غسيل أدمغة متواصل

غسيل أدمغة متواصل

غسيل أدمغة متواصل

 العرب اليوم -

غسيل أدمغة متواصل

بكر عويضة
بقلم: بكر عويضة


من جديد، تطل يد الإرهاب المتلفح باسم الدين في شوارع لندن فتضرب بلا تردد، وبلا وازع من ضمير، بهدف قتل أناس أبرياء ليس لإزهاق روح أحد منهم أي مبرر. إنما، منذ متى شكّل الضمير أي إشكال عند هؤلاء المُضَلَّلين، أو بالأصحّ لدى أولئك الممارسين غسل أدمغة الشبان، ثم الدفع بهم إلى الانتحار بعد نحر غيرهم، وكلا الأمرين مُحرّم في الشرع الإسلامي، ومُجرّم بكل أعراف البشر، ومواثيق الإنسانية؟ الأرجح أن ما جرى، للمرة الثانية، على «لندن بريدج»، الجمعة الماضية، لن يشكّل آخر مرة يثبت الإرهاب من خلالها أن غسيل الأدمغة متواصل، لم يتوقف، وأن تراجع تنظيم «داعش» أخيراً، أو حتى إلحاق الهزيمة تماماً به، لن يؤديا إلى اختفاء خطر إرهاب القتل العشوائي نهائياً، أو ما صار يحمل إعلامياً صفة «الذئاب المنفردة».
تُرى، هل من حل يمكن القول إنه جاهز للقضاء الفوري على خطر غسل أدمغة الشبان والتغرير بهم دينياً، سواء في العالم العربي تحديداً، أو الإسلامي عموماً، أو في ديار الاغتراب حيثما هناك حضور قوي ومؤثر لجاليات عربية ومسلمة؟ الجواب الدقيق، وهو على الأغلب المُتفق عليه بين معظم المتابعين لتنامي ظاهرة التطرف الديني، يقول باستحالة توفر هكذا حلول فورية. ما البديل، إذنْ؟ بالطبع، استمرار المواجهة مع الفكر المتطرف، ورفض ابتزاز عمليات الإرهاب، سوف يشكلان، دائماً، طرفي المعادلة الأساسيين في مواجهة غسيل الأدمغة المتواصل. لكنهما ليسا كافيين وحدهما. مطلوب من العقول المستنيرة في العالمين العربي والإسلامي، وخصوصاً في ميادين الفقه والشرع، بذل جهد أكبر في الشرح والتفسير، ثم النزول بصورة أوضح إلى ميدان المعركة مع غاسلي أدمغة الشبان، وأحياناً بعض الشابات. بمعنى أكثر وضوحاً، هناك معركة لم تعد تقبل المزيد من التأجيل، يجب أن تُخاض ضد كل تفسير تأويلي ييسّر لغاسلي الأدمغة إقناع المغرر بهم بأن ما يقدمون عليه من فعل إرهابي هو عمل مشروع. عبء تلك المعركة يتحمله أهل الاختصاص وحدهم، ذلك أن العبث بنصوص محددة بقصد غسل الأدمغة، يُقدم عليه أيضاً ذوو اختصاص في علوم الدين قدّموا هواهم السياسي على كل ما عداه، لأجل تحقيق أهدافهم تحديداً.
في سياق حديث غسل الأدمغة، أيضاً، جرى الأسبوع الماضي، عبر عدد من مواقع ومنصات الإعلام العالمي، تناقل تقرير لافت للنظر، وفي الآن نفسه مثير للقلق، يتناول أوضاع المسلمين في الصين. التدقيق يوجب القول إن التقرير يتعلق بأقلية الإيغور، وليس كل مسلمي الصين. ثم إن أمانة التوثيق تستدعي تثبيت حق هيئة الإذاعة البريطانية من حيث السبق في الاهتمام بشؤون تلك الأقلية، منذ بضعة أعوام، لا في الأيام الأخيرة فحسب. بيد أن أحدث تقارير «بي بي سي» يستند إلى ما أُعطِي صفة «وثائق مسربة» تكشف «لأول مرة بالتفصيل قيام السلطات الصينية بغسل أدمغة ممنهج، لمئات الآلاف من المسلمين الإيغور، في سلسلة من معسكرات السجون شديدة الحراسة». من جهتها، تقر سلطات بكين بوجود معسكرات «تثقيف» في منطقة شينجيانغ، أقصى شمال غربي الصين، لكنها تصر على أن تلك المعسكرات تقدم خدمات تعليم وتدريب. ضمن هذا السياق نفى السفير الصيني لدى بريطانيا صحة تلك الوثائق، وقال إنها «أخبار زائفة». أياً كانت نسبة الصحة، أو درجة المزاعم، فيما أورده التقرير، يجب التنبّه إلى أمرين، أولهما أن المعنيين بالأمر في الصين أكدوا غير مرة أن بلدهم يعطي مواجهة الفكر الديني المتطرف أولوية قصوى. ذلك حقهم، بل هو مطلوب. إنما، وهذا ثاني الأمرين، حريٌّ بأصحاب القرار في بكين تذكّر تجربة الاتحاد السوفياتي في محاولة إلغاء الدين نهائياً. معروف إلى ماذا انتهت تلك المحاولة، وحاضرة في الذاكرة العالمية مشاهد إحياء التردد على الكنائس بكثافة، بمجرد انهيار الحرس القديم للمؤسسة السوفياتية.
خلاصة القول، كما أن غسل أدمغة مسلمين ببلاد الصين، إذا صح أنه يحصل، سوف يفشل في إلغاء أهمية الدين وقوة حضوره بين معتنقيه، فإن غسل أدمغة شبان باسم الدين الإسلامي سوف ينجح، حيناً بعد حين، فيطل وجه الإرهاب البشع، في الشوارع وعلى الجسور، ويسيل الدم البريء، لكنه حتماً سيفشل في تغيير ما خُلق عليه البشر من فطرة الخير، ونبذ الشر بين بني البشر، بلا تفريق بين لون وجنس ودين.

 

arabstoday

GMT 00:23 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

إسرائيل و«حزب الله».. سيناريو ما بعد التوغل

GMT 00:28 2024 الخميس ,13 حزيران / يونيو

مكاشفات غزة بين معسكرين

GMT 00:37 2024 الخميس ,16 أيار / مايو

التطبيع بعد القمة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غسيل أدمغة متواصل غسيل أدمغة متواصل



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 11:15 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية
 العرب اليوم - شيرين عبد الوهاب توضح حقيقة حفلها في السعودية

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أشرف حكيمي يمدد عقده مع باريس سان جيرمان حتي عام 2029

GMT 18:53 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 09:37 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ثوران بركاني جديد في أيسلندا يهدد منتجع بلو لاجون الشهير

GMT 22:00 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 11:06 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مستشفى كمال عدوان بدون أكسجين أو ماء إثر قصف إسرائيلي مدمر

GMT 10:21 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إسرائيل اعتقلت 770 طفلاً فلسطينيًا في الضفة منذ 7 أكتوبر

GMT 12:02 2024 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

قصف إسرائيلي يقتل 8 فلسطينيين في حي الشجاعية شرقي مدينة غزة

GMT 08:39 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

أجمل السراويل الرائجة هذا الموسم مع الحجاب

GMT 16:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

نتنياهو يرد على قرار المحكمة الجنائية الدولية

GMT 17:12 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab