روسيا والغرب من السد العالى إلى الأزمة الأوكرانية

روسيا والغرب.. من السد العالى إلى الأزمة الأوكرانية

روسيا والغرب.. من السد العالى إلى الأزمة الأوكرانية

 العرب اليوم -

روسيا والغرب من السد العالى إلى الأزمة الأوكرانية

أحمد السيد النجار

عندما تفكك الاتحاد السوفيتي السابق الذي شكلت روسيا عقله وقلبه النابض وعموده الفقري والمصدر الأساسي لموارده وقوته، وعندما اختارت الطريق الرأسمالي بطريقة تابعة للغرب بصورة مروعة في عهد يلتسين، قبل أن يستعيد الرئيس الروسي الحالي لبلاده استقلاليتها وبأسها حتى وهي تسير في نفس الطريق الرأسمالي
عندما حدث ذلك تصور البعض أن روسيا سيكون مُرحبا بها في كل المنظومات السياسية والاقتصادية والأمنية الغربية. لكن الذي حدث هو أن الغرب الذي فعل الأعاجيب العلنية والسرية والسياسية والمخابراتية والتآمرية لتفكيك الاتحاد السوفيتي السابق، لم يقبل روسيا فعليا في منظوماته المتعددة. وحتى عندما قبل الغرب روسيا في مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، والتي أصبحت مجموعة الثماني بعد انضمام روسيا، فإن الغرب أبقى وجودها في المجموعة موضوعا للابتزاز، ولا يتسم بالاستقرار، لدرجة أنه تم تهديدها بإخراجها من المجموعة بعد انفجار أزمة الصراع على السلطة في أوكرانيا، وما تلاه من استفتاء شعبي في شبه الجزيرة انتهى بانضمامها لروسيا. وتحولت العلاقات الروسية-الغربية تدريجيا إلى علاقات متوترة، تصل لحد المواقف المتعارضة كليا في سوريا، والاستعداد للمواجهة في أوكرانيا.
وفي أوكرانيا بالذات أعطت روسيا للغرب لطمة موجعة، يعود جزء كبير منها إلى جهل أوباما والقيادات السياسية الأوروبية بالتعقيدات السياسية-الاقتصادية-الاجتماعية التي تحيط بعلاقة روسيا بأوكرانيا، وتصرفهم بنزق وحماقة بشأن تلك الأزمة. فشبه جزيرة القرم كانت محلا للصراع بين روسيا القيصرية والدولة العثمانية (تركيا) في القرن الثامن عشر وانتهى الصراع بانتصار روسيا وأصبحت شبه جزيرة القرم ضمن أراضي روسيا نهائيا في عام 1783، وظلت كذلك بعد الثورة الاشتراكية عام 1917 في ظل الاتحاد السوفيتي السابق. وفي الخمسينيات وفي إطار التعديلات الإدارية للحدود في إطار الدولة السوفيتية الواحدة، تم تحويل شبه جزيرة القرم لتصبح جزءا من الحدود الإدارية لأوكرانيا، وذلك في عهد الزعيم السوفيتي نيكيتا خروتشوف، وهو روسي من مقاطعة كورسك الواقعة على الحدود مع أوكرانيا، لكنه كان سكرتيرا أول للحزب الشيوعي الأوكراني في ثلاثينيات القرن العشرين وبعد الحرب العالمية الثانية.
لكن ضم شبه الجزيرة الروسية إلى أوكرانيا لم يغير شيئا من طبيعة سكانها، فبقى الروس أغلبية كاسحة، وبقيت لغتهم روسية كما هي، وبالتالى عندما أراد الغرب استقطاب أوكرانيا بعيدا عن روسيا، كان من الطبيعى بل والبدهى أن ينتفض سكان القرم الروس للعودة إلى حضن الوطن الأم روسيا، بعد أن أصبحت السلطة فى أوكرانيا التى تم ضمهم إليها إداريا، فى يد مجموعة سياسية على الجانب الآخر فى موقع معاد لروسيا. والأمر لا يقتصر على شبه الجزيرة الروسية، بل إن شرق أوكرانيا كله، حيث القلب الصناعى الكبير لذلك البلد، يضم أبناء القومية الروسية والناطقين بلغتها، وهم الأغلبية فى تلك المناطق.
ولكن لماذا يرفض الغرب، روسيا الرأسمالية، ويصر على محاولة عزلها، وتتعارض مواقفهما فى كل الصراعات العالمية تقريبا؟
روسيا والغرب...أمة فى مواجهة قارة
منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية وحتى الآن، بات وجود التحدى العسكرى الروسى عاملا أساسيا فى استمرار تغذية المجمع الصناعى العسكرى الأمريكى والغربى عموما. وربما لو لم تكن هناك روسيا لعمل الغرب وبالذات الولايات المتحدة على صنع اروسياب أخرى، لأن وجود روسيا كمنافس أو عدو، هو مبرر أساسى لاستمرار الإنفاق على التسلح الذى يغذى المجمع الصناعى العسكرى الغربى النافذ سياسيا، والذى يقوم بدور هائل فى صناعة القيادات السياسية، وتمويل الحملات الانتخابية للرؤساء الأمريكيين بصفة خاصة.
وقد جربت الولايات المتحدة أن تدخل حروبا صغيرة أو متوسطة، أو حتى كبيرة فى أفغانسان ويوجوسلافيا والعراق وليبيا، لكنها كلها لا تكفى لتبرير الإنفاق العسكرى الهائل فى الولايات المتحدة الأمريكية، والذى يشكل نحو 4.8% من الناتج المحلى الإجمالى للولايات المتحدة وفقا لبيانات البنك الدولى فى تقريره عن مؤشرات التنمية فى العالم. وهذه النسبة تعادل نحو 770 مليار دولار، تنفقها الولايات المتحدة سنويا ويذهب جزء مهم منها لتمويل مشتريات الأسلحة من المجمع الصناعى العسكرى الأمريكي. أما وجود روسيا الكبيرة التى تملك ترسانة نووية موازية للترسانة الأمريكية، وتملك قوات تقليدية متطورة تنافس الولايات المتحدة، فإنه المبرر الرئيسى لاستمرار الإنفاق العسكرى الأمريكى الضخم بعد انتهاء الحرب الباردة، وتفكك الاتحاد السوفيتى السابق. وبالتالى فإن صناعة الخلافات مع روسيا هى تجارة رابحة للمجمع الصناعي-العسكرى الأمريكي.
كما أن أى استيعاب لروسيا فى المنظومة الغربية، كان يهدد بإيجاد حالة من غياب المخاوف فى القارة الأوروبية، وتعزيز قدرتها على الاعتماد على نفسها، وضمنها روسيا العملاقة عسكريا فى قضايا الدفاع والأمن، وهو ما كان سيؤدى تدريجيا إلى تهميش الدور العسكرى للولايات المتحدة فى القارة العجوز، وهو خط أحمر لا يمكن الاقتراب منه بالنسبة لواشنطن التى تعتمد هيمنتها العالمية، وتحكمها فى المؤسسات الدولية المالية والسياسية، على تحالفها من موقع القيادة مع أوروبا. ولو نظرنا إلى تاريخ المواجهات الروسية-الغربية، العسكرية والباردة، سنجد أن قدر الأمة الروسية بموقعها الجغراقى وازدواج انتمائها القاري، هو أن تواجه العواصف الآتية من الشرق والجنوب وأبرزها غزوات التتار والصراع مع العثمانيين، وأن تواجه أوروبا، ومن خلفها الولايات المتحدة على مختلف الأصعدة.
