قصص قصيرة جدًا

قصص قصيرة جدًا

قصص قصيرة جدًا

 العرب اليوم -

قصص قصيرة جدًا

بقلم - عمار علي حسن

فرسان

جلست قبالته حين تحلقنا حول المذياع ننصت إلى شاعر الربابة وهو يشدو بالسيرة الهلالية. كان الليل فى أوله، والقمر يرسل ضوءًا ضعيفًا إلى الساحة المرشوشة أمام البيوت الخفيضة، لكنه كان كافيًا كى أرى فى عينيه الوسيعتين خيولًا جامحة، وسيوفًا مشرعة، ورقابًا تطير، ودماءً غزيرة سالت حتى كادت تجرفنا من مكاننا.

دوائر

رمى الولد حجرًا صغيرًا فى قلب الترعة الوسيعة، وراح يستمتع بالدوائر التى تتلاحق. تبدأ ضيقة ثم تتسع إلى أن تتلاشى، فيصنع واحدة جديدة، بعد أن جمع إلى جانبه كومة أحجار هائلة. أصابه ضجر، فلا الدوائر تبقى، ولا الأحجار تنتهى، فطمح إلى أن يلقى حجرًا أثقل من جسده لعله يصنع دائرة لا تموت أبدًا.

النشيد

اصطف لاعبو الفريقين قبل انطلاق المباراة الفاصلة ليرددوا نشيد البلد. صدحت الموسيقى، بينما أفواههم مغلقة، وعيونهم تحلق فى المدرجات الفارغة، وآذانهم تسمع من يهمس فى إلحاح:

ـ تخيلوها تغص بالمشجعين. وتناهت إليهم أصوات هادرة يعرف أصحابها كيف يعبّرون بطريقة أعمق عن حب الناس والأرض والحرية.

طاغية

سأل الطاغية طبيبًا وافدًا للعمل فى بلد يحكمه بالحديد والنار:

ـ أيهما أفضل، بلدى أم بلدك؟

نطق الطبيب بلا تردد:

ـ بلدى.

أشاح الطاغية عنه بوجهه، وتركه تلعب به الظنون عن الطريقة التى سُيقتل بها. فى صباح اليوم التالى، أرسل له من يحضره إلى قصره، وأعاد إليه السؤال، فكرر الإجابة، فابتسم له وقال:

ـ أمرت بتعيينك طبيبى الخاص، ولو كنت بعت بلدك ما استأمنتك على حياتى.

رقص

نظر إلى شاشة التلفاز مندهشًا، وأشار لى بأصبعه:

ـ انظر.. إنه واعظ المسجد، يرقص مع الغاضبين فرحًا فى تلك المظاهرة العارمة.

ابتسمت وسألته:

ـ لا أرى عيبًا فى هذا، فاضت مشاعر الرجل، ودفعته فطرته.

أطرق برهة، وهز رأسه، وقال:

رأينا واعظين أيام غضبنا النبيل وقبله وبعده يتصنعون الوقار والتبتل، بينما كانت قلوبهم وعقولهم وضمائرهم تتراقص فى خلاعة على جثث من أفتوا سرًا وعلانية بقتلهم.

مظاهرة

تعجب الناس لهذه اللينة فاتنة الحسن التى وقفت متحدية الجميع وهى تصرخ بقوة وعزم فى الساحة المطلة على قصر الحاكم.

قال كل منهم فى سره:

ـ جمالها يجعلها تسكن مثل هذا القصر، بدلًا من مشاركة الجوعى غضبهم.

واحد فقط تنبه إلى زيها الفاخر، وجواهر تزين جيدها وأذنيها ومعصميها، ومفتاح سيارة فارهة يتدلى من علَّاقة فى يدها، وأدرك أن غضبها لسبب آخر أثمن من الطعام.

مشيئة

قال لهم وهم راكعون خوفًا:

ـ كل شىء يجرى وفق مشيئتى.

استعادوا تاريخ تجبره، وخضعوا لقوله، لكنهم حين رأوه يعرق فى الصيف، ويرتجف فى الشتاء، أدركوا أن هناك مشيئة فوقه لا يدركها، وتعمدوا ألا ينبهوه إليها، ويتركونه لعماه، لكنهم تصرفوا فى الأيام التالية وهم يتناسون غروره، فأسقطوا عنه سلطانه.

تعتيم

تَلِفت شاشة هاتفه المحمول، فكان إن أطلق رنينًا نظر إليه فى أسى، لأنه لا يعرف من يتواصل معه، إذ لا يظهر له رقم ولا حرف.

يضع الهاتف على أذنه، فيأتيه صوت خافت من جوف زمن سحيق. بمرور الوقت، اكتشف أن صاحب الصوت لا يتغير، وأنه لا يقول له شيئا سوى تحذير دائم من أن يبدل الشاشة الهالكة، أو يكون قادرًا على شراء هاتف آخر.

بوصلة

رأيت الشمس تسقط فى المحيط الهائج فيشتعل نارًا، ثم ينطفئ، ويطير الرماد والرذاذ الكثيف، فيضرب الوجوه فى الظلام الدامس.

فى البعيد الأسود برق خيط نور. كان يومض ويخفت، لكنه ظل عالقًا فى الفضاء العالى تهزه الريح، فيخطف أبصار المتجهين إليه، وكل منهم يهتدى بجسد أخيه وهو يخوض فى الوحل الغزير.

لقاء

أتاه صوت محدثه فى الهاتف مطابقًا لذلك الذى استقر فى ذاكرته طيلة ربع قرن مرت دون لقائهما. حين وصل إلى الفندق الذى تواعدا على العشاء فيه، بحث عن صورة صاحبه التى يعرفها فلم يجدها. همَّ بالانصراف فناداه الصوت نفسه، وبينما التفت إليه وقع بصره على وجهه هو فى مرآة جانبية ليرى، لأول مرة، التجاعيد التى زحفت إليه بقوة.

لافتة

كلما رفعوا اللافتة ليعلقوها على جدار يراه القادمون من الشارع الطويل، سقطت على الأرض. حين تمكنوا بعد تعب شديد من نصبها، فوجئوا باختفاء الصورة المرسومة والكلمات المكتوبة تحتها. تلفتوا حولهم فرأوا الألوان والحروف تدهسها أقدام العابرين، وإطارات السيارات التى تمرق دون أن ينظر سائقوها إلى رجلين يقفان حائرين تحت لافتة فارغة.

ظل

راقب ظله العفى المطروح على الطريق، بينما الشمس تتأهب للرحيل حتى غابت. لم تنقطع عنه رؤية جسده ولمسه، لكن ظِله اختفى مع قدوم الليل.

حين هرع إلى أول عمود نور لاح له عاد الظل إليه فرقص فرحًا، إلا أن ظله بقى جامدًا، فراح يدوسه فى غيظ، ولم يوقف معركته حتى بزغ نور نهار جديد.

عشاء

رأيته جالسًا عند كومة قمامة هائلة تتمدد وتعلو جوار جدار حديقة مورقة. اختلطت فى أنفه رائحة الورد والزهر مع تلك التى تخرج من بقايا أطعمة مشرفة على الفساد. كان الطِيب أقوى مع العفن، فصار بوسعه أن يلتقط بعض ما يؤكل ويلقيه فى جوفه، ثم يخرج لسانه للعابرين.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قصص قصيرة جدًا قصص قصيرة جدًا



الملكة رانيا تجسد الأناقة الملكية المعاصرة في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 14:05 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
 العرب اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد

GMT 14:09 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كوليبالي ينفي أنباء رحيله عن الهلال السعودي

GMT 03:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab