فى معنى «الشارع السياسى»

فى معنى «الشارع السياسى»

فى معنى «الشارع السياسى»

 العرب اليوم -

فى معنى «الشارع السياسى»

بقلم - عمار علي حسن

قاد انشغال الناس بشؤون السياسة وأخبارها البعض إلى أن يعيد صياغة الاصطلاح المعروف بـ«الرأى العام»، أو يسلخ عنه جزءًا ليس بالقليل، ليطلق عليه اسم «الشارع السياسى»، والذى ذاع صيته في الإعلام، وظلت تردده الألسنة في مصر من دون بلورة اصطلاح مستقل له من واقع التجربة المصرية على وجه الخصوص، والتى تستعيد دومًا مقولة شهيرة صكها جمال عبدالناصر وهى «الشعب المعلم».. تخبو قليلا.. ثم لا تلبث أن تعود قوية كاسحة مع انتفاضات المصريين وثوراتهم.

ورغم اللحظة المتأخرة التي ولد فيها تعبير «الشارع السياسى»، فإنه ظل كامنًا أو خافتًا ومتداولًا بشكل غير مباشر في كثير من الممارسات السياسية، التي حملتها اصطلاحات راجت وتبلورت وتحددت معالمها واستقرت في بطون القواميس والمعاجم والموسوعات، مثل «المشاركة السياسية» و«التنشئة السياسية» و«الرقابة الشعبية» و«العقل الجمعى» و«الضمير الجمعى» و«الرأى العام» و«الجماهيرية».

والاصطلاح الأخير- وهو الأقرب إلى مصطلح الشارع السياسى- يُقصد به وفق معطيات النظرية الماركسية: أي حركة سياسية تسعى إلى تعبئة الجماهير كأفراد وليسوا كأعضاء في جماعة اقتصادية اجتماعية معينة ضد السلطة التي يُعتقد أنها تخضع لسيطرة أصحاب المصالح الخاصة، أو يُعتقد أنها فائقة القوة أو الهيمنة.

وقد بدأ مصطلح «الجماهير» أو «الكتلة» Mass في اللاهوت المسيحى، بمعنى «القداس» الذي يحضره شعب الكنيسة وهو محتشد في كتلة واحدة، ثم انتقل في القرن السابع عشر إلى علم الفيزياء، ليعنى «كم المادة المتجمعة».. وتسرّب بعدها إلى العلوم الاجتماعية ليعنى تحوّل الجماهير إلى كتلة واحدة منصهرة ذات مشاعر واحدة وذوق وإرادة واحدة، قد تكون واعية أو لا واعية، لكنها تعمل في اتجاه واحد.. وازداد رسوخًا مع الثورة الفرنسية التي لعبت فيها كتلة الجماهير الحاشدة دورًا محوريًا.

واكتسب المصطلح دلالته الكاملة في أكثر من حقل من المعارف الإنسانية مع ظهور المجتمعات الحديثة ذات الكثافة السكانية الكبيرة، ومع ظهور وسائل الإعلام القادرة على الانتشار السريع والواسع، والثورة الصناعية التي جعلت ملايين أو ربما مليارات البشر يستهلكون سلعة واحدة.

وبدأت تظهر الحاجة إلى قياس الرأى العام أو استطلاع مواقفه منذ وقت مبكر، حيث أُسست جمعية في بريطانيا عام 1937 باسم «المشاهدة الجماهيرية» Mass Observation لتطوير الدراسات العلمية التي تقف على طبيعة السلوك الاجتماعى من خلال الاستعانة بعدد من المشاهدين المتطوعين، الذين دوّنوا خبراتهم الميدانية وملاحظاتهم العميقة وانطباعاتهم الخاطفة حول بعض العادات والتقاليد. وقد انقطع نشاط هذه الجمعية خلال الحرب العالمية الثانية، ثم عاودت نشاطها ووسعتها لتشمل مراقبة حركة الأسواق التجارية. وبمرور السنين، ظهرت الشركات والمؤسسات التي لا عمل لها سوى إجراء استطلاعات للرأى العام حول مختلف القضايا.

وقد صارت المجتمعات الديمقراطية الحديثة تحمل اسم «المجتمع الجماهيرى» Mass Society، فيما مَثَّلت الجماهير رافدا ملموسا من روافد القوة السياسية في ظروف معينة ببعض بلدان الدول النامية. وتعد حركة «البيرونيين» في الأرجنتين، المنسوبة إلى الرئيس بيرون، نموذجا جليا لهذا، كذلك الحركات الشعبية التي ظهرت في شرق ووسط أوروبا أثناء فترة تخلصها من قبضة الاتحاد السوفيتى، وقيادتها نضالا سلميا من أجل التخلص من حكومات مستبدة تابعة لموسكو.

وقبل ذلك بعقود كان للناس حضور مختلف في المشهد السياسى من خلال الانخراط في مقاومة مسلحة ضد الاحتلال أو ضد أنظمة الحكم الديكتاتورية فيما عرف باسم «الحرب الثورية» أو «الجبهات الشعبية» Popular fronts، التي شكلها يساريون أو راديكاليون ليبراليون من يسار الوسط، وكذلك التحالفات ضد الفاشية في ثلاثينيات القرن العشرين.

وهناك جبهة تشكلت في إسبانيا عام 1936 بوصفها تجمعًا انتخابيًا، وأدى انتصارها إلى اشتعال الحرب الأهلية. وهناك أخرى تشكلت في أستونيا عام 1988 للدعوة إلى الاستقلال عن الاتحاد السوفيتى.

وتوجد أيضا «الحركة الشعبية» Populism مثل جماعة «إرادة شعب» التي ضمت مجموعة من المفكرين الروس الذين عاشوا وسط الفلاحين، وأثمرت جهودهم عن تأسيس «الحزب الثورى الاجتماعى» الذي قمعه لينين عام 1918.. لكن مثيلاتها في بولندا وبلغاريا ورومانيا لاقت نجاحًا لافتًا. وظهر حزب في الولايات المتحدة اسمه «الحزب الشعبى»، والذى نادى في تسعينيات القرن التاسع عشر بالإصلاح الزراعى. كما يوجد سياسيون شعبيون لديهم قدرة فائقة على مغازلة الجماهير وجذب انتباههم وتعاطفهم.

وهناك من يطلق على الشارع السياسى اسم «المزاح الشعبى».. وهو إن كان قد حرس الديمقراطية من خلال حرص أغلب الناس على الذهاب إلى صناديق الاقتراع في البلدان الديمقراطية، فإنه تسبب خلال بعض الحالات في انتكاس الديمقراطية وتجاوز تنظيماتها، نظرًا لفقدان الثقة في المؤسسات القائمة عليها. فالنازيون والفاشيون في ألمانيا وإيطاليا تباعا وصلوا إلى الحكم عبر صناديق الانتخابات، لكنهم انقضّوا على الديمقراطية وسط احتفاء الشارع بنزعتهما القومية والتسلطية. وفى أواسط القرن العشرين، قاد المزاج الشعبى إلى ميلاد نظم عسكرية تسلطية في إسبانيا والبرتغال والكثير من جمهوريات أمريكا اللاتينية.

ولم تقد حركات التحرر الوطنى والانقلابات العسكرية والانتفاضات والاحتجاجات خلال النصف الثانى من القرن نفسه إلى التحول نحو الديمقراطية في دول عديدة في آسيا وإفريقيا، بسبب قبول المزاج الشعبى للحكومات العسكرية، أو لفشلٍ في ضبط آليات الديمقراطية، مثل حالة روسيا أثناء حكم يلتسين، ومصر خلال حكم مرسى، والخبرات المعاصرة لرومانيا وبلغاريا.

وهناك حالات لا يلحّ فيها الشعب طالبًا الديمقراطية، مكتفيًا بالإنجازات الاقتصادية والاجتماعية مثل الصين ودول الخليج.

وقد ساهم التطور الهائل في وسائل الاتصال وظهور الإعلام الحديث وتقدم الصناعة في زيادة الحضور الشعبى في المشهد العام، ولم تعد السياسة، فكرًا وممارسة، مقصورة على نخب ضيقة، وعلى من يلتف حولها من المنشغلين بالقضايا العامة.

وصار الوعى بتأثير السياسة على الحياة الخاصة للفرد عميقًا ومتجذّرًا. فكثيرٌ من النظم التسلطية حاولت عبر قرون أن ترسخ تصورات تفصل بين الشأن السياسى وشؤون الحياة التي تمس الفرد بشكل مباشر، أو تلك التي تتعلق بتلبية احتياجاته المادية الأساسية.. لكن هذه اللعبة لم تعد تنطلى على قطاعات عريضة من الناس، أصبحت موقنة أن ثقافة الحاكم ونوع الحكم وكفاءة وولاءات الشخصيات التي تدير الدولة لها علاقة مباشرة بحياة أفراد الشعب، ولا جدال في ذلك.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فى معنى «الشارع السياسى» فى معنى «الشارع السياسى»



GMT 10:34 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
 العرب اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 13:32 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
 العرب اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 10:29 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
 العرب اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
 العرب اليوم - أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد

GMT 14:09 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كوليبالي ينفي أنباء رحيله عن الهلال السعودي

GMT 03:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab