مبنى مقر البرلمان اللبناني وسط بيروت
بيروت ـ جورج شاهين
أعلن رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري تأجيل الجلسة النيابية العامة التشريعية، التي كانت مقررة قبل ظهر الإثنين، وعلى مدى ثلاثة أيام، إلى أيام 16 و17 و18 تموز/يوليو الجاري، بعدما طير نواب قوى "14 آذار"، ومنهم نواب كتل "تيار المستقبل" و"القوات اللبنانية" رفضًا لمضمون جدول
أعمال الجلسة، و"التيار الوطني الحر" رفضًا لما هو مطروح عليه لجهة التمديد لولاية قائد الجيش اللبناني العماد جان قهوجي ورئيس الأركان في الجيش اللواء وليد سلمان.
وجاءت الدعوة إلى التأجيل، تلبيةً لطلب نواب "الكتائب اللبنانية"، الذين طلبوا من بري التفاهم مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، فيما شهد المجلس نقاشًا دستوريًا تبارى فيه نواب بري من جهة، ونواب "تيار المستقبل" من جهة أخرى، دفاعًا عن نظريتهما المتناقضة التي وضعت جلسة الإثنين في مهب الخلاف السني – الشيعي، وخرقته دعوة بري إلى تأجيل الجلسة أسبوعين، مصرًا على جدول الأعمال الخلافي نفسه، وهو أمر دفع بالمعترضين إعلانهم من اليوم رفضهم الحضور إلى هذه الجلسة، ما لم يجرِ تعديل جدول الأعمال الفضفاض الذي حاول رئيس البرلمان من خلاله تمرير قوانين ترفضها الحكومة، لسبب استقالتها وحصر مهامها في الحد الأدنى من القضايا الضرورية والقوانين الإستثنائية.
وقال رئيس الحكومة المستقيل نجيب ميقاتي، بعد لقائه بري، والذي اعتبر سلبيًا لم يقنع أي منهما الآخر، "أردت أن اجتمع مع بري لكي نناقش الأوضاع الراهنة، وكان النقاش إيجابيًا، وأثنيت على الكلام الذي أدلى في المؤتمر الصحافي لقوله إن النقاش الحاصل هو دستوري بحت، وخارج التجاذبات الطائفية والمذهبية، وأقول ليس لدينا مجلس دستوري يصدر رأيًا في هذا الموضوع، والمسألة الراهنة دستورية صرف، وأنا لدي استشارة قانونية اتمسك بها، صحيح أن مجلس النواب سيد نفسه وله الحق في التشريع في كل الأوقات، ولكن خلال حكومة تصريف الأعمال، يجب أن يكون التشريع محصورًا فقط بأمور ضرورية وطارئة".
وأضاف ميقاتي، "تحدثت مع بري في السوابق التي جرت، والتي ذكرها في مؤتمره الصحافي في 1969، وكان موضوع الموازنة ضروريًا، وقد اجتمع مجلس الوزراء برئاسة الرئيس شارل حلو، رغم أن الحكومة كانت مستقيلة وتصرّف الأعمال، وأحال مشروع قانون الموازنة إلى المجلس النيابي في تشرين الأول/أكتوبر عام 1969،ولكن الموازنة لم تقر في المجلس النيابي إلا بعد تشكيل حكومة جديدة ونيلها الثقة، وقد تشكلت الحكومة في 25 -11-1969 وأقرت الموازنة في 7-1-1970 بعد نيل الحكومة الثقة، والواقعة الثانية التي ذكرها بري جرت في العام 1978 خلال تعويم حكومة سليم الحص، كان الحص مستقيلاً ثم تم تعويم الحكومة، وحضر الحص إلى المجلس وتم إقرار سلسلة من القوانين، والواقعة الثالثة وقعت في 1987 على أثر اغتيال الشهيد رشيد كرامي، حيث صدر حينها مرسوم من الرئيس أمين الجمّيل يقضي بتعيين سليم الحص رئيسًا بالوكالة، واعتبرت الحكومة يومها كاملة الأوصاف"، موضحًا "اجتمع المجلس النيابي مرتين في خلال توليّ مهام رئاسة حكومة تصريف الأعمال الأولى عامي 2005 و2013 وفي المرتين كانت الأمور ضرورية وطارئة، ولهذا السبب أقول نحن مع عقد جلسة تخصص للأمور الضرورية، لا أن يكون جدول الأعمال شاملاً وموسعًا، لأن هناك واقعًا لا يمكن تجاهله، فهناك سلطة تنفيذية ناقصة لسبب الاستقالة وسلطة تشريعية كاملة الأوصاف، والمبدأ الدستوري يقوم على التعاون والتوازن والفصل بين السلطات، وأنا لا أرى أن هناك توازنًا في الوقت الحاضر بين حكومة مستقيلة وسلطة تشريعية كاملة، لهذا السبب أقول وأكرر أن الموقف الذي اتخذه ليس شخصيًا، بل يتعلق بمقام رئاسة الحكومة وبالسطة التنفيذية التي يجب أن تكون متوازنة مع سائر السلطات، فالموضوع محور نقاش من الناحية الدستورية، ويوجد لدي مرسوم للتوقيع يقضي بفتح دورة استثنائية للمجلس النيابي، وحتى الآن أنا لم أوقع المرسوم، وتشاورت في هذا الأمر مع الرئيس سليمان، ونحن متفقان على عدم توقيع هذا المرسوم، حتى لا يتسبب ذلك في فتح إشكال إضافي، نحن نريد مخرجًا قانونيًا ودستوريًا لهذا الإشكال، وبري نعتمد دائمًا عليه وعلى وطنيته وحكمته ووعيه للظروف الحساسة التي نمر بها، وأنا على يقين بأننا سنتوصل قريبًا إلى حل".
واندلع جدل دستوري وبعد تصريح ميقاتي، بين أنصار بري من جهة، و"تيار المستقبل" من جهة أخرى، بشأن دستورية الجلسة وقانونيتها، ورد نائب كتلة "التنيمة والتحرير" المعاون السياسي لرئيس البرلمان بعنف على ميقاتي، وقال "سوابق عدة عددها بري لم يستطع أحد الرد عليها بشكل صريح، ومنها ما حدث في عهد حكومة الرئيس ميقاتي نفسه في 2005، والبعض يكرر، ومن بينهم ميقاتي، الكلام الذي تجاهل كل حقوق المجلس النيابي التشريعية، ولا مصلحة لأحد في إسقاط دورة المجلس النيابي، وفرض شروطه عليه، خلافًا للقواعد الدستورية التي تعطيه حق التشريع".
وحذر رئيس لجنة الإدارة والعدل النيابية روبير غانم، من تعطيل المجلس النيابي، قائلاً "إن التعطيل يدق باب مجلس النواب بعدما دخلت السياسة في كل باب، وأصبحت المؤسسات مشخصنة ومسيسة، ولم يعد هناك من تفسير واضح للدستور، ولا للقانون، وبات كل شيء مرتبطًا بالمذهبية والطائفية والانقسام العامودي الذي يعيشه لبنان".
وعن الإعتراض على توسيع دائرة تشريع المجلس في ظل حكومة مستقيلة، أوضح غانم، أن "المادة 69 من الدستور نصت أنه يجوز أن يكون المجلس حكمًا في دورة استثنائية، وهذه الدورة الاستثنائية لا تتطلب مرسومًا، لأنه إذا كان هناك شيء ما يتطلب تشريعًا في ظرف غير عادي، عندها يقوم مجلس النواب بالدورة المطلوب منه، طالما الحكومة مستقيلة، حتى لا يكون هناك فراغ في السلطتين التنفيذية والتشريعية، وأن للمجلس الحق في التشريع في دورة استثنائية للضرورة القصوى، أي لأمر يتهدد البلد وفق التفسير الصحيح للمادة 69 عندما وضعها المشرع، ولا اعتقد أن التمديد لقائد الجيش هو للضرورة القصوى".
وقال عضو كتلة "التنمية" التابعة لرئيس البرلمان النائب غازي زعيتر، بعصبية لافتة من ساحة النجمة، "بري لم يغير أو يبدل في مواقفه، وكل ذلك من أجل مصلحة الوطن، ولن نسمح لأحد بتخريب البلد، وسنبقى على مواقفنا الوحدوية والتاريخ سينصف من كان معتدلاً ومن يعمل لمصلحة الوطن"، فيما رد عضو كتلة "القوات اللبنانية" انطوان زهرا على زعيتر، فقال "لمصلحة استمرار تعاوننا مع بري، أتمنى ألا نصل إلى اتهامنا من قبل فريقه السياسي بتعطيل الجلسة، لأن ذلك لن يخدم أحدًا، وكنا واضحين بقولنا إن هيئة مكتب المجلس أخطأت لأنها تفاجأت بتحديد موعد للجلسة، وقال لنا بري إنه متفاهم على خطوته مع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المستقيل، لكن ظهر لاحقًا أنه أمر غير دقيق، وأن رئيس الحكومة رفض التوقيع على مرسوم الدورة لخلاف بشان أولوية جدول الأعمال".
واعتبر عضو كتلة "المستقبل" النائب أحمد فتفت، في تصريح في مجلس النواب، أن "رئيس مجلس النواب ليس معتدلاً، وهو رئيس (8 آذار) وملتزم بالسلاح، وأن ما جرى الإثنين هو احترام للدستور وليس لرئيس المجلس، ولذلك فنحن نريد جلسة ضمن الأطر الدستورية ولسنا ضد التمديد لقائد الجيش ونريد التمديد لكل القادة الأمنيين، فلماذا تجاهلوا التمديد للمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي"، في حين قال عضو كتلة "الحزب التقدمي الاشتراكي" أكرم شهيب، الذي حضر إلى الجلسة من دون رئيس الحزب وليد جنبلاط، "كنا نتمنى حضور الجميع إلى الجلسة، لأن هذا ما اتفقنا عليه في اجتماع هيئة المجلس، والكلام اليوم هو سياسي أكثر منه دستوري".
وأكد نائب "الجماعة الإسلامية" عماد الحوت، مقاطعته الجلسة التشريعية لمجلس النواب، رافضًا "جدول أعمالها الموسع في إطار حكومة تصريف الأعمال"، معربًا عن تخوفه "من عدم تشكيل حكومة جديدة"، مضيفًا بشأن التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي، أن "التمديد يصبح مطروحًا بشكل جدي في حال الاقتراب من الفراغ الأمني، وأنه يفضل لو أن الحكومة الجديدة تعالج هذا الموضوع، وأنه كان الأولى تشاور رئيس مجلس النواب نبيه بري مع رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في البنود الطارئة والمهمة، أو الطلب من رئيس الجمهورية فتح عقد استثنائي لمجلس النواب بمرسوم رئاسي، بما يحفظ العلاقة بين الرئاسات الثلاث".
وأعرب الحوت عن تخوفه "من تفريغ إضافي لمؤسسات الدولة بشكل مقصود أو غير مقصود، وتعطيل تأليف الحكومة، والوصول إلى الفراغ بالمؤسسة الرئاسية الأولى"، فيما انتقد فريق "8 آذار" لإصراره على الحصول على الثلث المعطل في الحكومة الجديدة، معتبرًا أنه "آن الأوان لرئيس الحكومة المكلف تمام سلام طرح تشكيلة حكومية هو مقتنع بها، بالتشاور مع الرئيس سليمان، ثم فلتتحمل القوى السياسية مسؤولياتها".
وصدر عن الأمانة العامة للمجلس النيابي بيانًا، ردًا على بيان وموقف ميشال عون، جاء فيه، "توضيحًا لما ورد على لسان رئيس تكتل (التغيير والإصلاح) بشأن عدم إحالة مشروع القانون المتعلق بخط الغاز إلى اللجان النيابية، تؤكد الأمانة العامة أن مشروع القانون المذكور قد ورد إلى مجلس النواب بتاريخ 6/6/2012، وقد أُحيل إلى لجنة المال والموازنة بتاريخ 7/6/2012، وكذلك إلى لجان الإدارة والعدل والأشغال العامة والنقل والاقتصاد الوطني في التاريخ ذاته في 7/6/2012 لمناقشته في اللجان المشتركة".
أرسل تعليقك