بقلم : عمرو الشوبكي
يُعد بروفايل الأمريكى شمس الدين جبار الذى قام بالعملية الإرهابية الأخيرة فى أمريكا مختلفًا فى بعض الجوانب عن كثير من «إخوانه»، الذين مارسوا عمليات عنف وإرهاب، ولكنه شاركهم فى جوانب أخرى كثيرة.
فقد استهدف أبرياء فى كبرى مدن ولاية لويزيانا، وهى مدينة نيو أورليانز، سقط منهم 15 قتيلًا بجانب عشرات المصابين، فى تكرار لعمليات الدهس البشعة فى حق أبرياء.
واللافت أن شمس الدين جبار لم يكن من الأصل مسلمًا، إنما اعتنق الإسلام منذ عدة سنوات، وهى ربما المرة الأولى التى يقوم فيها شخص لم يعتنق الإسلام إلا حديثًا بعملية إرهابية.
أما رحلته المهنية فقد درس المعلومات والحاسب الآلى، والتحق بالجيش الأمريكى، وذهب إلى أفغانستان، وواجه صعوبات فى التكيف مع الحياة المدنية، بعد تركه الخدمة العسكرية، ولذا أصابت عشرات التقارير الصحفية العربية والأجنبية حين ذكرت «أن العنف انفجر من العدم»، أى أن «جبار» لم يكن له أى ماضٍ عنيف، ولم يكن دينيًّا متشددًا حتى نقول إنه انتقل من التشدد الفكرى إلى الممارسة العنيفة، إنما كان شخصًا هادئًا مارس حياة طبيعية، ثم بدأ يعانى إحباطات اجتماعية وأزمات مالية وديونًا ومشاكل نفسية، كل ذلك دفعه إلى ممارسة العنف والإرهاب، ملتحفًا بشعارات دينية داعشية لا تعكس أى فهم أو حتى دراية بالتفسيرات الدينية المتشددة.
والمؤكد أن خيار الإرهاب فى ربع القرن الأخير لم يعد أساسًا خيارًا عقائديًّا، بمعنى أن يقوم الشخص بالاعتماد على تفسيرات متشددة لبعض النصوص الدينية، ويقرر على ضوئها ممارسة الإرهاب كما جرى مع تنظيمات التطرف العنيف العقائدية فى مصر مثل الجهاد والجماعة الإسلامية وغيرهما، إنما أصبح يتشكل أساسًا من إحباطات الواقع سواء كانت اجتماعية أو مادية أو سياسية أو القهر والتمييز، ويعود فى اللحظات الأخيرة إلى التفسيرات الدينية المتطرفة لتبرير خيار العنف والإرهاب الذى تشكل أساسًا من السياق المعيش.
لقد شهدنا فى العقود الأخيرة عشرات العمليات الإرهابية التى قادها أشخاص ليست لهم علاقة بصورة الجهادى أو التكفيرى التقليدى التى عرفتها التنظيمات المتشددة المحلية أو حتى تنظيم القاعدة على المستوى العالمى، وكان أبرزهم صلاح عبدالسلام، الذى بلغ من العمر 26 عامًا، وهو بلجيكى الجنسية، من أصل مغربى، وحُكم عليه بالسجن مدى الحياة لمشاركته فى العملية الإرهابية، التى جرت فى فرنسا فى نوفمبر 2015 وراح ضحيتها 130 شخصًا غير مئات المصابين.
صورة صلاح عبدالسلام وصورة شمس الدين جبار وغيرهما كثير لا تدل على أننا أمام صورة جهادى أو تكفيرى على الإطلاق، فحياتهم كانت إما بعيدة عن التدين الكامل أو حتى التشدد الدينى، ومع ذلك ذهبوا إلى العنف لأسباب فى أغلبها اجتماعية وسياسية بعيدة عن الأصولية الدينية، حتى لو أخذوها «كإذن مرور» لتبرير عمليتهم الأخيرة.