العدالة الاجتماعية متى يأتى حلم الثورة الُمغيب

العدالة الاجتماعية.. متى يأتى حلم الثورة الُمغيب؟

العدالة الاجتماعية.. متى يأتى حلم الثورة الُمغيب؟

 العرب اليوم -

العدالة الاجتماعية متى يأتى حلم الثورة الُمغيب

أحمد السيد النجار

شكلت العدالة الاجتماعية كمطلب اقتصادي-اجتماعي أحد الشعارات الرئيسة للثورة المصرية الكبرى في 25 يناير 2011، وكذلك موجتها الثانية الهائلة في 30 يونيو 2013. وبقدر ما تتسم الثورات عادة باتخاذ إجراءات حاسمة لتحقيق الأهداف التي انفجرت من أجلها
فإن تحقيق العدالة الاجتماعية وهو مطلب الثورة المصرية الرئيسي، ظل مطلبا غائبا، بحكم أن الثورة أطاحت برأسي نظامين ولم تحكم. فالثورة المصرية ببساطة هي ثورة المائة فريق، وكلهم ثاروا ضد مبارك لإسقاط نظامه. ولم توجد قوة قائدة تصبغ الثورة بلونها وتصل من خلالها للسلطة مباشرة. ونجحت كل تلك القوى في إسقاط مبارك والصف الأول من نظامه. لكنها لم تنجح في التوافق بشأن تسلم السلطة لوجود اختلافات أيديولوجية وسياسية بين تلك القوى. وانتهى الأمر بترك تحديد السلطة لصناديق الاقتراع أيا كانت درجة صدقيتها ونزاهتها. وأتت الصناديق في الانتخابات الرئاسية عام 2012 برئيس من قوى يمينية محافظة لا تؤمن بالعدالة الاجتماعية أصلا، وتعتبر التفاوت بين البشر ووجود الدرجات والطبقات قدرا قسمه الله للبشر ولا ينبغي التدخل فيه سوى عبر الزكاة التي لاتغير شيئا من واقع الاستقطاب الطبقي الحاد. وأتت الصناديق في عام 2014 برئيس أعلن اعتزامه تحقيق العدالة الاجتماعية، لكنه لم يفصح عن برنامج محدد لتحقيق هذا الهدف، لتبقى صدقية وعده متروكة للتجربة العملية المباشرة التي لم يظهر منها حتى الآن سوى الالتزام الذي قطعه الرئيس بتطبيق الحد الأقصى للأجر.
وقد اتسمت المبادرات المتأخرة المتعلقة بتصحيح أوضاع العدالة الاجتماعية بعد ثورة 25 يناير وموجتها الثانية في 30 يونيو بالتدرج البطىء الذي أبقى القضية بلا تغييرات جوهرية حتى الآن.
وتفاوتت رؤية ومساعي النخبة السياسية بشأن هذه القضية. فاليسار والناصريون لديهم موقف تاريخي أصيل وكافحوا دوما من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية بكل تجلياتها. وهناك أجزاء أخرى من النخبة وجدت أن هذا الشعار (العدالة الاجتماعية) له شعبية هائلة فأعلنت تبنيها له لاعتبارات جماهيرية، وربما بصورة مخادعة. ورغم تناقض هذا التبني مع البنية السياسية والأيديولوجية لبعض الفصائل السياسية مثل جماعة الإخوان، فإنه كان من السهل عليهم إدعاء تبني قضية العدالة الاجتماعية بصورة عامة، وكان المحك والمختبر هو فترة حكمهم، حيث كشفت الممارسة العملية أنهم أبعد ما يكونون عن جوهر القضية. واختُصرت القضية بالنسبة لهم في الزكاة بصورة أساسية. وجاءت التغييرات الضريبية التي أجروها وتركزت في ضرائب غير مباشرة على الاستهلاك، على حساب الفقراء والطبقة الوسطى أساساً. كما بقي نظام الأجور كما هو مع بعض الترقيع لثوبه المهلهل. وبررت الحكومات المتعاقبة منذ ثورة يناير 2011 وحتى الآن، عدم تحقيقها أي إنجاز في ملف العدالة الاجتماعية بالافتقار للأسس الاقتصادية لتحقيق ذلك المطلب.
وقد تركز الجدل دائما حول أهمية وآليات تحقيق العدالة الاجتماعية وموقعها من النضال الاجتماعي-السياسي-الاقتصادى فى مصر، دون أن يتم الرجوع إلى تعريف مرجعى للعدالة الاجتماعية. وهذا الأمر يستدعى وضع تعريف للعدالة الاجتماعية كأساس لبحث هذه القضية. والعدالة الاجتماعية هى إتاحة فرص متكافئة للمواطنين فى الحياة والمشاركة السياسية والحصول على الرعاية الصحية والتعليمية وحق السكن وفرص العمل والمشاركة الاقتصادية والاجتماعية عموما ووضع الضوابط الكفيلة بتقليل الفوارق بين الطبقات من خلال نظم الأجور والدعم والتحويلات والضرائب.
والعدالة الاجتماعية ليست ترفا اجتماعيا، أو نزقا أيديولوجيا، بل هى ضرورة للسلام الاجتماعى ولتماسك بنية المجتمع واستقراره السياسي. وهى ضرورة أيضا لاستمرارية أو استدامة النمو الاقتصادي. فكلما زادت عدالة توزيع الدخل، فإن حصة الفقراء والشرائح الدنيا من المجتمع ترتفع نسبيا. وهذه الشرائح ليس لديها ترف الادخار. لذا تحول دخلها إلى طلب فعال على السلع والخدمات. وهذا يحفز الدولة أو مستثمرين جددا من القطاع الخاص لإقامة مشروعات جديدة لتلبية التزايد فى الطلب الفعال. وتلك المشروعات الجديدة تقوم بتوظيف عاملين جدد وتوزيع دخول جديدة عليهم. وتتحول تلك الدخول بدورها إلى طلب فعال على السلع والخدمات، وتحفز قيام مشروعات جديدة فى دورة لا تنتهى يُطلَق عليها »مضاعف الاستثمار« الذى يعد الرافعة الرئيسية لأى نهوض أو ازدهار اقتصادى قوى وقابل للاستمرار. وهذا يعنى أن العدالة الاجتماعية هى شرط للنمو الاقتصادى المتواصل بقدر ما هى شرط أساسى للاستقرار السياسى القائم على التراضى وليس القمع البوليسي، فضلا عن كونها بيئة أكثر إنسانية للتعايش المشترك بين أبناء المجتمع الواحد.
ومن الثابت تاريخيا أن القمع يمكن أن يكبت الاحتقان الاجتماعي، لكنه يؤدى إلى تراكمه تحت سطح استقرار اجتماعى زائف، إلى أن يصل لنقطة انفجار لا يجدى معها كبت أو قمع بوليسي، كما حدث ويحدث فى البلدان العربية التى انفجرت فيها الثورات وفى مقدمتها مصر التى كان شعار تحقيق العدالة الاجتماعية أحد الشعارات الرئيسة لثورتها (عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية).
وعلى صعيد آخر فإن العدالة لا تكمن فى العلاقات الاقتصادية-الاجتماعية الداخلية وفقط، بل إنها تمتد إلى العدالة فى العلاقات الاقتصادية والسياسية الخارجية للدولة. ورغم أن العدالة فى العلاقات الدولية لا تشكل بصورة مباشرة جزءا من منظومة العدالة الاجتماعية، فإنها تشكل قاعدة للعدالة فى العلاقات بين الأمم، وبيئة مساندة للعدالة الاجتماعية الداخلية فى كل بلد. وفى هذا الصدد لم تنجز مصر بعد الثورة أى تغير يذكر على الصعيد الاقتصادي. فالعدالة فى العلاقات الاقتصادية الدولية تتطلب أن تكون بلدا منتجا وقادرا على استخراج ثرواته الطبيعية وتصنيعها، إضافة إلى تصنيع منتجاته الزراعية. وفى مصر غابت أى استراتيجية للتصنيع منذ أربعة عقود. كما تدهورت بيئة البحث العلمى وغاب الرابط بين مؤسسات البحث وقطاعات الإنتاج. واعتمدت مصر على التقنيات المستوردة والخدمات المرتبطة بها بما يكلفها أكثر من نصف ثرواتها الطبيعية فى نزيف مروع للموارد كثمن للتخلف. ويتبدى هذا النزيف فى الفارق الهائل بين الناتج القومى الإجمالى المنخفض، والناتج المحلى الإجمالى الأعلى كثيرا والذى تحصل الشركات الأجنبية على حصة ضخمة منه.
وهناك مرتكزات رئيسية يمكن بالاستناد إليها تحقيق العدالة الاجتماعية النسبية، إذ لا يمكن الحديث عن عدالة اجتماعية مطلقة إلا فى مجتمعات المشاعية البدائية، أو الشيوعية الكائنة كفكرة فى رحم المستقبل. وهذه المرتكزات يتم من خلالها توزيع الدخل وإعادة توزيعه داخل المجتمع بصورة تحقق العدالة الاجتماعية النسبية.
والمرتكز الأول هو تمكين المواطنين من كسب عيشهم بكرامة من خلال توفير فرص العمل الحقيقية لهم بما يمكنهم من المشاركة فى تنمية اقتصاد بلدهم، والحصول على حصة من الدخل القومى بصورة كريمة من عملهم وكدهم. وسواء تم ذلك من خلال توفير فرص عمل حقيقية لدى الدولة وقطاعها العام وجهازها الحكومى وهيئاتها الاقتصادية، أو من خلال قيام الحكومة بتهيئة البيئة الاقتصادية وتسهيل تأسيس الأعمال بكل أحجامها بما يخلق فرص العمل فى القطاع الخاص، فإن النتيجة النهائية هى رفع مستوى التشغيل وتمكين البشر من كسب عيشهم بكرامة.
والمرتكز الثانى هو إصلاح نظام الأجور لمن تم تشغيلهم فعليا. ونظام الأجور هو الذى يحدد المستوى المعيشى للعاملين بأجر، ويعكس بصورة أو بأخرى مدى عدالة توزيع القيمة المضافة المتحققة فى العملية الإنتاجية بين أرباب العمل والعاملين لديهم.
والمرتكز الثالث هو نظام الضرائب الذى يعيد توزيع الدخل من خلال طريقة توزيع الأعباء الضريبية، وكلما تعددت الشرائح الضريبية واتخذت معدلات الضريبة منحى تصاعديا يتناسب مع المقدرة التكليفية للممولين، فإن النظام الضريبى يتمتع بدرجة أعلى من الكفاءة فى تحسين توزيع الدخل وتحقيق العدالة الاجتماعية. وتستند فلسفة النظام الضريبى متعدد الشرائح والتصاعدى إلى أن الأعلى دخلا، يكون أكثر إستفادة من الموارد والأراضى العامة والإنفاق العام على البنية الأساسية وعلى الخدمات العامة الأساسية، بما يستوجب عليه أن يسهم بمعدلات أعلى فى الحصيلة الضريبية التى يتم من خلالها تمويل ذلك الإنفاق العام. وكلما كانت الضرائب المباشرة هى الأساس فى الحصيلة الضريبية فإن النظام الضريبى يكون أقرب للشفافية والعدالة، على عكس النظام الذى تسود فيه الضرائب غير المباشرة والذى يفتقر للعدالة والوضوح الضريبى معا كما هو حال النظام الضريبى المصرى».
والمرتكز الرابع هو الدعم السلعى والتحويلات ودعم الخدمات العامة. وهو إنفاق عام من المفترض أن يوجه إلى الفقراء ومحدودى الدخل وشرائح رئيسية من الطبقة الوسطى لإتاحة الرعاية الصحية والتعليمية لهم. وأيضا لتوفير مصدر دخل للفئات الأشد فقرا وللعاطلين عن العمل، على اعتبار أن ذلك حقهم وجزء من حصتهم من إيرادات الموارد الطبيعية والمشروعات القديمة فى بلدهم. كما أنه واجب ومسئولية اجتماعية للدولة إزاء مواطنيها وحقهم فى الحياة والطعام والشراب والمسكن والعمل والتعليم والرعاية الصحية. أما إذا تشوه هذا الدعم وتوجهت الغالبية الساحقة منه للأثرياء والطبقة الرأسمالية الكبيرة المحلية والأجنبية العاملة فى مصر، فإنه يسهم فى زيادة الاختلالات الاجتماعية بدلا من العدالة كما هو الحال فى نظام الدعم الذى ورثته مصر.
ولابد من الإشارة إلى أن مصر الثورة ورثت اقتصادا مفعما بالاختلالات والتشوهات من عهد الديكتاتور المخلوع مبارك، وفقدت فرصا هائلة للتحول لاقتصاد صناعى جديد أو متقدم على غرار الاقتصادات التى كانت تأتى خلف مصر بكثير حتى بداية سبعينيات القرن العشرين مثل الاقتصاد الكورى الجنوبى أو الصيني، أو كانت فى مستوى مشابه لمستوى ومؤشرات الاقتصاد المصرى عندما تسلم مبارك السلطة، مثل الاقتصاد الماليزى والاقتصاد التايلاندى وغالبية اقتصادات جنوب شرق آسيا. وفوق كل ما ورثته مصر من فرص ضائعة للتقدم، فإنها تواجه فى الوقت الراهن ظروفا اقتصادية أكثر تعقيدا، ناجمة بصورة أساسية عن حضور قوى الفساد والاقتصاد الأسود غير المشروع والرأسمالية الطفيلية والرموز الاقتصادية والمالية لعصر مبارك والتى يقاوم البعض منها بكل جبروته المالى أى تغيير لسياساته الفاسدة والظالمة.
كما تعانى مصر نتائج استمرار حكومتى المجلس العسكرى ومن بعدهما حكومة الرئيس المعزول الدكتور محمد مرسي، فى تبنى نفس السياسات الاقتصادية-الاجتماعية الفاشلة والمتحيزة ضد الفقراء والطبقة الوسطى والتى كان يتبعها مبارك.
لكن ذلك لا ينفى وجود بعض المحاولات أو المبادرات لدعم قواعد العدالة الاجتماعية، سواء من خلال الدستور المصرى الجديد، أو من خلال بعض التغيرات الحقيقية فى السياسات المالية. ومن المؤكد أن مصر قادرة على تجاوز هذه المرحلة الصعبة لاستنهاض نمو اقتصادى قوى ومتواصل وتحقيق العدالة الاجتماعية. وهذا الأمر مرهون بتوافر إرادة صلبة وبرنامج فعال لتحقيق ذلك من خلال الرئيس المنتخب. وهذا الأمر متروك كليا للسلوك العملى للرئيس الذى قدم إعلانا عن نوايا طيبة فى هذا الشأن أثناء حملته الانتخابية، وعزز ذلك فى خطابه فى احتفال تسلم مهام منصبه.
إصلاح الضرائب لتحقيق العدالة الاجتماعية
كان نظام مبارك قد أقر فى عام 2005، نظاما ضريبيا يعفى من يبلغ دخلهم السنوى الشامل 9 آلاف جنيه من الضريبة، ويفرض ضريبة نسبتها 10% على من يتجاوز دخلهم حد الإعفاء لغاية عشرين ألف جنيه، وضريبة نسبتها 15% على من يتراوح دخلهم بين 20و 40 ألف جنيه، وضريبة نسبتها 20% على من يزيد دخله على 40 ألف جنيه إلى ما شاء الله. وتلك الشريحة العليا كانت تساوى فى معدل الضريبة بين الطبقة الوسطى والطبقة العليا.
وكان ذلك القانون ينص على المساواة بين شركات الأشخاص وشركات الأموال فى معدل الضريبة البالغ 20% على الأرباح التجارية والصناعية. وذلك بدلا من القانون المعمول به قبل عام 2005 والذى كان يجعل الحد الأقصى للضريبة على شركات الأشخاص هو 32%، والحد الأقصى للضريبة على شركات الأموال 42%.
كما أعفى ذلك القانون (2005)، المكاسب الرأسمالية من الضريبة كليا، وبالتالى لم يفرض أى ضريبة على الأرباح فى البورصة، أو على فائدة الودائع وعائد السندات وأذون الخزانة.
كما كان يعفى أرباح مشروعات إنتاج الدواجن والنحل وتربية الماشية وتسمينها ومصائد الأسماك ومراكب الصيد، وهو أمر غير منطقى خاصة أنهم يبيعون إنتاجهم بأعلى من الأسعار العالمية، وهو إعفاء يعكس قوة نفوذ الرأسماليين فى هذا القطاع فى عصر مبارك.
وبالمقابل فرض القانون، الضرائب على الدخل الذى يحققه أصحاب حقوق الملكية الفكرية وعلى إيرادات المهن الحرة التى منحها 3 سنوات من الإعفاء عند بدء النشاط لمن يبدأون مزاولة المهنة بعد تخرجهم مباشرة لغاية 14 عاما من تاريخ التخرج، وتخفض مدة الإعفاء إلى سنة واحدة فقط لمن يبدأون مزاولة المهنة بعد 15 عاما من التخرج، وهو ما ينطوى على قهر حقيقى لقلب الطبقة الوسطى وهم المهنيون خاصة الأطباء والمحامين والمهندسين والتجاريين، والذين كانوا بحاجة إلى مضاعفة فترة الإعفاء حتى تستطيع مشروعاتهم المهنية بناء أسس قوية للاستمرار والتوسع.
وقد استمر ذلك النظام بعد ثورة 25 يناير 2011. وجاءت أول مبادرة لتغييره باتجاه تحقيق ولو قدرا يسيرا من العدالة الاجتماعية من خلال د. سمير رضوان عندما كان وزيرا للمالية فى عام 2011. فقد قرر الوزير فرض ضريبة على المكاسب الرأسمالية فى البورصة نسبتها 10%. لكن الحكومة خذلته وخضعت لابتزاز أصحاب المصالح. وتم التراجع عن ذلك الإجراء الذى يفضى إلى تحقيق بعض العدالة الضريبية. ولم يتم تحويله لقانون ولم يطبق.
كما اقترح الوزير المذكور رفع حد الإعفاء الضريبى من 9 آلاف جنيه إلى 12 ألف جنيه عام 2011. لكنه لم يطبق إلا عام 2013، فى وقت كان لابد لحد الإعفاء ان يرتفع إلى 18 ألف جنيه حتى يعادل القيمة الحقيقية لحد الإعفاء الضريبى المعمول به عام 2005. أى أن المبادرة الأولى لوزير المالية عام 2011 قد أفشلتها الحكومة، لكنها تركت مؤشرا على الاتجاه الذى ينبغى السير فيه.
وقد أعلنت الحكومة الحالية رفع معدل ضريبة الدخل على من تتجاوز دخولهم مليون جنيه فى العام إلى 30% بدلا من 25%. وفعلت الشئ نفسه بالنسبة للشركات، وهى أول بادرة قوية وحقيقية لإصلاح النظام الضريبي.
كما قامت الحكومة أيضا بفرض ضريبة على المكاسب الرأسمالية فى البورصة بنسبة 10%، على أن يتم ترحيل الخسائر لمدة ثلاثة أعوام لخصم هذه الخسائر من الأرباح الإجمالية للوقوف على صافى الأرباح الذى ستفرض عليه الضريبة. وتشير البيانات الدولية إلى أن الضرائب على المكاسب الرأسمالية المتكاملة فى عام 2011 بلغت نحو 50,8% فى الولايات المتحدة، نصفها على المكاسب الرأسمالية فى البورصة، وبلغت نحو 59.8%، 56.5%، 54.9%، 46.7% فى كل من إيطاليا والدنمارك، وفرنسا، وبريطانيا بالترتيب. وبلغت الضريبة نفسها نحو 43,9% فى البرازيل، ونحو 33,2% فى الهند، ونحو 25% فى الصين.
وبالتالى فإن استخدام ذريعة »هروب« المستثمرين الأجانب كمبرر لرفض فرض ضريبة على المكاسب الرأسمالية فى البورصة، هو اختلاق لمبرر من اصحاب المصالح المحليين فى مصر. وهؤلاء يعلمون قبل غيرهم أن الغالبية الساحقة من الدول الرأسمالية النامية والمتقدمة والجاذبة للاستثمارات تفرض تلك الضريبة.
إصلاح الإنفاق العام على الصحة والتعليم
يعتبر الإنفاق العام على التعليم واحدة من الآليات الرئيسة لتحقيق العدالة الاجتماعية. فهذا الإنفاق يؤدى إلى إتاحة الخدمات التعليمية العامة بصورة مجانية أو شبه مجانية للفقراء ومحدودى الدخل.
وقد شهد الإنفاق العام على التعليم فى مصر بعد ثورة 25 يناير، تغييرات محدودة أدت إلى تحسين محدود فى ظروف الجهاز التدريسى فى هذا القطاع. لكنه لم يحدث إصلاحا جوهريا فيه. وقد خصص للإنفاق العام على التعليم نحو 51.8 مليار جنيه عام 2011/2012. وشكل ذلك الإنفاق نحو 3.3% من الناتج المحلى الإجمالى المُقدر للعام المالى المذكور، علما بأنه كان قد بلغ نحو 47 مليار جنيه تعادل 3.5% من الناتج المحلى الإجمالى فى موازنة العام المالى 2010/2011 بعد تعديلها. وكان ذلك الإنفاق قد بلغ نحو 41,7 مليار جنيه فى العام المالى 2009/2010 بما يعادل نحو 3,5% من الناتج المحلى الإجمالى فى العام نفسه، مقارنة بنحو 39,9 مليار جنيه فى العام المالى 2008/2009 بما يعادل نحو 3,8% من الناتج المحلى الإجمالى فى ذلك العام.
وقد ارتفع الإنفاق العام على التعليم فى العام المالى 2012/2013 ليبلغ نحو 64 مليار جنيه تعادل نحو 3,6% من الناتج المحلى الإجمالي. كما تم رفعه فى الموازنة العامة للدولة للعام 2013/2014 إلى 81,3 مليار جنيه تعادل قرابة 4% من الناتج المحلى الإجمالي، ونحو 11,7% من إجمالى الإنفاق العام. ورغم التحسن الذى حدث فى العام المالى الأخير، فإن الإنفاق العام على التعليم يبقى أقل من المتوسط العالمى والمتوسط الإقليمى فى المنطقة العربية. كما أنه أقل مما كان الرئيس المعزول د. محمد مرسى قد تعهد بإنفاقه على التعليم خلال حملته الانتخابية. حيث كان قد تعهد برفع ذلك المعدل إلى 5,2% من الناتج المحلى الإجمالي.
كما أن الزيادة كانت مكرسة بالأساس لتمويل أجور عشرات الآلاف من المعينين الجدد بقطاع التعليم. وتشير بيانات مشروع الموازنة العامة للدولة 2013/2014 (صـ 20) إلى أنه تم تعيين نحو 89 ألف شخص لمواجهة العجز فى هيئات التدريس وعمال النظافة وحراس الأمن والوظائف الإدارية الأخرى. كما أن الزيادة فى مخصصات التعليم كرست لزيادة مخصصات الأجور وما فى حكمها مع استمرار الاختلال الرهيب فى توزيع تلك المخصصات بين العاملين لدى الدولة فى قطاع التعليم، بينما استمرت نوعية التعليم والمعامل والمعدات والتجهيزات وكثافة الطلاب فى الفصول الدراسية فى مستواها غير المقبول.
وكان تدنى الإنفاق العام على التعليم فى عهد مبارك، قد جاء فى إطار إفساح الحكومة، المجال أمام سيطرة القطاع الخاص على «بيزنس» التعليم فى مصر. وذلك بعد أن تم تكريس صيغة رديئة للتعامل معه بهذه الصورة، بدلا من اعتباره عنصرا أساسيا للتنمية البشرية لتنمية المعارف والقدرات العلمية فى كل المجالات ولتحقيق التنوير والتحضر الاجتماعى والإنساني، ولإكساب خريجى النظام التعليمى مهارات الحياة وتأهيلهم لسوق العمل.
أما المبادرة الأكثر أهمية لتطوير الإنفاق العام على التعليم كعنصر من عناصر العدالة الاجتماعية فقد جاءت عبر الدستور الجديد لمصر. فقد نص دستور 2014 فى المادتين 19، و 21 على تخصيص 4% من الناتج القومى كإنفاق عام على التعليم قبل الجامعي، و2% للإنفاق على التعليم العالي، بما مجموعه 6% من الناتج القومى الإجمالي، مقارنة بأقل من 4% فى موازنة الرئيسين المخلوع والمعزول. وهى طفرة ستتيح تطويرا جبارا للعملية التعليمية. وذلك عبر تقديم أجور كريمة للأجهزة التعليمية والإدارية والعمالية بقطاع التعليم بكل مستوياته، وتطوير المعدات والأجهزة والمعامل والمناهج، وتطوير وتوسيع الأبنية التعليمية وتخفيف كثافة الطلاب بالفصول، والقضاء على الدروس الخصوصية وتجريمها نهائيا، وإنقاذ الأسر المصرية من أعبائها التى تزيد على 20 مليار جنيه سنويا. كما نص الدستور فى هذه المادة أيضا على أن التعليم الإلزامى يمتد حتى الثانوية العامة أو الفنية. كما أكد مجانية التعليم فى كل المراحل.
أما مبادرات إصلاح الأجور فاقتصرت على رفع الحد الأدنى للدخل ووضع حد اقصى يبلغ 35 مثل الحد الأدنى، مع وجود اضطراب كبير فى التطبيق، وغياب إصلاح حقيقى لنظام الأجور كله. وهو وضع مختل فعليا فى ظل غياب اى إصلاح لنظام العمل لفرض ثقافة جديدة لاحترام العمل وواجباته فى ظل نظام صارم للثواب والعقاب.
كما أن نظام المعاشات كعنصر اساسى من عناصر تحقيق العدالة الاجتماعية يحتاج لإصلاحات جوهرية فيما يتعلق برفع الحد الأدنى للمعاش والذى تحسن بالقرارات الأخيرة برفعه إلى 470 جنيها. كما أنه يحتاج بالتأكيد لإصلاحات أشمل، تعيد لأرباب المعاشات أموالهم لاستثمارها بأكثر الطرق أمنا وربحية. وإزاء الاختلالات الاكتوارية الفادحة، فإنه قد يكون على الحكومة أن تتخذ قرارات جديدة تتسم بالتوازن لرفع مدفوعات التأمين كنسبة من الأجر لمنع انهيار النظام التأمينى ولضمان تقديم معاشات كافية لحياة كريمة لأرباب المعاشات.

arabstoday

GMT 07:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 07:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 06:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 06:56 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 06:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 06:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 06:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العدالة الاجتماعية متى يأتى حلم الثورة الُمغيب العدالة الاجتماعية متى يأتى حلم الثورة الُمغيب



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab