الروائي محمد الأشعري ينجز كتابة روايته الجديدة ثلاث ليال
آخر تحديث GMT19:14:55
 العرب اليوم -

عبارة عن نصٍّ سردي يشتمله عنوان واحد من ثلاث طبقات

الروائي محمد الأشعري ينجز كتابة روايته الجديدة "ثلاث ليال"

 العرب اليوم -

 العرب اليوم - الروائي محمد الأشعري ينجز كتابة روايته الجديدة "ثلاث ليال"

الروائي محمد الأشعري
الرباط ـ العرب اليوم

إن أردْتَ أن تصبح روائياً، فأنت في حاجة إلى تأسيس مشروع، أو الأصحّ الى طرحه وترتيبه بالأحرى، لأنك لن تأتي به من عدم، وإنما من حياة مختزنة، وذاكرة مراكِمة، ومن سلالة ستحييها بنقلها من معيش كان، إلى آخر يتكوّن، قد زرعت النطفة، اللغة، الروح في رحم التخييل، أي فن السرد، لتبدأ عندئذ حياة جديدة اسمها الرواية.

هكذا بدأ محمد الأشعري، لما قرّر أن يوسّع تربته الإبداعية في الأدب المغربي، فينتقل من الشعر، الذي تبرعم فيه في السبعينات، إلى الرواية التي يرسخ فيها قلمه اليوم، بعد غارات خاطفة في العقد الموالي، بين القصة القصيرة، والكتابة الصحافية الحاذقة. وقد مكر الكاتب، بعد وعيه بأهمية استعادة الجذور (بومندرة، قرية الأجداد) والحفر في تضاريس تاريخ لا قيمة للحاضر من دونه والإلحاح على فتح "علبة الأسماء" (رواية سابقة، 2015) لتدوين بعض سيرة التنكيل الجسدي والروحي، كما كابدها هو وجيلنا في زمن قريب، بعد هذا يتجسّد المكر في تحويل ما يمكن أن يتكوّن ويؤوّل مجرد قطعة من سيرة ذاتية، أو تخييل ذاتي، إلى فسيفساء بالتراب والخزف والزخرف والتخاريم، أي بالسرد والشعر معاً.

ثورة الذات
المشروع اذًا، هو تحويل السيرة إلى طريق كتابة، بحكايات، بأناس وعوالم، ونظام، أي لعب فني محكم. فهي تمتد إلى سِير آخرين، لأننا جميعاً لم نعش في مغرب الاستقلال وزمن العرب الحديث غير ذلك التنكيل والقهر والحِجر، معجون في آمال خائبة وجراح مفتوحة لا ينفك الكلام الأدبي ينكأها، إنما السرد التخييلي يربط الزمن التاريخي ببؤرة الذات، ليلحقهما بالإنساني.

ولعلّ آخر قطعة في هذه الفسيفساء، روايته الجديدة "ثلاث ليال" (المركز الثقافي العربي، 2017). يعمد فيها، خلافاً لسابقتيها "القوس والفراشة" و "علبة الأسماء" إلى اصطناع تركيب ضمني بين ثلاث قصص أو روايات قصيرة، مواصلاً، بتعديل، التيمة ذاتها هي بمثابة مهيمِنة على المشروع الروائي قيد التكوين، مجتهداً، بحكم هذا المقتضى، في وصل المنفصل ليتصل.

إننا أمام نص سردي، يشتمله عنوان واحد، من ثلاث طبقات. كل طبقة بشقّة ذات غرفتين معيّنتين زيادة على الملحقات. ثلاثة أزمنة تأتي ضمن أمكنة، عوالم، جغرافيا وعمران بشري اجتماعي، سياسي، وفضاءات حيوية، خارجية، تحفل كثيراً بالداخلية. هي الذوات التي يتسع فيها الحكي وينشر الليل فوق لحمها وأديم عمرها سدوله وشجونه، وفي عتماتها تينع شجرة الاستعارة.

تحكي الليلة الأولى ظلال القوة والمجد وهما ينسحبان عن القامة الجبارة للباشا لكلاوي، أحد كبار أعيان مراكش في المغرب. هو من المتعاونين مع الاستعمار الفرنسي، ومن ممثلي إقطاع وحكم زمن واقع بين سلط وتاريخ متعدد: ملك مستضعف، واستعمار حديث، وسلطة أعيان هو قوتها ورمزها ترفض الزوال، وتمثل كل سمات ماض يزحف عليه حاضر سيسومه الخسف والهوان، ليبزغ فجر مغرب جديد لو قدِّر له البزوغ.

لا يعني السارد- وهو في كل المراحل والقصص المروية عليم، سرد التاريخ، وقائعه، فإنه وجده سابقاً، ومبتغاه، أحد رهاناته ومخاطره- أن يعيد رسم بعض عضلات جبروت الباشا وأفول زمنه، ببشائر عودة الملك المنفي، تزامناً مع إصابته في مقتل، في فحولة تنطفئ بعد قوة عارمة، بين الفضاء، المخدع الحريمي وسيف الحكم البتّار، المطلق، المتمرد على السلطة المركزية، والمخاتل مع الاستعمار، المستسلم أخيراً في ليل السلطة المدلهم إلى فتنة مينة، المختطفة من أحضان أمها وقريتها وغريم. فالمرأة، مصدر الهوى والهاوية، بوصفها افتراضاً الخيط الناظم بين قصة وأخرى، متيناً نسِج هذا الخيط أو رخوا.

وفي الليلة الثانية، نجد مناسبةً في التحقيب بقدومها بعد الإستقلال، وامتدادها إلى نهاية الألفية الثانية. لا يتغير فيها شيء سوى تلاوين الظلام، وبعض طقوس تجذر كينونة المستبد وهيمنة سلطة المطلق والخفاء، حيث تكمن أقبية الحريم، تسوسهما إرادة استبداد يتأبّد. من الباشا لكلاوي إلى حاكم لا يتسمّى انسحر ايضاً بفتاة من الجنوب، واجتثّها من حضن أمها، من إكمال تعليمها، فخلخل تصريف أفعال الزمن (هذا فصل يقوم على لعبة نحوية صرفية). شرّد الأهل وحرق الأكباد، وسجن أرواح المحظيات والعواتق خلف الأسوار، قابعات ينتظرن شرر شهوته، أو رضا منه ليقترننّ، باقيات ملك يمينه، بواحد من خدامه. ومن ثمّ يعاقب بأن يلد إبناً مسخاً (صورة لحكم ممسوخ)، قبل أن ينهي فصله الموت، هازم اللذات. فتتحرر فتاة الجنوب، وينهي حاكم جديد عهد الحريم، ليسدل الستار على ليلة أخرى، "من غير أن ينجلي ليل كأن نجومه بكل مغار الفتل شدّت بيذبل".
لعبة السارد
وبما أن صورة الليل استعارية، طبعاً مستوحاة من ليالي شهرزاد، نبع الحكاية (الرواية)، فإن الكاتب- ومن ثم السارد المتماهي معه إلى حد مقلق (فنيا) ومريب(هوية)- يأبى إلا أن يواصلها. فيصعد طابقاً ثالثاً ويلج شقته في زمنية (حقبة) تمضي ولمّا تكتمل، خلافاً للمستحب في الرواية. ينقل مركز الثقل من القصر والحريم إلى فضاءات أو متاهات معتقلي الرأي لأمس الليلة السابقة، عبر سِير شخصيات عانت وتنقلب في حيوات مكبوحة، مستهترة، تستبيح فيها وتبيع قيم ماضيها، أمست عرضةً لنزوات إروسية خرقاء، وتطلعات سلطوية هوجاء، هي من كانت في موقع أقصى اليسار، وسقطت في العار لمّا قايضت ظلمة السجن والتنكيل، بصكوك الغفران والبنوك ومناصب الهوان.

أمّا شخصية المرأة (الأم نعيمة وابنتها رازان، المثال والرمز) فتبقى محورية لضمان وصل بالقصتين السالفتين. بينما الضمان الأكمل، في عرف الكاتب، ولتوكيد لعبة سارد لا يقبل أن يفلت منه شخص، حسّ، إحساس، أو شيء، هو تحقق وجود ليلة ثالثة، أي ديمومة الظلام.
نزعة شعرية
منذ روايته الأولى، يمخر محمد الأشعري عباب ليل طويل، هو ليلنا المغربي العربي الذي لم يبزغ فجره الحقيقي بعد. وفي ثلاث ليالٍ لن يستطيع الذهاب أبعد، بما أنه اتّبع تحقيباً كرونولوجياً لتوالي لياليه (أزمنته)، فكأنه يهمس متفائلاً: هي ليال نعبرها إلى نهار قادم. لا عجب يجدل الشعر عنده بالنثر، ويخفّف من غلوائه، من خطاب كثيراً ما ظهر مباشراً في إرساليات معلنة، مسددة، طفح كيل مرسلها. فلم يجد بداً منها، فتأتي التسجيلية، والسخرية العارية، والبارودية، والنزعة المقتية 

(cynisme)، لتندرج جزءاً من المشروع الروائي لمرسلها، يعرف كيف يصبّ في نقيعها المرّ قطراتِ زهر، ويرشّ عليها الضوع، يهدهدها بين الأخيلة، الاستبطان والاستيهامات، وبحدّ السكين يغرسها، أيضا، بلغة يانعةً وغنية بالصور والاستعارات والإعجاز. فهو شاعر أولاً، وهذه رواية، يوحي نسجها ومسار حكيها وهوية شخصياتها وفداحة خطبها ورمزية لياليها، أنها ليست مصنوعة لأن تحكي أحداثاً وقعت، ولا أهوالاً اجترحت، إذ حقيقتها أعتى من أي إمكان لتخييلها. وإنما كي لا تقبر في النسيان: صنيع الباشا لكلاوي يدفن عشيقاته بين الجدران، وأسلافه يسجنون القلوب وراء الأسوار، والخائبون يهدرون محصلة كفاحهم، وحتى أوهامهم، في المجون وسلوك ممسوخ، ذروة خسارتهم وانتصار ظلام الليلة الثالثة عليهم. لذلك احتاج هذا العمل إلى العبارة الشعرية، والأطياف المجازية، وتنويع وتبييئ السجلات التعبيرية، لتسكن، أحسب يريد كاتبها أن ليس من طريقة لئلا يذهب التاريخ هباءً إلا بأن نمسك به وبناصية اللغة، بمقود الأدب، وجنس الرواية، إذ تتصالح وهي تؤلف مع الشعر، بؤرة جديدة، وعندئذ فقط، تسكن إلى حضن الأبدية.

arabstoday

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الروائي محمد الأشعري ينجز كتابة روايته الجديدة ثلاث ليال الروائي محمد الأشعري ينجز كتابة روايته الجديدة ثلاث ليال



GMT 06:05 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

إطلاق النسخة الأولى من "بينالي أبوظبي للفن" 15 نوفمبر المقبل

GMT 06:11 2024 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

جولة على أهم المتاحف والمعارض الفنية العالمية والعربية

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 20:00 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار مختلفة لجعل غرفة المعيشة مميَّزة وأكثر راحة
 العرب اليوم - أفكار مختلفة لجعل غرفة المعيشة مميَّزة وأكثر راحة

GMT 18:55 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش اللبناني يعلن مقتل جنديين في ضربة إسرائيلية
 العرب اليوم - الجيش اللبناني يعلن مقتل جنديين في ضربة إسرائيلية

GMT 12:03 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025
 العرب اليوم - روجينا تكشف عن تفاصيل مسلسلها الجديد رمضان 2025

GMT 01:14 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

العنف فى المدارس !

GMT 05:45 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

علاج جيني مُبتكر يعيد السمع والرؤية لمرضى متلازمة آشر 1F

GMT 12:31 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

3 خطوات سهلة لتخفيف التوتر وزيادة السعادة في 10 دقائق فقط

GMT 02:07 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

العُلا... لقطة من القرن الثامن

GMT 08:22 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل جندي إسرائيلي من لواء كفير برصاص قناص شمال قطاع غزة

GMT 07:19 2024 الأحد ,17 تشرين الثاني / نوفمبر

زلزال بقوة 4.7 درجات يضرب أفغانستان في ساعة مبكرة من اليوم

GMT 13:00 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مستوطنون يحتلون مسجداً ويبثون منه أغنيات عبرية

GMT 06:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

بايدن يحذّر من حقبة "تغيير سياسي كبير" بعد فوز ترامب

GMT 13:36 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

"تسلا" تستدعي 2400 شاحنة من "Cybertruck" بسبب مشاكل تقنية

GMT 22:39 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

سقوط قنبلتين ضوئيتين في ساحة منزل نتنياهو

GMT 16:54 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد فهمي ضيف شرف سينما 2024 بـ 3 أفلام
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab