مسلسل الأسطورة وخبث صناع الدراما

مسلسل الأسطورة وخبث صناع الدراما

مسلسل الأسطورة وخبث صناع الدراما

 العرب اليوم -

مسلسل الأسطورة وخبث صناع الدراما

بقلم : اسعد عبدالله عبدعلي

الفرحة كبيرة في ليالي رمضان الكريم لأغلب متابعي مسلسل الأسطورة، في مقهى أبو علي، فبطل المسلسل ناصر الدسوقي نجح في الانتقام من أعدائه، لقد قتلهم في الشارع، لقد رمى رصاصاته في صدر أعدائه، وأمه وأخواته يزغردن، هكذا هي ابرز مشاهد حلقات المسلسل الأسطورة، مع أن بطل المسلسل مجرد "بلطجي" بتعبير المصريين، وهذا البطل يقتل ويضرب ويتاجر بالممنوعات، ويصنع سلاحًا، فالمسلسل يحاول جعل الأمور الإجرامية مبررة للمشاهد، وعندما تسأل أي مشاهد عن راية في انتقام ناصر الدسوقي “بطل المسلسل” من قاتل أخيه، فيقول لك أنَّ ما فعله صحيحًا!، بل هو من صميم العدل والرجولة، مما يعني تعطيل القانون وتحول المجتمع إلى غابة، الأقوى هو من ينجح، هكذا يسعى منتجو هذا المسلسل وأمثاله من مسلسلات، تثبيت قيمة اجتماعية وهي أن الحق يؤخذ بالقوة وبعيد عن القانون، وبأي طريقة ممكنة، حتى لو كانت خارج القانون.

 فأي علاقة حب وإعجاب عجيبة تنشا له؟ بل والغريب أن يقلد الشباب سلوك البطل في أسلوبه بالكلام، وطريقة المشي، والحلاقة، فما سر تأثيره بالناس.

يمكن أن نلاحظ على الدراما المصرية بصورة عامة خصوصا في العقد الأخير، نقاط معينة تركز عليها كثيرا، وهي:

●أولا: المجرم مجرد ضحية

الكثير من المسلسلات المصرية تغير نهجها في العقد الأخير، حيث كان البطل سابقا هو النزيه الشريف الملتزم، وهو فقط من يكسب التعاطف،  كمسلسلات يحيى الفخراني ونور الشريف، لكن تغيرت الأمور كانقلاب عجيب، فأصبحت الدراما تتمحور حول بطل مجرم لص " بلطجي"، والجمهور يتابع ويصبح متعاطف معه ضد القانون والفطرة، حيث تتشكل الصورة الدرامية بصورة محترفة، بحيث يكون التعاطف إلى جانب المجرم، ويضعون بين السطور عشرات التبريرات لجريمته، فيجعلون كل جرائمه لم يفعلها برغبة منه، كي يكسب قبول المشاهدين، مما جعل الأمور تنقلب عند المتلقي عكس ما جاءت به الفطرة، فبدلا من إلقاء اللوم على المجرم، وتحميله تبعات أجرامه، نجد المتلقي يصبح إلى جانبه، وهذه انتكاسة كبيرة، ونصر كبير لمن يدير الأمور بالخفاء نحو مقصد مخيف.  

والانتكاسة الاجتماعية تحصل، لان هذا المجرم تصبح له ألاف النسخ في المجتمع، لأنه بطل محبوب ويقلدوه، بالشكل والفعل وحتى طريقة الكلام، كما حصل مع بطل مسلسل الأسطورة "المجرم الرفاعي"، إذن من المضحك أن نتساءل لماذا ترتفع معدلات الجريمة.

●ثانياً: دغدغة أحلام العاطلين

يتفنن صناع الدراما في طرق جذب المتلقي، ويوجهون مسلسلاتهم لفئات معينة، كي ينتج سلوك جديد، حسب ما يرغبه صناع الدراما، حيث يراد لسلوك البطل ان يتكاثر داخل فئة مشابه له ، فبطل المسلسل المجرم، ابتداءً هو عاطل عن العمل، ثم بسلوكه المنحرف والاتجار بالممنوعات والسلاح،  يصبح ثري في مدة زمنية قليلة، هذه الفكرة تصبح حاضرة بقوة عند فئة العاطلين، الذين يحلمون بالثراء كما حصل ل"ناصر الدسوقي"، فيتحركون كما تحرك في دائرة الخروج على القانون لكسب النجاح، وهو الطريق الوحيد الذي رسمه المسلسل.

فتأمل خبث الجهات الخفية التي تدفع بظهور هكذا مسلسلات، خطيرة على مستقبل المجتمع، فليس بمستغرب بعد ذلك أن ارتفعت نسبة الجريمة وعدد المنتمين للجماعات الإرهابية، لان المتلقي أصبح مشبع بالأفكار المبررة التي يضخها التلفزيون له، هنا يتبين من هو الشريك بالجريمة، أنهم صناع الدراما الخبيثة التي تجمل الجريمة.

●ثالثا:  المجرم محبوب من النساء

كي يكسب صناع الدراما الخبيثة الجمهور، يتجهون لما يحبه الشباب وما تعشقه النساء، الحلم الذي يعيش في القلوب، عندها توصل صناع الدراما أن الشخص المحبوب من النساء هو المثال، لذا يجعلون المجرم والمنحرف والبلطجي محبوب من النساء، وتعشقه الجميلات والمثقفات، الطبية، والمهندسة، والصحفية ،وبنت الأكابر، وحتى المراهقات، هكذا تكون الحلقات مشبعه بملاحقة الفتيات للمجرم، والسعي للسقوط في أحضانه، فمن يريد كسب قلوب النساء عليه أن يكون بلطجي، ولص، ومجرم، وتاجر بالممنوعات، عندها تعشقه النساء.

انظر لخبث صانعي هذه الدراما فرسالتهم الخفية هي: انه ليس هنالك مشكلة أن تتحول لقاتل ومهرب، بالمقابل تكسب قلوب النساء، فالهدف كبير، وهكذا ينتشر سلوك الجريمة والانحراف في المجتمع، هكذا ترسم الأيدي الخبيثة، وتبث سمومها عبر عشرات الفضائيات، وبصورة محببة لمخيلة المتلقي، فهل انتبهت لمن يصنع الجريمة في مجتمعنا. 

●رابعا: فرق الأمس عن اليوم في رسم طريق النجاح

في الأمس كانت المسلسلات ترسم طريق النجاح والثراء، ويكون عبر العمل والاجتهاد والكفاح والصبر والتصميم، مهما يواجه البطل من معوقات، ويكون طريق مشروع وواضح، كما في مسلسل لن أعيش في جلباب أبي، وكذلك كان المسلسلات توضح للمتلقي، أن الذي يسلك طريق اعوج في النهاية يقع ولن يتوفق في حياته، ويكون مصيره أما الموت السريع أو السجن، لكن اليوم انقلبت القيم التي يبثها التلفزيون، حيث أصبحت التجارة بالممنوعات مثل المخدرات والسلاح، هي طريق النجاح، والخداع والمكر والجريمة هو سبيل الوصول للأهداف الجميلة، كما في مسلسل الأسطورة.

فانتبه للانقلاب ألقيمي الكبير الذي حصل، وهو بفعل فاعل وليس مصادفة، وجرى عبر مؤسسات إعلامية إنتاجية ضخمة، وفي ظل غياب الرقيب الفاعل عن هكذا جريمة فنية تحصل بحق المجتمع.

●خامساً: صناعة قناع المجرم

كي تكون الحبكة مكتملة، يلجأ صناع الدراما لأساليب معينة، تنسي المشاهدين ما يصدر من اجرام على يد البطل المنحرف، ويجعل المشاهد يضع الأعذار له، فمثلا يجعلون البطل يوزع اللحوم على الفقراء، ويكثر من الهدايا عليهم، ويحسسهم بأنه واحد منهم، ويتكلم بلهجتهم، ويسعى لحل مشاكلهم، هذه الأمور يرسمها صناع المسلسل على مدى شهر من البث لحلقاته، فترسخ عملية التعاطف مع المجرم، وتنسى الناس انه لص وقاتل وتاجر سلاح، وتستذكر شهامته ورجولته ووقفته مع الفقراء، ويشبهوه بروبن هود، أي أن الناس تعاطفت مع مجرم خارج على القانون يقتل بدم بارد، وعند هذه النقطة نؤشر نجاح صناع الدراما الخبيثة.

فهل تنبهت لما يرسم لنا من فخ مخيف، أن تنقلب القيم، ويصبح المنحرف والقاتل واللص مثال في المجتمع يحسن تقليده، بالمقابل ترسم هذه المؤسسات الفنية صورة النزيه دوما بالضعيف، الذي يقتل أو يسجن، كي تبتعد الناس عن النزيه، وتطوف في حضرة المجرم الشهم والقاتل العطوف.

● سادساً: مسلسل لنشر الألفاظ البذيئة

في مسلسل الأسطورة ومسلسلات أخرى مشابهه له، يعمد صناع المسلسل على حشوه بمفردات وقحة، وكلمات تتردد بين البلطجية وتجار الحشيش، وكلامات بإيحاء جنسي، في الكثير من جمل النص، والهدف خبيث وهو أن تنتشر بين الناس ويصبح يرددها الكبير والصغير، الولد والبنت، خصوصا تلك الكلمات ذات الإيحاء الجنسي، انه مخطط أفساد العائلة، عبر مسلسلات تنشر الرذيلة تحت غطاء البطل الشعبي المحبوب.

هل تنبهت الى الفخ القذر الذي تم نصبه للعائلة، كي يتفسخ المجتمع ولا ينتج الا مجرمين ومنحرفين السلوك، اعتقد الفرق ضئيل بين الجماعات الإرهابية وبين هذه المؤسسات الفنية، فمخرجاتهم واحدة، مجرم شاذ، لكن ذلك بغطاء الدين وهذا بغطاء البطل الشعبي.

● سابعاً: نشر فكرة الخروج على الدولة

 مسلسل الأسطورة ينتهج أسلوب مجموعة مسلسلات ظهرت أخيرا، وهو جعل البطل المحبوب خارج عن القانون وعدو للدولة، حتى مسلسل ابن حلال كان بنفس الفكرة، والكثير من الأفلام المصرية المنتجة في العقد الأخير، تنتهج هذا الأسلوب، أي فكرة الخروج عن القانون، لتحقيق العدل والوصول للحق الضائع، ويقوم صناع الدراما بتصوير الشرطة على أنهم أشرار وفاسدون، وأنهم مرتبطين برجال العصابات، وان بطل المسلسل خارج على الدولة الفاسدة، وعلى حماة القانون الفاسد.

أي أن الدولة هي بالأصل غير موجودة، بل المافيات هي من تتحكم بالبلدان، وان الخروج على الدولة مشرع وواجب، وهكذا يكون المسلسل باعث للفوضى والخروج على النظام ، فأنظر للدور خطير تقوم به هذه المؤسسات الفنية، اعتقد يجب القيام بخطوات مدروسة لوقف الهجوم الذي تتعرض له العائلة والمجتمع.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مسلسل الأسطورة وخبث صناع الدراما مسلسل الأسطورة وخبث صناع الدراما



GMT 18:02 2024 الثلاثاء ,20 آب / أغسطس

شكاية فنية موضوعها الإقصاء والتهميش   

GMT 06:37 2022 الجمعة ,30 أيلول / سبتمبر

انفلات ممثل محبط

GMT 08:24 2022 الأحد ,14 آب / أغسطس

نجاة «سيدة القصيدة العربية»

GMT 19:47 2021 السبت ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

الفيديو كليب صورة افتراضية

GMT 14:02 2019 الثلاثاء ,21 أيار / مايو

يشبهنا صراع العروش

GMT 08:04 2019 الأربعاء ,13 آذار/ مارس

" ابو العروسة " والعودة للزمن الجميل

GMT 07:59 2019 الأربعاء ,13 آذار/ مارس

محمود مرسي

GMT 08:06 2019 الأربعاء ,06 آذار/ مارس

أحمد زكي

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 العرب اليوم - تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا

GMT 07:25 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية
 العرب اليوم - وجهات سياحية راقية تجمع بين الطبيعة الساحرة وتجارب الرفاهية

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات
 العرب اليوم - كيف تختار الأثاث المناسب لتحسين استغلال المساحات

GMT 08:36 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

أطعمة ومشروبات تساعد في علاج الكبد الدهني وتعزّز صحته

GMT 08:12 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

التغذية السليمة مفتاح صحة العين والوقاية من مشاكل الرؤية

GMT 06:06 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

راجعين يا هوى

GMT 19:32 2024 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

رانيا فريد شوقي تكشف سبب ابتعادها عن السينما

GMT 08:18 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض مسيّرة قبالة سواحل حيفا

GMT 02:48 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

المحكمة العليا الأميركية ترفض استئناف ميتا بقضية البيانات

GMT 07:58 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

تحوّل جذري في إطلالات نجوى كرم يُلهب السوشيال ميديا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab