كلما علا دق الطبول، اِعلم أن هناك من يريد التغطية على صوت الكارثة.
(2)
رأيت فيديو لصاحب مزرعة دجاج يلطم خديه ويهيل على رأسه التراب، لأنه مضطر لذبح كل ما أمامه لنقص العلف. إن قرار منع الاستيراد لتوفير الدولار لم يفرق بين سلع كمالية واحتياجات الصناعة والإنتاج.
(3)
قابلت مصادفة وزيرة الثقافة السابقة د. إيناس عبدالدايم، فقلت لها غاضبا: لو هُدمت مقبرة طه حسين سيصبح عارًا. قالت: لا علاقة لى بهذا، وقد قدمت مذكرة تبين خطورته. قلت لها: أعرف لكن عليك إبلاغهم برفض المثقفين، وأضفت: أعرف أن حفيدة طه إن تأكدت من الهدم ستنقل رفاته لباريس وستكون فضيحة دولية.
(4)
عن علاقة طه حسين بضباط يوليو، يقول الكاتب المسرحى السورى الراحل سعد الله ونوس: «كان التعارض ين الموقفين جذريًا لا يسمح إلا بعلاقة متوترة أخفاها الطرفان وراء ستار من المجاملات المتبادلة التى حمت طه حسين من الأذى العينى، لكنها فى الوقت نفسه بدأت تطفئ الأضواء حوله وتدفع به وبمشروعه إلى ظل مهمل».
(5)
«موت الغرب» كتاب لباتريك جيه بوكانن، يبين أن شيخوخة سكان الغرب تؤذن بموته. لهذا تفتح أوروبا وأمريكا أبواب الهجرة للنابهين من بيننا. على النقيض نجد 70% من الشعب المصرى تحت 35 سنة، و24% تحت سن 10 سنوات، وهى ثروة بشرية، لو حولناها لكيف وليس كمًّا وآمنّا بأن الإنسان هو مصدر الثروة الحقيقية.
(6)
العقل يكمل مسار الوحى ولا يضاده. الوحى توقف، وهو يعرف الآن بالعقل المستمر. دون عقل لن يُعرف حضور الوحى فى العالم، بدليل أن الحيوانات لا تعرف أن وحيا قد جاء، وكتبا سماوية قد نزلت، كما يؤمن بها كثير من الناس. العقل هو من يعمل على تفسير وتأويل الوحى، ويعطيه هذه الفاعلية والاستمرار.
(7)
يوم 11 أكتوبر 1988 افتتح الرئيس الراحل حسنى مبارك دار الأوبرا الجديدة، ودعت الرئاسة كُتابا كثيرين، ونُسى نجيب محفوظ، أو أُهمل، بينما كان فى الحفل من هم دونه كثيرا. بعد يومين فاز محفوظ بنوبل، فكان على مبارك أن يتصل به ثم يدعوه إلى القصر فى احتفال خاص به، أتيح له فيه أن يدعو نجيب من يحب، ثم كرّمه بقلادة النيل، ولولا نوبل لما حصل عليها. هذه آفة فى بلادنا، إذ إننا لا نعرف قيمة الناس ولا نرى قامتهم إلا إذا جاء اعتراف بهم من غيرنا.
(8)
من الشخصيات التى ظُلمت كثيرا «ابن تيمية»، فالمتطرفون أخذوا منه جزءا يخدمهم، والذين يتصدون لهم يهاجمونه بوصفه مرجعيتهم، فصار الرجل محشورا بين سوء فهم طرفين متخاصمين. ابن تيمية له آراء أخرى مختلفة فى إصلاح الراعى والرعية، لكن التطرف يتعامى عنها كعادته، ويسوق لأخرى قيلت فى ظرف استثنائى.
(9)
لا ينسى من تآلف مع القراءة، فصار منها وصارت منه، فضل باعة الكتب القديمة عليه، خاصة إن كانت يده مغلولة عن شراء الكتب الجديدة، أو كان يبحث عما جافته المطابع ودور النشر من كتب قيمة لمجرد أنها لم تعد تجارية، وأن الجيل الجديد لا يعرف مؤلفيها الكبار لأنه لا يوجد فى إعلامنا وتعليمنا ما يذكّر بهم مرارا، أو حتى كان هذا القارئ يحب رائحة هذه الكتب أو زمن كتابتها.
كنت وما زلت واحدًا من هؤلاء، وليس بوسعى أن أقتل فى ذاكرتى أو أنهك صورتى وأنا واقف أمام الكتب المرصوصة على «سور الأزبكية» أيام الجامعة، حين كنت أدخر من نقودى الشحيحة وأذهب إلى هناك قبيل امتحانات آخر العام لأجمع زوّادة الصيف من الكتب. فأيام الدراسة كانت مكتبتا جامعة القاهرة وكلية الاقتصاد والعلوم السياسية تقومان بالواجب وأكثر.
أما فى الإجازة فكان على أن أبحث عما أقتات عليه خلالها، فكان السور، وكان بائع الكتب القديمة فى مدخل المدينة الجامعية، وكنا جميعا لا نعرف له اسما إلا «الكابتن»، وكنا نمر به فى الذهاب والإياب، نمعن النظر فى فرشته العامرة بالكنوز، ونلتقط منها ما يروق لنا، وما نشعر أنه يضيف إلى معارفنا وطرق تفكيرنا.
وقبل أن أنهى عامى الدراسى الأخير سنة 1989، أتى بائعون وفرشوا الجامعة فى مقابل كلية الآداب، وكان آخر يفترش سور كلية الزراعة بالقرب من ميدان الجيزة، فصار كلاهما موردًا لى.
ومن السور والكابتن وغيرهما كوّنت مكتبة فى قريتى، كانت بها كتب فى مجالات عدة: الآداب والفنون والعلوم السياسية والاجتماع والاقتصاد والفلسفة وعلم النفس وكتب العلوم البحتة المعدة لغير المتخصصين، وكثير من الدوريات الثقافية، ولاسيما «الهلال وعالم الفكر والعربى والدوحة وأدب ونقد ونسخ قديمة من مجلة الكاتب.. وغيرها»، وهى مجلات ما إن اكتشفتها هى والسلاسل الشهيرة مثل «عالم المعرفة» و«كتاب اليوم» و«زدنى علما» و«الكتاب الذهبى» وغيرها، حتى ذهبت أبحث عن أعدادها القديمة فى السور، وكان الكابتن يأتينا ببعضها.
ورغم أن كثيرا من المثقفين استفادوا من باعة الكتب القديمة، فكوّنوا مكتباتهم فى مقتبل حياتهم على وجه الخصوص من عندهم، فإنهم لم يبذلوا جهدا حقيقيا فى سبيل الارتقاء بهم، سواء بمساعدتهم على إنشاء نقابة لهم، أو صناعة همزة اتصال بينهم وبين دور النشر الكبرى والصغرى، خاصة من خلال إطلاق طبعات شعبية من الكتب تساعد فى حفظ الملكية الفكرية، ووصول الكتب إلى قطاع عريض من القراء غير القادرين.
ودور النشر الحكومية لديها عشرات الأطنان من الكتب مكدسة فى المخازن، ولا يتم تصريفها، نظرا لوجود قوانين معوقة تحول دون ذلك، ومن الضرورى أن يتحاور المثقفون حول حل هذه المعضلة للإفراج عن تلك الكتب التى موّلها دافعو الضرائب، وصار من حق الناس أن يطّلعوا عليها بدلا من إتلافها.
لكن لا يمكن إلقاء التبعة فى هذا الموضوع على المثقفين فقط، بل إنها بالأساس مسؤولية الدولة، التى يجب عليها أن تصنع الإجراءات وتسن القوانين التى تحمى تجارة الكتب القديمة، وليس فقط الاستجابة لضغوط أصحاب دور النشر الكبرى الذين يلعبون دورا فى مطاردة هؤلاء والتضييق عليهم، وعلى هؤلاء أن يلتزموا بالقانون، فيكفّوا عن عرض الكتب المنحولة والمسروقة والمقلدة.. الإفراط فى هذا يهدد صناعة النشر فى بلادنا تهديدا جارحًا وبارحًا.