لعجزه عن ترتيب حسابات سياسية داخلية وخارجية تساعده على الاستقلال، وما يسميه البعض فى بلادنا عجزا أو جهلا بنظرية المؤامرة هو فى الحقيقة أوراق ضغط امتلكتها بعض القوميات فحققت الاستقلال، وغابت فى حالات أخرى ففشلت فى تحقيقه.
يقينا انفصال الأكراد تدعمه ورقة وحيدة هى تأييد الغالبية الساحقة من أبناء كردستان للانفصال عن العراق، فى حين أن باقى العوامل الأخرى لا تدعم الانفصال، خاصة فيما يتعلق برفض الحكومة المركزية فى بغداد ومعها دول الجوار الرئيسية وتلويحها بالحل العسكرى وحصار الإقليم، فى حين أن الوضع فى كتالوينا مختلف من زاوية واحدة، وهى انقسام الناس حول الانفصال، فى حين أن الجوار الأوروبى يرفض، والحكومة المركزية تفرض شروطها مستندة للدستور والقانون.
على الأرجح فرص انفصال الإقليمين بشكل كامل عن الدولة الأم غير واردة فى الوقت الحالى.