أوسلو الزلزال والإعصار

أوسلو... الزلزال والإعصار

أوسلو... الزلزال والإعصار

 العرب اليوم -

أوسلو الزلزال والإعصار

بقلم - بكر عويضة

ليل الجمعة الماضي أفاق الناس في أنحاء عدة من المغرب على وقع زلزال مدمر أوقع، في البدء، عشرات الضحايا، ثم أخذت الأعداد ترتفع، فإذا الألف الأولى تليها الثانية ما بين طرفة عين وانتباهتها. غير بعيد، فوجئ أهل شرق ليبيا بإعصار يحمل اسم «دانيال» يفجر فيضانات تُغرق قرى بأكملها وتبتلع آلاف القتلى، فيُحدِث من الهلع في النفوس ما يفوق الذي يسببه اقتتال الميليشيات الليبية. في الآن نفسه، راحت نواقيس الخطر تدق في مصر، بعدما تردد أن الإعصار ذاته في الطريق إليها أيضاً. أمام تتابع هذه الأحداث قد تبدو العودة إلى حدث وقع قبل ثلاثين عاماً غير مِهنية صحافياً. أتفهم ذلك وأتقبله. إنما يمكن القول أيضاً إن الذي حدث في مثل هذا اليوم منذ ثلاثة عقود (13-9-1993) في حديقة البيت الأبيض بواشنطن، يستحق أن يُعطى، سياسياً، وصف زلزال وإعصار معاً.

الواقع أن «اتفاق أوسلو» كان كذلك على أكثر من صعيد، ومن ثم فإن الرجوع إلى مشهد ذلك الحدث لا يبتعد، مجازاً، عما يشهد العالم من كوارث طبيعية تشمل الأعاصير، والزلازل، والفيضانات، وحرائق الغابات. حقاً، لقد زلزل توقيع «اتفاق أوسلو» أرض أكثر من اقتناع على ثلاثة مستويات؛ فلسطينياً، وعربياً، وإسرائيلياً. وهو كان بمثابة إعصار سياسي نسف أكثر من مبدأ اعتقد كثيرون، طوال عقود، أنه عصيٌّ على الزوال. بدءاً، أطاح «اتفاق أوسلو» الوهم الإسرائيلي الزاعم أن إسرائيل دولة كان يجب أن تقوم فوق «أرض بلا شعب» لأجل ضمان مستقبل وأمن «شعب بلا وطن». كذبة خرقاء أطلقها عتاة الحركة الصهيونية، من جيل وزمن غولدا مائير، وبن غوريون، ثم صدقها زعماء التطرف الصهيوني الحاليون، مثل الوزير في حكومة بنيامين نتنياهو الحالية، إيتمار بن غفير، وآخرين غيره، لذا لم يكن مستغرباً أن يسارع هذا التيار إلى اغتيال إسحاق رابين (4-11-1995) انتقاماً من إقدامه على القبول بمبدأ التفاوض مع الفلسطينيين.

في المقابل، أزاح الاتفاق ذاته أيضاً مبدأ إصرار فلسطيني، مدعوم عربياً وإسلامياً بقي منذ العام 1948 قائماً على رفض التفاوض مع إسرائيل بقصد إبرام صلح معها والاعتراف بها. معروف أن قمة الخرطوم العربية (29-8-1967) أطلقت تلك اللاءات الثلاث رداً على هزيمة حرب الستة أيام سنة 1967. صحيح أن التخلي عن هذه اللاءات سبق توقيع «اتفاق أوسلو» بسنوات عدة، خصوصاً بعدما عقدت مصر أول اتفاق سلام عربي - إسرائيلي عُرف باتفاقية كامب ديفيد (17-9-1978)، لكن «اتفاق أوسلو» بدا بمثابة أول إقرار فلسطيني بإمكانية سلوك طريق كامب ديفيد، بعدما كان مرفوضاً بإصرار.

حسناً، ها قد مرت السنون سريعاً، فأين صار «اتفاق أوسلو»، وماذا حقق للجانبين؟ ربما السؤال الأصح والأهم هو ماذا تحقق للطرف الفلسطيني كونه الأحق من الطرف الإسرائيلي كثيراً في أن يلمس واقعياً ثمرة الإقدام على «مقامرة أوسلو»؟ واضح أن الإجابة ليست في صالح الجانب الفلسطيني تحديداً. باستثناء بعض المكاسب الرمزية، مثل تلك التي اتخذت شكل اعتراف معظم دول العالم بالسلطة الوطنية الفلسطينية كياناً يمثل الفلسطينيين، وبدء التعامل مع مكاتب منظمة التحرير كسفارات، أو بعثات دبلوماسية، عدا ذلك، ما تحقق على صعيد الممارسة الفلسطينية المستقلة فعلاً على الأرض قليل جداً، بل إن بعض المناطق التي وردت في اتفاق غزة - أريحا أولاً، مثل المنطقة جيم، لا تزال خارج نطاق السيطرة الفلسطينية. صحيح أن مقاومة «اتفاق أوسلو» بغرض نسفه كلياً فشلت، لكن الأرجح أيضاً أن أغلب شرائح جيل فلسطيني نشأ وشبّ في أجواء الاتفاق، خلال الثلاثين عاماً الماضية، لا تشعر بأمان تام في حاضرها، ولا بتفاؤل مضمون إزاء مستقبلها. حصاد مؤسف؟ نعم، بكل تأكيد.

arabstoday

GMT 20:40 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

عندما يعلو صوت الإبداع تخفت أصوات «الحناجرة»

GMT 06:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

GMT 06:20 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

قرارات أميركا العسكرية يأخذها مدنيون!

GMT 06:17 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

تسالي الكلام ومكسّرات الحكي

GMT 06:14 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

كيف ينجح مؤتمر القاهرة السوداني؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوسلو الزلزال والإعصار أوسلو الزلزال والإعصار



هيفا وهبي تعكس الابتكار في عالم الموضة عبر اختيارات الحقائب الصغيرة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 10:27 2025 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

سهر الصايغ تكشف الصعوبات التي تواجهها في رمضان
 العرب اليوم - سهر الصايغ تكشف الصعوبات التي تواجهها في رمضان

GMT 03:57 2025 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

الرياض تحتضن دمشق

GMT 07:34 2025 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

زلزالان بقوة 4.7 درجة يضربان بحر إيجه غرب تركيا

GMT 10:15 2025 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

مي عمر تسأل الجمهور وتشوّقهم لـ"إش إش"

GMT 05:35 2025 الثلاثاء ,04 شباط / فبراير

هزة أرضية بقوة 6.2 درجة في إندونيسيا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab