بقلم : عمرو الشوبكي
يتفاعل كل من مهنته الكتابة مع قرائه، يختلفون أو يتفقون معه، هذا حال كل بلاد الدنيا، وفى مصر هناك قراء ومعهم لجان إلكترونية بدأها الإخوان ثم استكملت مسيرتهم لجان أمنية انتشرت فى السنوات الأخيرة، وكلاهما حاول تزييف الواقع بالصريخ والشتائم والأكاذيب فغطوا على كثير من المؤيدين والمعارضين العقلاء والحقيقيين.
ولأنى أكتب فى «المصرى اليوم» دون انقطاع منذ أكثر من 10 سنوات فيمكن القول إنه طوال عهد مبارك كانت التعليقات حقيقية، صحيح أنها فى غالبيتها كانت مؤيدة لأى مقال معارض لنظامه ولمشروع التوريث وحتى التعليقات الرافضة لما كنت أكتبه أو يكتبه غيرى من المعارضين لكثير من سياسات مبارك، خاصة التوريث، كان يعبر عنها أشخاص حقيقيون قد تقول إن لبعضهم مصالح، ولكنهم فى النهاية لم يكونوا لجانا إلكترونية.
بالمقابل حين كنت أنتقد الإخوان أو ظاهرة «التدين المغشوش» (عنوان مقال سابق مع مقال آخر سمى بالفائض الدينى) أو شهيدة الكرامة (وصفت السيدة المصرية التى قتلت فى ألمانيا منذ حوالى 8 سنوات على يد شاب عنصرى بأنها شهيدة الكرامة وليس الحجاب كما راج فى وقتها)، هنا تلقيت سيلاً من النقد الحاد الذى أخذته فى البداية بحسن نية واعتبرته نقدا طبيعيا من إسلاميين، ولكنه فى الحقيقة كان تدريبا أوليا لما عرف بعد ذلك بلجان الإخوان الإلكترونية.
هناك كثير من القراء (كما هو حال الشعب) اتفقوا قبل يناير على رفض مبارك واختلفوا بعدها، وكثيرا ما سألت نفسى أين ذهب فلان أو فلانة الذى اعتاد أن يكتب لى تعليقا كل يوم خميس مع مقالى الأسبوعى، ثم اختفى بعد الثورة، هل توقفوا عن القراءة، هل أُحبطوا، هل يرفضون ما أكتب؟
يقينا لقد تغيرت المواقف بقسوة عقب يناير، وانقسم الناس عقب تنحى مبارك فرفض البعض، ولو بصمت، مسار الثورة الدائمة والفعاليات الثورية فى الشوارع، وعادوا وانقسموا أكثر عقب وصول الإخوان للسلطة، ثم اختلفوا حول الرئيس السيسى ونظام حكمه.
وقد شهدت تحولات الإخوان (التى لا يراجعونها أبدا) عقب وصولهم للسلطة منحى جديدا، حيث انتقلوا من مرحلة الاستضعاف طوال حكم مبارك والتعامل الودود مع كل التيارات الأخرى إلى مرحلة «الاستعلاء الإخوانى» والتمكين وانتشرت لجانهم الإلكترونية فى كل مكان لتنهش فى أى مخالف لهم فى الرأى.
أذكر أن مقال «الطريق إلى فشل الإخوان» الذى كتبته عقب 4 أشهر من حكم مرسى كان تجسيدا عمليا للجان الإخوان الإلكترونية فى الشتائم على كل «الجبهات»: بريدى الإلكترونى، موقع الجريدة، وعلى تويتر.
إن ظاهرة اللجان الإلكترونية هى أحد مظاهر الفشل السياسى والأمنى فى هذا البلد لأنها محاولة لتزييف الواقع وإظهاره على غير حقيقته، سواء بالتأييد «التطبيلى» أو الأمنى، أو بالمعارضة الإخوانية المحرضة، لأنها تسرق مكان القارئ أو المواطن الحقيقى الذى ستجد فيها قطاعا إسلاميا يعارض ولا يحرض، وقطاعا مؤيدا عن قناعة، وقطاعا ثالثا يعارض على أرضيه مدنية.
اللجان الإلكترونية، بصرف النظر عن الجهة التى تقف وراءها، ليست فقط دليل زيف وفشل لكنها استهانة بكل الحقيقيين من كل الاتجاهات.
فأهلاً وسهلاً بكل ما هو حقيقى بصرف النظر عن توجهه، ويسقط كل مزيف ولجنة.