لا رجاء إلا لواحد أحد تأملات صوفية

لا رجاء إلا لواحد أحد.. تأملات صوفية

لا رجاء إلا لواحد أحد.. تأملات صوفية

 العرب اليوم -

لا رجاء إلا لواحد أحد تأملات صوفية

عمار علي حسن
بقلم - عمار علي حسن

على أبوابه يقف الخلق جميعًا. يعرف بعضهم أو يجهلون، فمن ذا الذي لم ينتظر يومًا راجيًا، وأمله أن يُستجاب له. ومن ذا الذي لم يسمع يوما همس نفسه، تسأله:

ـ أين الطريق؟

ومن ذا الذي لم ترد إليه الإجابة:

ـ ارجوه بلا انقطاع ولا يأس، تقف قدماك على أول الدرب.

أدركنا منذ الزمان الأول، ثم استيقنا بعد أن رمح بنا العمر، أن عبيد الدنيا يرجون أسيادا من دم ولحم، والأحرار لا يرجون إلا من الروح المطلقة. يقفون أمام خالق كل شىء، خاشعين خاضعين له وحده، وليس لغيره، ولا لشىء، شامخين بقدر ما امتلأت نفوسهم بالاستغناء عما هو عند الناس ولديهم ومعهم، وفى تواضع وطلب وإلحاح لما في يده سبحانه وهو كل أحد، وكل شىء، موقنين أنه يعطى بلا حد، ودون تيه أو منٍّ أو افتخار أو انتظار رد. وكيف ينتظر أو يتيه من امتلك كل أحد، وأى شىء.

الرجاء هو ذلك التي تلمحه على أكف المتضرعين في خلاء، أو على باب الأولياء، لا يطلبون منهم شيئا، ولا يتخذونهم واسطة أو وسيلة كما يظن الجهلاء، إنما يرونهم أهل الطريق هم المُثل العليا من البشر، التي عليهم الاقتداء بها.

الرجاء باب يلم شتات الغرباء والمشردين والمطرودين. إنه مأوى لا يزعم أحد من البشر أنه قد أقامه. ليس هو بحاجة إلى جدران ولا خيام على الأرض، إنما كل أوتاده مزروعة في السماء، بينما سنونها المدببة مغروسة في أرض بعيدة، لكنها لا تلحق بالناس الأذى، ورؤوسها المستعرضة تتطامن حين تلمسها النجوم وتجلب معها كل خير.

وما دمت ترجو بعد توبتك، فأنت مغفور لك، ولو ملأت خطاياك الأرض، شرط أن ترد إلى الناس مظالمهم. وإن لم يقبل الناس عودتك، فلا تبالى، طالما بنيت بينك وبين الخطيئة ألف ميل من جدران ترتخى فوق أكتاف من حجر، وفى جوفها صوان وحديد.

وكيف لا يكون كل هذا الغفران، وقلب من يرجو معلق بمحبوب سيأتى، وفى الرجاء عيش القلوب وكبرياؤها، وامتلاكها ما لا يمكن لمن يفتقر إلى معنى العزة أن يدركه. فالرجاء من الله شموخ، ومن غيره رضوخ. والذين يقفون على باب الرجاء تراهم في حضرة الطلب من الله ذائبين هاجعين راكعين كأنهم مجرد غيمة تأكلها الشمس، وينبذها الريح.

ما إن يخلو العبدإلى الناس حتى يهزأوا جهرًا بكل شىء، وأى أحد يسلبهم إرادتهم وحريتهم. قد يهزأون في سرهم دون أن يجرحوا أي شخص، يهزأون ليس من أشخاص، يلتمسون لهم ألف عذر، إنما من ظروف قادت هؤلاء إلى محاولة التغرير بأهل الرجاء.

ومَن يرجو لا يكتفى بالتمنى.. فالثانى يورث الكسل، حين ينتظر صاحبه ما يأتى، سادرًا في شرود أبله لا يؤتى منه ثمر، ولا تنتظر عاقبة إلا الندامة. ومن يرجُ يثق في جودة الواجد، ويرى التحقق بعين المُحقِق، ويلاطف الرب بجيشان القلب، ولا يجيش قلب سليم إلا بالمحبة.

الراجى إن عرف خاف، وإن رجا اطمأن، فيغلب رجاؤه خوفه، لأنه يثق في كريم ودود، يزيد جوده على شحه، ويفيض يسره على عسره، حتى لا يكون شحا ولا عسرا.

والراجى يفهم أن المسكوت عنه أكبر كثيرا مما نطق به، والصمت أعلى من أي تعبير، وبسطاء الناس لا يشغلهم شىء من الحذلقة والتيه والتردد والمساءلة والشك والريبة، لأنهم ذهبوا إلى الله من أقرب طريق، ألا وهو: حين تعجز بعد كل تفكير وتدبير فهو في انتظارك. وكيف لا يكون له هذا، وهو المالك لأى أحد، وكل شىء.

الراجى حتى لو يؤمن بأن لهذا الكون الفسيح خالقا، فإنه لا ينقطع رجاؤه، فمن ذا الذي لا يمكنه أن يرجو من بين البشر وإلا صار غده يومه، وصار يومه أمسه، وصار أمسه عدما!. والراجى يدرك أن أي وباء أو اعتداء في هذا العالم له ترياقه. الترياق الأول والأخير هو الحقيقة.

ومن يرجو يرى الجمال بعين الجلال، ويجد كل البهجة في اللقاء، ويلفى كل مشقة في سبيل المحبوب ليس لها وجود، ويفهم أن كل سعة في يد الرحمن لا يمكن أن تضيق، وأن كل ما يرفع الناس أكفهم ضراعة طالبين له، لا يتأتى لقصور في قدرة من طلبوه ولا من لبوه، إنما لأن ما بينهم وبينه حجاب لا يدركونه.

صار على من يرجو الله في أيام القحط ألا يبعد عمن يريد امتلاء بطنه وأهله بأى شىء، وأن يسلك أي نزر يسير، وأن يقطع في سبيل هذا أي درب. ففى أيام المجاعات، لا تعلو لافتة فوق هامات الناس أكبر من تلك التي تقول: «كاد الفقر أن يكون كفرًا»، فهى وحدها التي ترسم معالم الطريق، وتفهمنا أن الزهد والاستغناء لا يتحقق إلا بالقدرة على الامتلاك ثم الترك.

وليس على هذا أن ينكر من رأى في دنيا الناس، أو تخيل هذا، أو استبشر به، أو حتى أطلق كذبة بيضاء، أن أفق الرجاء لا سبيل إلى ضمه أو قضمه أو تحديده أو تعيينه ثم المتاجرة به.

وإزاء كل هذا، لم تبعد رؤية شيخى الطيب عما اعتقدت فيه، فقد رأيته يمتطى طيرًا عظيمًا، لا يعرف البشر له اسما، يمد ساقا على جناح مكتوب فوقه «الأمل»، والجناح الآخر عليه كلمة «الخوف

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا رجاء إلا لواحد أحد تأملات صوفية لا رجاء إلا لواحد أحد تأملات صوفية



الملكة رانيا تجسد الأناقة الملكية المعاصرة في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 09:16 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل
 العرب اليوم - أحمد العوضي يتحدث عن المنافسة في رمضان المقبل

GMT 20:21 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

غارة إسرائيلية تقتل 7 فلسطينيين بمخيم النصيرات في وسط غزة

GMT 16:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

صورة إعلان «النصر» من «جبل الشيخ»

GMT 22:23 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

إصابة روبن دياز لاعب مانشستر سيتي وغيابه لمدة شهر

GMT 06:15 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

GMT 18:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحصل على قرض بقيمة مليار يورو من الاتحاد الأوروبي

GMT 10:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الزمالك يقترب من ضم التونسي علي يوسف لاعب هاكن السويدي

GMT 19:44 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

هزة أرضية بقوة 4 درجات تضرب منطقة جنوب غرب إيران

GMT 14:08 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد رضيعة فى خيمتها بقطاع غزة بسبب البرد الشديد

GMT 14:09 2024 الخميس ,19 كانون الأول / ديسمبر

كوليبالي ينفي أنباء رحيله عن الهلال السعودي

GMT 03:37 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

أحمد الشرع تُؤكد أن سوريا لن تكون منصة قلق لأي دولة عربية

GMT 20:22 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

الاتحاد الأوروبي يعلن صرف 10 ملايين يورو لوكالة "الأونروا"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab