الوجه الآخر للجزائر ووردة

الوجه الآخر للجزائر ووردة

الوجه الآخر للجزائر ووردة

 العرب اليوم -

الوجه الآخر للجزائر ووردة

أحمد السيد النجار

فى إطار احتفالاتها بذكرى ثورة التحرير الجزائرية، كرست الجزائر الشقيقة ندوة كبرى بعنوان «الصحافة العربية ودعم ثورة التحرير الجزائرية: الأهرام نموذجا». وأرسلت الأهرام وفدا من أفضل قياداتها الصحفية ومعرضا للصور والمقالات. ولم يكن الاحتفاء الجزائرى الرائع والكريم والإقبال المصرى «الأهرامي» الأخوى غريبا على مصر والجزائر فبين البلدين رباط حيوى وأخوة فى الدم والأصل والتاريخ. ولم تتعامل مصر مع قضية تحرير الجزائر من الاستدمار الفرنسى الهمجى والإجرامى باعتبارها قضية تحرر وطنى لبلد آخر، بل تعاملت معها باعتبارها قضية مصر وشعبها وبذلت روحها من اجل تلك القضية، وتحملت فى سبيل ذلك مشاركة فرنسا فى العدوان الثلاثى الإجرامى على مصر. ويشهد التاريخ ان رجال الجزائر وهى تحت الاحتلال والذين كانوا يعملون فى الموانى الفرنسية أضربوا لمنع تحميل السفن الفرنسية المتوجهة للعدوان على مصر. وعندما تعرضت مصر لهزيمة 1967 بلا حرب، كانت الجزائر سندا وظهيرا أخويا لمصر. وكل المحاولات الغبية للإساءة لتلك العلاقة التاريخية فى بعض اللحظات لن تجدى نفعا إزاء علاقة راسخة فى عمق التاريخ كالجبال.

والحقيقة أن ما يجمع مصر والجزائر هو تاريخ طويل وأعمق مما يتصور الكثيرون الذين يؤرخون لبدء تلك العلاقة فى العصر الحديث. ونادرا ما يمتد البعض منهم إلى ما هو أبعد من ذلك وتحديدا للانتقالات الفردية أو العائلية بين البلدين فى العصور الوسطى. لكن الحقيقة أن ما يجمع مصر والجزائر يتجاوز كل ذلك ويصل إلى وحدة الأصل. فقبل عشرة آلاف عام من الميلاد كان العصر المطير يغمر ما يسمى حاليا بالصحراء الكبرى بالمياه وحشائش السافانا. وكانت تعج بالقطعان وبمجموعات بشرية كبرى من منبع ثقافى وعرقى واحد أو منابع متعددة منطلقة من نفس الظروف ومتفاعلة مع بعضها.

وعندما تغير المناخ وبدأ عصر الجفاف الكبير والممتد حتى الآن فى تلك المنطقة، حدثت تغيرات دراماتيكية فى التوزيع الجغرافى لسكان ما أصبح يسمى الصحراء الكبرى الآن. فتوجهت كتل عملاقة من البشر نحو وادى نهر النيل ودلتاه العملاقة، وبقيت قبائل وكتل سكانية أخرى فى مناطق الينابيع التى لم تجف وصارت واحات يانعة وسط الصحراء الكبرى القاحلة. وتوجه البعض الآخر نحو السواحل حيث استمر المطر فى السقوط الكافى لحياة النبات والإنسان والحيوان. وصارت العلاقات بين تلك المجموعات البشرية خليطا من تعاون وصراع على السيطرة، لكن ظل هناك شئ كبير مشترك بينها هو وحدة الأصل. وتجلى ذلك فى اعتبار المصريين الأسرة 22 التى أسسها شيشنق والتى تسمى الأسرة الليبية أو الأسرة الأمازيجية ضمن الأسرات المالكة التى حكمت مصر وكأنها من نسيج مصر. ولم يشاركهم فى هذه المكانة سوى الأسرة الخامسة والعشرين التى أسسها النوبيون والتى يسميها بعض علماء المصريات الأسرة الإثيوبية. وكان ذلك معاكسا تماما لاعتبار المصريين فترات حكم الفرس أو البابليين أو الآشوريين حكما أجنبيا واحتلالا بغيضا لمصر.


والطريف أن الأشقاء الأمازيج فى الجزائر يحتفلون بانتصار شيشنق على رمسيس، وهو أمر لا علاقة له بوقائع التاريخ، حيث يفصل بينهما نحو 400 عام. كما أن شيشنق لم يحكم مصر بعد حرب انتصر فيها على الملك المصري، بل كان يقيم فى مصر وكان جده «ماواساتا» يعمل كاهنا فى أهناسيا وهو نفسه (شيشنق) زوج ابنه «أوسركون» لـ «ماعت كا رع» ابنة «بسوسنس» آخر ملوك الأسرة الحادية والعشرين. أى أن وجودهم فى مصر كان عاديا وتطور تدريجيا ولم يعتبرهم أحد من خارج النسيج المصري. وكان الجيش المصرى يضم أعدادا كبيرة منهم. ولنترك التاريخ جانبا لنتعرف على الجزائر الراهنة ومكانتها كعماد رئيسى للوطن العربي. والجزائر هى كبرى الدول العربية من زاوية المساحة، حيث تبلغ مساحتها 2.382 مليون كيلومتر مربع. ويبلغ عدد السكان نحو 39 مليون نسمة. وبلغ الناتج القومى الإجمالى للجزائر نحو 214 مليار دولار عام 2014، ومتوسط نصيب الفرد منه نحو 5490 دولارا فى العام نفسه. أما الناتج القومى الإجمالى المحسوب بالدولار طبقا لتعادل القوى الشرائية فبلغ نحو 541 مليار دولار، وبلغ متوسط نصيب الفرد منه نحو 13880 دولارا عام 2014. وتسهم الزراعة بنحو 11% من الناتج المحلى الإجمالى للجزائر، بينما تسهم الصناعات الاستخراجية والتحويلية بنحو 46% منه وغالبيتها الساحقة صناعات استخراجية، والخدمات بنحو 43% منه عام 2014. وبلغت قيمة الصادرات السلعية الجزائرية نحو 66 مليار دولار عام 2013، بينما بلغت قيمة وارداتها نحو 55 مليار دولار. وهناك فائض تجاري، لكنه تآكل فى العامين الأخيرين بسبب التراجع الهائل فى أسعار النفط من أكثر من 105 دولارات للبرميل فى المتوسط عام 2013 إلى ما يتراوح بين 40، و 50 دولارا فى العام الحالي.

وتملك الجزائر إمكانات كبيرة لدفع التنمية بقوة لو توجهت للصناعات التحويلية اعتمادا على ثرواتها المعدنية والمحجرية وإنتاجها الزراعى القابل للتصنيع، ولإنعاش قطاع السياحة اعتمادا على إمكاناتها الجبارة فى هذا الشأن سواء بالنسبة لسياحة الآثار أو سياحة المنتجعات على الشواطئ الجزائرية أو فى المناطق الجبلية المكسوة بغطاء شجرى ساحر. ويمكن أن تعتمد الجزائر فى تمويل التنمية على الاحتياطيات التى راكمتها خلال سنوات ارتفاع أسعار النفط والغاز من عام 2003 وحتى خريف عام 2014. وللعلم فإن الجزائر متحررة من الديون الخارجية تقريبا، حيث اقتصرت ديونها الخارجية عام 2014 على نحو 5.4 مليار دولار وهى ديون تعادل نحو 2.6% من الناتج القومى الجزائرى المحسوب بالدولار طبقا لسعر الصرف السائد، ونحو 0.7% فقط من الناتج القومى الجزائرى وفقا لتعادل القوى الشرائية.

وربما يكون من الملائم أن ترسم الجزائر خريطة استثمارية تجمع كل فرص الاستثمار الممكنة والمتاحة لديها فى الزراعة والصناعات الزراعية والصناعات الاستخراجية للثروات المعدنية والمحجرية، والصناعات التحويلية القائمة على استغلال تلك الثروات. وهذه الخريطة ستساعد على تطور الاستثمار المحلى وعلى جذب الاستثمارات العربية والأجنبية فى القطاعات التى توجد فيها فرص استثمارية حقيقية ومحققة للربح. ويمكن التركيز على القطاعات التى تحتاج الجزائر لتطويرها لتلبية الاحتياجات الاجتماعية فى الداخل أو للتصدير وتنويع قوائم الصادرات الجزائرية المقتصرة بصورة أساسية فى الوقت الراهن على النفط والغاز. وربما يكون من الملائم أيضا ان يتم تسهيل إجراءات تأسيس الأعمال والتخارج منها وجعلها تتم بدرجة عالية من الشفافية والنزاهة وتحت رقابة أجهزة المحاسبة بالدولة لتشجيع الاستثمارات المحلية وتسهيل انطلاقها.

ونظرا لأن الجزائر دولة عملاقة المساحة فإنه من الأوفق أن يتم إنشاء حضانة أو هيئة قومية لرعاية المشروعات الصغيرة والتعاونية والمتوسطة بمختلف ولايات الجزائر لتحقيق ما يمكن تسميته رسملة المجتمع ورفع معدل المشاركة المجتمعية فى زيادة الناتج وخلق الوظائف وتأسيس رافد كبير وقوى للنمو من خلال تلك المشروعات جنبا إلى جنب مع القطاع الحكومى والقطاع الخاص الكبير المحلى والأجنبي. ولمن لم يروا من الجزائر سوى كرة القدم وألعاب القوى التى تفوقت فيها عالميا، فإن الوجه الآخر والحقيقى لهذا البلد العربى الكبير هو تاريخه النضالى العظيم والتزامه بالقضايا المصيرية لهذه الأمة. وخلال أزمة تعليق عضوية مصر بالاتحاد الإفريقى قامت الجزائر بدور حيوى لإنهاء ذلك الإجراء الذى يعد خطيئة تاريخية فى حق مصر التى أسست منظمة الوحدة الإفريقية قبل تحولها للاتحاد الإفريقي.

وإذا كانت الفنانة الكبيرة وردة هى إحدى الرموز الجميلة للجزائر التى فردت أشرعتها فى سماء القاهرة وفضائها الغنائي، فإن تلك المطربة الكبيرة لها وجه آخر لم نره فى مصر وهو غناؤها الوطنى الرائع للجزائر. فنحن فى مصر نعشق مسيرتها مع كبار أساطين النغم العربى على مر العصور من رياض السنباطى وبليغ حمدى ومحمد عبد الوهاب ومحمد الموجى ومحمد سلطان وعمار الشريعى وغيرهم، لكننا لم نتذوق غناءها بالروح لوطنها الجزائر إلا فى الأغنيات الوطنية التى تم تلحينها فى مصر وكانت مكرسة كليا أو جزئيا لمساندة الجزائر فى أثناء كفاحها ضد الاحتلال الفرنسى الغاصب والإجرامى لها على مدى 132 عاما. وعندما شاركت فى إحياء ذكرى رحيلها فوجئت بذلك الكم الهائل من أغنياتها الوطنية لبلدها والذى استنهضت فيه أعمق مشاعرها وغنت من القلب، وتخلت عن ولعها باستعراض قوة صوتها لمصلحة الغناء المقبل من عمق المشاعر. ولأن خامة صوتها بديعة فى الأساس فإن ذلك الغناء الوطنى الجزائرى شكل بالنسبة لى وجها آخرا لتلك المطربة الكبيرة التى تبقى وردة مصر والجزائر وكل العرب.

وختاما فإن مصر والجزائر بحاجة حقيقية لتعزيز العلاقة والروابط العميقة بينهما فى السياسة والاقتصاد والثقافة، فكل منهما تعتبر عمودا لخيمة الوطن العربي. وإذا كانت مصر بحكم الحجم والتاريخ والجغرافيا هى قلب الوطن العربي، فإن الجزائر رافعة أساسية له ولمستقبله. وربما يكون البدء بافتتاح مركز ثقافى مصرى بالجزائر وآخر جزائرى فى مصر، هو المدخل السريع لتعزيز معرفة كل شعب بالوجه الحقيقى للشعب الآخر ولتعميق علاقات معمدة بالدم وبأرواح الشهداء.

arabstoday

GMT 06:57 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سبع ملاحظات على واقعة وسام شعيب

GMT 06:46 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

المالك والمستأجر.. بدائل متنوعة للحل

GMT 06:42 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

إيران ولبنان.. في انتظار لحظة الحقيقة!

GMT 06:41 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

أوهام مغلوطة عن سرطان الثدي

GMT 06:31 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

من جديد

GMT 06:29 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

رُمّانة ماجدة الرومي ليست هي السبب!

GMT 06:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

لقاء أبوظبي والقضايا الصعبة!

GMT 06:23 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفاتيكان... ومرثية غزة الجريحة

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الوجه الآخر للجزائر ووردة الوجه الآخر للجزائر ووردة



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 العرب اليوم - شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أشرف حكيمي يمدد عقده مع باريس سان جيرمان حتي عام 2029

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 09:37 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ثوران بركاني جديد في أيسلندا يهدد منتجع بلو لاجون الشهير

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 11:06 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مستشفى كمال عدوان بدون أكسجين أو ماء إثر قصف إسرائيلي مدمر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab