عن حملة «أخلاقنا»

عن حملة «أخلاقنا»

عن حملة «أخلاقنا»

 العرب اليوم -

عن حملة «أخلاقنا»

عمار علي حسن

بمشاركة بعض رموز المجتمع دُشنت بالقاهرة يوم الاثنين الماضى حملة «أخلاقنا»، بُغية ردّ اعتبار الأخلاق والقيم عبر تسليط الضوء على الجوانب الإيجابية فى أخلاق المصريين، تحت شعار «الخير موجود بداخل كل شخص، لكنه بحاجة إلى من يكتشفه»، وتركز على ترسيخ بعض القيم مثل «الحب» و«المبادرة» و«الإنصاف» و«الشعور بالآخر» و«الاتزان النفسى» وغيرها.

وبغضّ النظر عن سلبيات تتعلق بالشكل فى هذه الحملة من زاوية المشاركين فيها، والطرق التى تعبر بها عن نفسها، وتضييق مساحتها الزمنية إلى ثلاثة أشهر فقط، فإنها تمس وتراً مهماً فى الحياة المصرية الراهنة، حيث تعانى الرؤى الدينية المطروحة من فقر شديد فى الوعى الأخلاقى، رغم أن الانشغال به والسؤال عنه، قديم فى الثقافة العربية الإسلامية. فما جرى من غلبة الفقه على الفلسفة، والشريعة على الأخلاق، والتدين على الدين، لم يسعف فى قيام علم أخلاق إسلامى يتسم بالانضباط الصارم، والاتساق الذاتى، ويمتلك القدرة على نشره بسهولة شديدة.

فغياب الجانب الأخلاقى، المرتبط إلى حد عميق وبعيد بالروحانيات ويقظة الضمير، حوّل العبادات إلى مجموعة من الطقوس الجوفاء، وجعل المعاملات تقوم على النفعية سواء بتحصيل مكاسب دنيوية عاجلة أو السعى إلى الفوز بمكاسب أخروية آجلة عبر جمع الحسنات فى عملية حسابية جافة، يظن صاحبها أن بوسعه أن يربح إن تعامل مع عدل الله وليس رحمته وفضله، تطبيقاً لفقه وتفاسير تتحدث له فى هذا الاتجاه الذى يميل إلى ظاهر النصوص.

بطبيعة الحال لا يكتمل جهد أو مشروع للنهضة والتنوير والإصلاح الدينى فى بلدنا على وجه الخصوص من دون الاهتمام بفكرة إصلاح المثل والقيم الدينية، وتقديم جهود نظرية وفلسفية متماسكة علمياً فى ما يخص طبيعة العلاقة بين الدين والأخلاق، فى ظل نظرة متطرفة تعتقد أن الأخلاق مسألة تُطرح ضد الدين أو بديلاً عنه.

وبالتالى فإن من يرومون الإصلاح الدينى عليهم أن يسعوا إلى بناء أخلاقية منفتحة تقوم على قيم الحرية والعقلانية والمساواة بين الناس على اختلافهم فى أشياء كثيرة، وبلورة رؤية تثق أكثر بالإنسان، ولا ترضخ للتصورات والعطاءات الفقهية الجامدة والمغلقة، والتأويلات القانطة والمزعزعة حيال الإنسان، وتعترف بوجود أطروحات أخلاقية غير دينية، تنبع من الموروث الشعبى، حيث الحكم والأمثال والحكايات، ومن مختلف الفلسفات والتأملات والآداب والفنون... إلخ.

على وجه العموم، يوجد نظرياً فى الحقل الدينى نمطان للتغيير على الأقل، الأول يقوم به الأنبياء بوصفهم شخصيات ملهمة، يعملون على تغيير الأخلاق العامة بما يقود إلى الإصلاح الاجتماعى، والثانى حركات اجتماعية تلتف حول أقطاب أو قادة روحيين يركزون على إطلاق ثورة روحية. وكلا الأمرين، الأخلاق والروح، هما ما ينقصان «التجربة الدينية» للمتزمتين والمتنطعين الذين يتعاملون مع القشور والمظاهر ويبحثون فى الدين عما يبرر لهم سلوكهم المعوج، بعيداً عن «استفتاء القلوب» أو «مراجعة الضمائر» أو فهم «مقاصد الأديان».

وحتى لا يكون هذا مجرد أمنيات أو ينبغيات لا بد من تحديد مسالك حيال تحقيق هذا التصور للإيمان، وإعمال العقل، والالتفات إلى الأخلاق، بحيث ينتقل من صفحات الكتب أو قاعات الأكاديميين وحلقات المثقفين الضيقة إلى رحاب المجتمع، عبر التعليم ومناهجه، والتثقيف وأدواته، والإعلام وقنواته الاتصالية، ومؤسسات المجتمع المدنى ومشروعاتها.

إننا قمنا بثورة سياسية كبيرة ولافتة، ومما جعلها تتعثر، غياب الثورة الفكرية والثورة الأخلاقية، التى آن الأوان لإطلاقها بشمول ورسوخ.

arabstoday

GMT 13:32 2024 الأحد ,04 آب / أغسطس

مدن الصيف: فسحة مش لطيفة خالص

GMT 20:06 2024 الإثنين ,08 إبريل / نيسان

فتحى سرور

GMT 19:24 2024 الأربعاء ,21 شباط / فبراير

الجيل الرابع؟!

GMT 21:51 2024 الإثنين ,05 شباط / فبراير

«الشوطة التى شالت فيتوريا»!

GMT 19:39 2024 الأحد ,04 شباط / فبراير

رهانات الحكومة الخمسة لعلاج الجنيه

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن حملة «أخلاقنا» عن حملة «أخلاقنا»



هيفاء وهبي تتألق في إطلالة مُميزة بصيحة البولكا دوت

القاهرة - العرب اليوم

GMT 08:00 2024 السبت ,31 آب / أغسطس

من جديد «صحوة البحر الأحمر»

GMT 08:04 2024 السبت ,31 آب / أغسطس

بئس
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab