عيدُ غزة الزمن البعيد

عيدُ غزة الزمن البعيد

عيدُ غزة الزمن البعيد

 العرب اليوم -

عيدُ غزة الزمن البعيد

بكر عويضة
بقلم: بكر عويضة

لستُ من محبّذي إطلاق الصفات على الأزمان، ولا إلصاق أوصاف ذات بريق رنان بالشخصيات السياسية تحديداً، لأجل تمييزها عن غيرها من البشر، خصوصاً حين يتعلق الوصف بزعماء أدوا أدوراً خطيرة في مسيرات شعوبهم، وتركوا وراءهم تأثيرات دورهم ذاك، سواء سلباً أو إيجاباً، على مسار بلدانهم، وما حولها من جوارهم، القريب والبعيد معاً. في الشق الأول مما سبق، يمكن استحضار المثال الأكثر تردداً على ألسنة أكثر الناس عندما يبدون الضيق من واقع الحال، فيسارعون إلى ذِكر أيام «الزمن الجميل»؛ ما يعني، أن زمنهم الحالي ليس كما يشتهون، وفي أسوأ الحالات هو عندهم «بشع» ولا يُطاق. أما في الشق الآخر، فما أسرع المنتمين إلى تيار جاهز دائماً لإعطاء مخلوق بشر مثلهم من الأوصاف ما يتجاوز كل منطق عقلاني، فإذا به «الزعيم الخالد»، أو «القائد الفذ»، أو «الرئيس المعجزة»، وربما ترد كل تلك الصفات جملة واحدة، مع ما يمكن إضافته إليها من مفردات تقديس الفرد، التي تزخر بها قواميس أنظمة حكم الاستبداد الفردي.
ضمن سياق ما سبق، وجدتني أميل إلى إعطاء صفة «البعيد» لزمن أعياد عشتها صبياً في غزة، عوضاً عن وصف «الزمن السعيد»، الذي يطرق سمعي حين يتطرق الحديث إلى مقارنة الوضع في القطاع خلال ستينات القرن الماضي، وطوال فترة الإدارة المصرية، مع ما يجري منذ ما بعد توقيع اتفاق أوسلو، فصاعداً. ليس سراً أن تذمر عموم الناس من سلوكيات أفراد بين قيادات الفصائل الفلسطينية، وليس كلهم أجمعين، في غزة وفي الضفة الغربية، بدأ يعرف الطريق إلى أمسيات مجالس بسطاء المواطنين، منذ بدايات مرحلة حكم السلطة الوطنية. فهل ثمة سمات تجيز فعلاً القول إن عيد ذلك الزمن البعيد في غزة، كان يستحق بالفعل صفة السعيد؟ نعم. كان والدي يحرص، منذ صباي، أن أصحبه ضحى أول أيام كل عيد فطر، وعيد أضحى، إلى منزل الدكتور حيدر عبد الشافي، وشقيقيه الدكتور مصطفى، والمهندس بيان. في مطلع الصبا، كثيراً ما أثار ذلك الإصرار استياءً كنت أكظمه، بالطبع، داخل نفسي، فلا أجرؤ على إبداء أي ملاحظة قد تشي باعتراض مني عليه. مع دخول المدرسة الإعدادية - أو المرحلة التعليمية المتوسطة كما تُعرف في مجتمعات عربية - بدأت أعي أهداف والدي من إصراره ذاك. تغير الوضع تماماً. صرتُ أحرص على الاستفسار من الوالد، ليلة كل عيد، أذاهبٌ معه أنا صباح الغد إلى مجلس العيد في منزل الدكتور حيدر عبد الشافي؛ وإذ يجيبني بنعم، أشعر بارتياح تام، وأتأكد جيداً قبل النوم أن هندام الصباح سوف يناسب المقام.
كان طبيعياً أن يقع هكذا تحوّل في تعاملي مع الأمر، بعدما صار مجلس نهار العيد في منزل الدكتور حيدر عبد الشافي بالنسبة لي كما مجلس غزة التشريعي، أو مجالس النواب، أو البرلمانات في أي من المجتمعات الديمقراطية. كان كبار شخصيات البلد، من مختلف التيارات السياسية، والطبقات الاجتماعية، يحرصون على التوافد إلى المجلس، يجلسون جنباً إلى جنب، القومي إلى يمين البعثي، والإسلامي عن يسار الشيوعي، وليس بعيداً عنهما الليبرالي، شيخ معمم يتبادل أطراف الحديث مع قسيس كنيسة الحي ذاته، الذي يقوم فيه جامع يؤم مصليه. حدثٌ حقيق أن يوثق في سجلات تاريخ غزة، يثبت أنها إحدى مدن العرب التي ضربت على مدار الأزمان، أروع أمثال التعايش بين مختلف التيارات السياسية، والمدارس الفكرية، وطوائف الأديان. تلك كانت غزة ذلك الزمان القريب، حتى إنْ قيل كم أنه الآن بعيد. لم يكن والدي واحداً من تلك النُخَب، كان أحد بسطاء الناس الذين حبب الله إلى قلوبهم مجالس أهل العلم والنُجباء، فأحب أن يمشي أنجاله على الطريق ذاتها. حقاً، في مجالس العيد بمنزل الدكتور حيدر عبد الشافي تعرفت، مذ صباي، على كثير من الوجوه التي سوف يكون لها حضور مهم في رسم مشاوير تجربتي، الحياتية، والسياسية، والصحافية، داخل غزة وخارجها. ليس هنا مجال ذكر أسماء عدد منهم، ربما يتيح المقبل من الأيام هكذا مجال، إنما يجب أن أختم بالقول إن الدكتور حيدر عبد الشافي، نجل العلامة الفاضل محيي الدين عبد الشافي، هو ذاته سوف يبقى أحد أرقى أعلام فلسطين، خُلُقاً، وثقافة، ونضالاً سياسياً.

 

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عيدُ غزة الزمن البعيد عيدُ غزة الزمن البعيد



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 13:15 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يؤكد العمل على وقف حرب غزة وإقصاء حماس عن السلطة
 العرب اليوم - بايدن يؤكد العمل على وقف حرب غزة وإقصاء حماس عن السلطة

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية
 العرب اليوم - التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 12:55 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح
 العرب اليوم - دينا الشربيني ورانيا يوسف تستعدّان للقائهما الأول على المسرح

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 02:40 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

القهوة والشاي الأسود تمنع امتصاص الحديد في الجسم

GMT 06:59 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فلسطين و«شبّيح السيما»

GMT 07:22 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة تحذر من أن الأسبرين قد يزيد خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:52 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

كفاءة الحكومة

GMT 06:45 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان يقترب من وقف النار

GMT 10:19 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

جهود هوكستين: إنقاذ لبنان أم تعويم «حزب الله»؟

GMT 16:54 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

روسيا تتعاون مع الحوثيين لتجنيد يمنيين للقتال في أوكرانيا

GMT 02:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

11 شهيدًا في غارات للاحتلال الإسرائيلي على محافظة غزة

GMT 06:56 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

فرصة إيرانية ــ عربية لنظام إقليمي جديد

GMT 19:23 2024 الإثنين ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

ميادة الحناوي تحيي حفلتين في مملكة البحرين لأول مرة

GMT 03:09 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

عدوان جوي إسرائيلي يستهدف الحدود السورية اللبنانية

GMT 07:58 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

اندلاع حريق ضخم في موقع لتجارب إطلاق صواريخ فضائية في اليابان

GMT 07:53 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

ألمانيا تحاكم 4 أشخاص بزعم الانتماء لـ "حماس"

GMT 06:54 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

النموذج السعودي: ثقافة التحول والمواطنة

GMT 07:10 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

تحذير أممي من تفشي العنف الجنسي الممنهج ضد النساء في السودان
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab