بقلم - عمرو الشوبكي
قامت مصر قبل حرب أكتوبر ٧٣ بتقديم رسائل عكسية للقادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين، جعلتهم يقتنعون أن الرئيس السادات لن يحارب ومصر لا تخطط للحرب، وعاد وظهر نموذج ثان من الخداع قامت به حركة حماس قبل عمليتها العسكرية أول أمس، وهو تكتيك يحاول به الطرف المهاجم أن يعوض أي فارق في القدرات العسكرية أو التكنولوجية مع عدوه عبر خداعه وتقديم رسائل له بأنه لن يقوم بأى حرب أو هجوم.
يقينا الخبرة المصرية في هذا الإطار ملهمة لكثيرين، فقد بدأت ببناء نماذج لقطاعات خط بارليف في الصحراء الغربية لتدريب الجنود عليها وملأتها بعدد من الخيام البالية والأكشاك الخشبية المتهالكة حتى لا تكتشفها الأقمار الصناعية، كما أصدر الرئيس السادات في يوليو 1972 قرارًا بتسريح 30 ألف من المجندين منذ عام 1967 وكان معظمهم خارج التشكيلات المقاتلة الفعلية للتمويه، كما أعلنت مصر رفع درجة الاستعداد القصوى للجيش وإعلان حالة التأهب في المطارات والقواعد الجوية في شهر سبتمبر، ما اضطر إسرائيل لرفع درجة استعداد قواتها تحسبًا لأى هجوم، ثم يعلن بعد ذلك أنه كان مجرد تدريب روتينى فاعتبرت إسرائيل أن الأمر مجرد استنزاف لقدراتها، فلم تأخذ ما جرى في أكتوبر على محمل الجد، وظنت أنه مجرد تدريب.
ولإخفاء نية القوات البحرية بإغلاق مضيق باب المندب، نشر خبر في شهر سبتمبر عام 1973، عن توجه ثلاث قطع بحرية مصرية إلى أحد الموانئ الباكستانية لإجراء العمرات وأعمال الصيانة الدورية لها، وبالفعل تحركت القطع الثلاث إلى ميناء عدن وهناك أمضت أسبوعًا ثم صدر لهم الأمر بالتوجه إلى أحد الموانئ الصومالية في زيارة استغرقت أسبوعًا، ثم عادت القطع الثلاث من جديد إلى عدن وهناك جاءتهم الإشارة في ٥ أكتوبر بالتوجه إلى مواقع محددة عند مضيق باب المندب في سرية تامة عند نقط تسمح لها بمتابعة حركة جميع السفن العابرة في البحر الأحمر، ومنع السفن الإسرائيلية من عبور المضيق.
في شهر العبور أكتوبر 1973 تم الإعلان عن فتح باب رحلات العُمْرة لضباط القوات المسلحة والجنود، وكذا تنظيم دورات رياضية عسكرية، وشوهد الجنود المصريون على الضفة الغربية للقناة صبيحة يوم الحرب وهم في حالة استرخاء كامل. يقينا رسائل الاسترخاء والحياد والإخفاء الكامل لأى تدريب عسكرى وأيضا القدرات القتالية الحقيقية للقوات المقاتلة هو ملمح أساسى في خطط أي خداع استراتيجى، وهو ما فعلته مصر بنجاح في حرب ٧٣. وجاءت تجربة المقاومة الفلسطينية بعد نصف قرن عن حرب أكتوبر وتنجح في خداع إسرائيل وتبعث لها برسائل طوال السنوات الأخيرة بأنها لن تدخل في أي مواجهة جديدة معها، وأنها أصبحت مشغولة ببسط سيطرتها على قطاع غزة أكثر من انشغالها بمواجهه الدولة العبرية، وفعلت العكس.