ورغم هيمنة المبررات السياسية-العسكرية كمسببات لاستمرار التنافس والتوتر بين روسيا والغرب، فإن العامل الثقافى والحضارى يتسم بدوره بأهمية كبيرة فى هذا الصدد. وتعتبر روسيا حالة فريدة فى أوروبا والعالم، فهذه الدولة التى تشغل أكثر من 17,1 مليون كيلومتر مربع تشكل 12,7% من مساحة اليابسة فى العالم، تمتد بين قارتى أوروبا وآسيا. وتحتفظ بسمات خاصة تجمع ما بين انتمائها الأوروبي، وروحها الشرقية. ويقترب نموذج الدولة المركزية الروسية الشديدة البأس والسيطرة من النماذج الآسيوية، بحيث يبدو بعيدا عن نماذج النظم السياسية التى نمت وتطورت فى غرب أوروبا. والثقافة الروسية هى بنت التنوع الجغرافى والإثنى لذلك البلد. وروسيا التى أنتجت برودين وجلينكا وتشايكوفسكى فى الموسيقى الكلاسيكية الغربية الطابع والتى أبدعت أعظم أعمال الباليه، هى نفسها التى أنتجت ريمسكى كورساكوف صاحب متتالية شهرزاد التى تعتبر العمل الموسيقى الأشهر عالميا فى التعبير عن الحكايات الأسطورية األف ليلة وليلةب. والروائيون الروس الذين يتصدرون قائمة أهم القامات الأدبية فى العالم من ليف تولستوي، وأنطون تشيكوف، وإيفان تورجينيف، وليرمنتوف، وجوجول، ومكسيم جوركي، وبوشكين، وفيودور دستيوفسكي، وإيفان بونين، وشولوخوف، تنطوى كتابات أغلبهم على ذلك المزيج الساحر بين الغرب والشرق. وفى المكونات الثقافية والحضارية عموما تبدو روسيا قطبا له سماته الخاصة بالمقارنة مع كل أوروبا بكل التنوع الذى تنطوى عليه الأخيرة.
وربما يكون من المفيد لإدراك طبيعة العلاقات بين روسيا والغرب، أن نعود بالذاكرة إلى أحد موضوعات الصراع الرئيسية بينهما بشأن تمويل بناء سد مصر العالى الذى تحل ذكرى حدث مهم فى بنائه، وهو تحويل مجرى نهر النيل فى الرابع عشر من الشهر الحالى.
سد مصر العالى والصراع الروسي-الغربى
كانت مصر قد توجهت إلى دول الغرب والبنك الدولى فى البداية، لكنهم بعد مماحكات طويلة رفضوا التمويل وبصورة مهينة لمصر حتى بعد أن قبل الزعيم المصرى الراحل جمال عبد الناصر بالشروط الأمريكية فى اللحظة الأخيرة فى يوليو عام 1956 بما فيها الشرط الذى يحدد مديونية مصر الخارجية، ويقيد حريتها فى عقد قروض أخرى اثناء عملية تنفيذ السد العالى. وكان ذلك الموقف من عبد الناصر محاولة لإبطال آخر حجة أمريكية قد تبرر بها واشنطن والبنك الدولى تخليهما عن المساهمة فى تمويل السد العالى. لكن الولايات المتحدة رفضت تمويل المشروع ونقل وزير خارجيتها هذا الرفض إلى السفير المصرى فى واشنطن فى 19 يوليو 1956 بقوله: ا إن الولايات المتحدة غيرت رأيها فى موضوع السد العالى، وأنها تعتذر الآن عن المضى فى أية مفاوضات تتعلق بتمويل المشروع، وأن أسبابها فى ذلك هى أن بلدا من أفقر بلدان العالم لا يستطيع أن يتحمل تكاليف مشروع من أكبر المشروعات فيه، ثم إن مياه النيل ليست ملكا لمصر وحدها، وإنما هناك آخرون على مجرى النهر لهم آراء أخرىب. ثم أصدرت الخارجية الأمريكية فى 20 يوليو 1956 بيانا صحفيا أكدت فيه هذا الرفض وأعلنته على العالم كله بنفس الغطرسة التى عكستها تصريحات وزير خارجيتها.
وفى مواجهة ذلك الرفض الأمريكى المتعجرف للمشاركة فى تمويل السد العالى بصورة تنطوى على الاستخفاف بمصر وشعبها، ألقى الزعيم المصرى الراحل جمال عبد الناصر خطابه التاريخى فى 26 يوليو 1956 وأعلن خلاله تأميم القناة وتوظيف إيراداتها فى تمويل بناء السد العالى بالتعاون مع الاتحاد السوفيتى السابق الذى عرض على مصر، المشاركة فى التمويل بشروط ميسرة. وقال عبد الناصر فى ذلك الخطاب «إن دخل قناة السويس فى عام 1955 بلغ 35 مليون جنيه أى مائة مليون دولار نأخذ منها نحن الذين حفرناها، ومات منا 120 ألفا أثناء حفرها، مليون جنيه فقط أى ثلاثة ملايين دولار». ثم أضاف «واليوم حينما نستعيد حقنا أقول باسم الشعب: إننا سنحافظ على حقوقنا، وسنعض عليها بالنواجذ، لأننا نعوض ما فات، ولن نبنى صرح العزة، والحرية، والكرامة إلا إذا قضينا على صروح الاستعباد، وقد كانت قناة السويس صرحا من صروح الاستعباد، والاغتصاب .. والذل. واليوم أيها المواطنون، أممت قناة السويس.
وكان الرد البريطانى على مصر عدوانيا إلى أبعد الحدود عبر التآمر لشن عدوان ثلاثى على مصر شاركت فيه فرنسا المحتقنة من المساندة المصرية القوية لثورة الجزائر، كما شاركت فيه إسرائيل الجاهزة لخدمة الأهداف الاستعمارية، وأهدافها الخاصة لإجهاض انطلاقة مصر المتمثلة فى تأميم القناة وبناء السد العالى، وما يترتب عليهما من توفير الأموال والطاقة والمياه للتنمية الصناعية والزراعية.
وكان المشهد فى البلدان العربية مذهلا، حيث كان هناك طوفان من تظاهرات التأييد العارم لمصر من الخليج والعراق إلى المغرب العربي. كما شهد العالم تظاهرات عارمة مؤيدة لمصر فى عدد كبير من الدول المستقلة حديثا أو الخاضعة للاستعمار. وشهدت دول الغرب وبالذات بريطانيا وفرنسا تظاهرات هائلة ضد العدوان على مصر بصورة أكدت أن خيار الحرب العدوانية الفرنسية - البريطانية - الاسرائيلية ضد مصر، هو خيار الحكومات المعبرة عن الرأسمالية المتطرفة فى عدوانيتها فى تلك البلدان، وليس خيار شعوبها.
لكن درة ذلك المشهد العالمى، كان الانذار السوفيتى لكل من بريطانيا وفرنسا واسرائيل لوقف العمليات العسكرية ضد مصر فورا، والانسحاب من الأراضى المصرية دون إبطاء مع تهديد صريح لباريس ولندن بالأسلحة النووية السوفيتية، وتهديد لوجود إسرائيل برمته. وانتهى الأمر بانسحاب قوات العدوان الثلاثى، واستعادت مصر سيادتها وملكيتها لقناة السويس. وقد أتاح ذلك لمصر قدرة اقتصادية اضافية شكلت عاملا مساعدا رئيسيا فى تحمل تكاليف بناء السد العالى.
وقد وقعت مصر فى 27 ديسمبر عام 1958، اتفاقية القرض السوفيتى لتمويل المرحلة الأولى من انشاء السد العالى التى تشمل البدء فى إنشائه، والارتفاع ببنائه إلى الدرجة التى تكفل تحويل مياهه إلى مجرى جديد يتم انشاؤه لهذا الغرض مع زيادة التخزين المتاح سنويا. وقضت الاتفاقية بأن يقدم الاتحاد السوفيتى الذى كانت روسيا تشكل قلبه وعموده الفقري، قرضا قيمته 400 مليون روبل أى نحو 34.8 مليون جنيه مصرى، أى نحو 100 مليون دولار، إلى مصر. ويسدد القرض على 12 قسطا سنويا اعتبارا من عام 1964 الذى انتهت فيه أعمال المرحلة الأولى لبناء السد، وتم بالفعل تحويل مجرى نهر النيل فى 14 مايو عام 1964. وقد بلغ سعر الفائدة على ذلك القرض 2.5% سنويا. ورغم التوترات التى اعترت العلاقة السياسية بين مصر والاتحاد السوفيتى السابق عام 1959 بسبب الهجمة البوليسية الشاملة للسلطات المصرية ضد الشيوعيين فى مصر، إلا أن تلك التوترات لم تؤثر على مسيرة الاتفاق بشأن المشاركة السوفيتية فى تمويل وتصميم وتنفيذ السد العالى.
وفى 27 أغسطس 1960 تم عقد اتفاقية مشاركة الاتحاد السوفيتى فى تمويل المرحلة الثانية لإتمام مشروع السد العالى. وقدمت حكومة الاتحاد السوفيتى بمقتضى تلك الاتفاقية 900 مليون روبل (78 مليون جنيه مصرى، أى نحو 215 مليون دولار بأسعار ذلك العام) وذلك لتغطية تكاليف تصميم المشروع والبحوث والدراسات وتوريد وتركيب البوابات ووحدات التوليد الكهربائية المائية والمعدات اللازمة لمشروعات الرى واصلاح الأراضى وغيرها. ويتم سداد القرض بنفس شروط القرض الأول، ويبدأ السداد بعد عام من تاريخ اتمام كل هذه الأعمال بحيث لا يتأخر ذلك عن أول يناير 1962. وسعر فائدة القرض 2.5% تسرى من تاريخ استخدام كل جزء من القرض على أن تؤدى خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام التالى للعام الذى استحقت فيه.
وبعقد ذلك الاتفاق حسمت مصر تماما معركة تمويل بناء سدها العالى وبدأت ملحمة أسطورية لبناء أعظم مشروع فى تاريخها القديم والحديث. ورغم كل الصعوبات ورغم العدوان الاسرائيلى على مصر عام 1967، اكملت مصر مشروعها العملاق لينهص سدها العالى جبلا يعترض مجرى النيل العظيم ويروضه تماما لأول مرة فى تاريخ النهر الأطول على الكرة الأرضية. وقد حمى السد العالي، مصر من أخطار الفيضانات المدمرة وكون لها بنكا مركزيا للمياه هو بحيرة ناصر التى حمت مصر من مخاطر دورات الجفاف الرهيبة، ووفر 19 مليار متر مكعب صافية من المياه عند أسوان بعد خصم فواقد البخر، وحصلت مصر على 7.5 مليار متر مكعب منها، بينما حصل السودان على 11.5 مليار متر مكعب. وقد أتاحت المياه الإضافية التى حصلت عليها مصر، استصلاح واستزراع مساحات كبيرة من الأراضى التى كانت تفتقد للمياه. ومنذ عام 1968/1969 وحتى الآن تم استصلاح واستزراع أكثر من 2 مليون فدان يتم ريها بالوفورات المائية التى نتجت عن بناء سد مصر العالي. كما تحسنت إنتاجية الأراضى بتوفير المياه للمحاصيل فى أى وقت تحتاجها فيه. كما حولت مصر نحو 973 ألف فدان من رى الحياض الذى يزرع محصولا واحدا فى العام إلى رى دائم يزرع على أساسه محصولان أو ثلاثة فى العام بما رفع المساحة المحصولية فى مصر بصورة جوهرية. كما تم تحسين الملاحة فى النيل بما أنعش السياحة النيلية. أما المحطة الكهرومائية للسد العالى فإنها كانت تغطى فى السبعينيات أكثر من نصف احتياجات مصر من الكهرباء. لكن التوسع فى المحطات الحرارية التى تعمل بالغاز أو النفط أدى إلى تقلص حصة المحطة الكهرومائية للسد إلى نحوى 10% من إجمالى احتياجات مصر من الكهرباء. أما الآثار الجانبية للسد مثل الإطماء والنحر وارتفاع المياه الجوفية وتآكل الشواطيء الشمالية فى بعض المناطق وغرق النوبة وآثارها، فإنه جرى مواجهة البعض بينما يحتاج البعض، الآخر للمزيد من الجهود المتواصلة من أجل مواجهته ومعالجة آثاره، وبالذات غرق النوبة التى يحق لأهلها أن يتم توطينهم حول بحيرة ناصر ومساعدتهم على تمويل إنشاء مشروعات للزراعة والصيد والسياحة، وصناعة التذكارات السياحية والصناعات الزراعية والتعدينية.
وكان السد العالى قد تعرض خلال سبعينيات القرن العشرين لهجوم ضار ضمن الحملة على عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، وعلى العلاقات مع الاتحاد السوفيتى السابق، لكن مع بداية الثمانينيات صمت الكثيرون من المهاجمين للسد، عندما ضرب الجفاف الرهيب هضبتى البحيرات الاستوائية والإثيوبية لمدة سبع سنوات، فشح الإيراد المائى للنيل وعانت دول المنابع الاستوائية والإثيوبية من الآثار الوبيلة للجفاف، ومات منها ملايين من البشر والثروة الحيوانية من الجوع بسبب الجفاف. أما مصر التى سحبت من مخزون المياه من بنكها المركزى للمياه فى بحيرة ناصر، فإنها لم تتعرض لأى معاناة، لكن مخزون المياه تآكل، وفى عام 1988 لم يكن باقيا من المخزون المائى الحى فى بحيرة السد العالى سوى 6 مليارات متر مكعب. وكانت نذر الكارثة ثقيلة على مصر، لكن الفيضان جاء عاليا وجعل الإيراد المائى لمصر فى العام المائى 1988/1989 أكثر من 106 مليارات متر مكعب.
وفى أغسطس عام 1999، وعلى هامش أضخم معرض إنشائى وصناعى وتجارى فى هامبشاير الغربية بالولايات المتحدة، جرى استفتاء لاختيار أبرز عشرة مشروعات إنشائية فى القرن العشرين، وهى بالضرورة الأعظم على مر التاريخ بحكم أن المشروعات الكبرى التى أتاح التقدم العلمى إنشاءها فى القرن العشرين لا تقارن بالمشروعات التى أنشئت قبله. وشاركت فى الاستفتاء، الشركات العقارية العملاقة وشركات التصميم الهندسي، وشركات بناء السدود، وجاء سد مصر العالى فى المقدمة كأعظم مشروع بنية أساسية فى القرن العشرين، وبالتالى فى التاريخ متفوقا على سد زبولدرس الأمريكي، وعلى زالإمباير ستيتس أول ناطحة سحاب فى العالم. وجاء فى حيثيات اختيار السد العالى كأعظم مشروع بنية أساسية فى العالم فى القرن العشرين، أنه عمل إنشائى وهندسى عالمى أحدث تغييرات إيجابية كبيرة فى حياة شعب بأكمله. وهذا الاختيار هو تاج على رأس شعب مصر وزعيمها الراحل جمال عبد الناصر الذى قاتل بضراوة وبراعة مذهلة فى أحلك الظروف من أجل بناء سد مصر العالى لحماية أمته، وتغيير مصيرها من أمة خاضعة لمشيئة النهر إلى أمة متحكمة فى مساره.
ويبقى مشروع السد العالى الشاهد الأعظم على التعاون المصري-الروسى القائم على الاحترام والتكافؤ، وشاهدا أيضا على الصراع بين الغرب وروسيا التى شكلت قلب الاتحاد السوفيتى السابق.

 

arabstoday

GMT 07:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 07:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 06:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 06:56 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 06:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 06:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 06:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

روسيا والغرب من السد العالى إلى الأزمة الأوكرانية روسيا والغرب من السد العالى إلى الأزمة الأوكرانية



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab