رواد عظام

رواد عظام

رواد عظام

 العرب اليوم -

رواد عظام

مصطفى الفقي

كلما تجولت فى عواصم إحدى المدن الأوروبية وجدت على بعض المبانى لافتات دائرية زرقاء أو خضراء تقول هنا عاش مفكر معين أو مخترع مرموق أو شخصية ذات تأثير فى الفكر الإنسانى أو واحد من أبطال تلك الدولة فى تاريخها المعروف لديها، وأشعر حينها كم نحن مقصرون مع تاريخنا الفكرى والثقافى والاجتماعى، بل متخصصون فى إهانة رموزنا التاريخية دون مبرر، ولقد عكفت طوال حياتى على متابعة التاريخ الفكرى فى الدولة المصرية، واكتشفت أن لدينا مفكرين فريدين من نوعهم وعلماء لا يقلون عن المستوى العالمى فى أرقى الدول وكذلك إصلاحيون مجددون تاهوا فى زوايا التاريخ وأركان النسيان، وليست القضية تاريخية فحسب ولا تراثية أيضًا ولكنها قبل ذلك وبعده هى قضية الإنسان وقيمته والفرد ومكانته، وما أكثر الرواد فى تاريخنا الثقافى وما أكثر قادة الرأى فى تاريخنا الاجتماعى، وما أكثر البطولات فى تاريخنا السياسى! لذلك فإننى ألتمس من القارئ أن يتجول معى عبر النقاط التالية:

أولاً: إن دور الفرد فى صنع التاريخ مؤكد وغير منكور، فأصحاب الاختراعات الكبرى والاكتشافات الرائدة والزعامات الباقية بل كبار المفكرين والمبدعين والفلاسفة هم جميعًا رموز للإنسان الفرد وقدرته على تخطى الحواجز واقتراض عينى «زرقاء اليمامة» كى يستشرف المستقبل ويراه من بعيد، إننا نعترف بأنه لا يوجد من عاش الدهر كله وعاش فى كل مكان، لذلك فإن نسبية المعرفة لدى الإنسان ليست محل خلاف، فقد قال فيه الله سبحانه وتعالى (إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولاً)، ومع ذلك فإن العبقرية الفردية معترف بها فى منعطفاتٍ مسجلة ومناسباتٍ معروفة وحتى الأنبياء هم فى النهاية «بشر»، إننى أقول ذلك لكى أؤكد قيمة «الإنسان الفرد» وقدرته على الصفاء والشفافية ليرى ما لا يراه الآخرون.

ثانيًا: إن تاريخنا العربى الإسلامى وتاريخنا المصرى بتعاقب حضاراته ودياناته حافلٌ بالرواد العظام فى المجالات المختلفة، فإذا تأملنا القرنين الماضيين وحدهما فسنجد الكثيرين منهم، أوليس «قاسم أمين» رائدًا فى تحرير المرأة من منظورٍ وطنى؟ أليس الإمام «محمد عبده» مصلحًا ومجددًا فى الإطار الدينى؟ أوليس «طلعت حرب» مؤسسًا وطنيًا فى إطار اقتصادى؟ إننا نريد أن يدرك الجميع أن تاريخنا حافل برياداتٍ ربما لم تأخذ حقها من التكريم والتقدير ولكنها تظل فى وعينا لا تغيب شمسها أبدًا، دعنا نذهب بعيدًا أليس «أخناتون» هو رائد التوحيد؟ أليس النبى «موسى» الإنسان الفرد هو «كليم الله»؟ أليس «محمد على» ـ بما له وما عليه ـ هو مؤسس «مصر» الحديثة؟ أليس «نابليون» هو من دوّخ «أوروبا» ثم مات محبوسًا فى جزيرة «سانت هيلانا»؟ أليس «جمال عبدالناصر» هو ذلك الزعيم الذى ملأ الدنيا وشغل الناس؟ إن العبقرية الفردية شىء معترف به فى التاريخ الإنسانى كله فكم من فردٍ غيَّر مسار الحياة وترك بصمة كبرى بعده، إن «غاندى» قد طبع اسمه على غلاف كتب التاريخ وكذلك فعل «مانديلا» و«شارل ديجول» وغيرهم من قادة الرأى العظام.

ثالثًا: يجب أن نعترف بأننا نهمل روادنا ونتجاهل أبطالنا وننسى شهداءنا، لقد كان «الجبرتى» محقًا عندما قال (ذاكرة العوام ثلاثة أيام) والشعوب التى تنسى أبطالها هى شعوبٌ ناكرة للجميل منصرفة عن تاريخها غير واعيةٍ بحاضرها ومستقبلها، ألا يخجلنا أن الإسرائيليين يدفعون ثمنًا غاليًا من أجل استرداد رفات أحد قتلاهم، لقد أوقفوا الدنيا على رأسها فى منطقة «الشرق الأوسط» من أجل أسير واحد هو «شاليط» حتى استردوه، ونحن نكتفى بإطلاق أسماء الرواد والشهداء على المدارس والمستشفيات والشوارع، وهو أمر رائع، ولكن الأروع منه أن يستقر ذلك الأمر فى وجدان الأجيال الجديدة.

رابعًا: إن ما نحلم به دائمًا هو أن نرى تاريخ الأفكار فى «مصر» مجسدًا فى شخصيات معينة تستطيع أن تقدم وأن تؤخر وأن تعطى وأن تأخذ فى عملية تبادل حيوى فى فترات التاريخ المختلفة وأحقابه المتعددة وأجياله المتعاقبة. إننى أرى قطيعةً بين مراحل التاريخ المتتالية، حيث لم يعد هناك تواصل إنسانى عميق بين الماضى والحاضر بحيث يمهدان للمستقبل، وتلك هى مشكلتنا الكبرى. إنها مشكلة العقل المصرى الذى جرى تفريغه من محتواه والقضاء على ذاكرته الوطنية وتأصيل النزعة الفردية على حساب النظرة الجماعية والرؤية الشاملة.

.. تحية لرواد الإنسانية العظام واحترامًا لأبطالنا عبر التاريخ كله وتقديرًا لكل من أسهم فى دفع الإنسانية للأمام بدءًا من مخترع «العجلة»، مرورًا بمخترع «الطباعة»، وصولاً إلى مخترع «الكهرباء»، تحيةً للمبدعين والمفكرين والعلماء، تحيةً للقادة والأبطال والشهداء!

 

arabstoday

GMT 06:14 2024 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

الرحلةُ المقدسة.. عيدًا مصريًّا

GMT 06:11 2024 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

نجوى فؤاد وحديث الشيخ الشعراوى!!

GMT 06:09 2024 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

العكس هو الصحيح

GMT 06:07 2024 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

ليست «أوبر» وحدها

GMT 06:05 2024 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

نظريات ومراهم للتسلخات!

GMT 00:43 2024 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

أول من استعاد الأرض

GMT 00:43 2024 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

هواء نقيٌّ بين النجف والرياض

GMT 00:14 2024 الإثنين ,03 حزيران / يونيو

غزة بين بصمات أميركا وإيران

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رواد عظام رواد عظام



الأميرة رجوة تتألق بفستان أحمر في أول صورة رسمية لحملها

عمان ـ العرب اليوم

GMT 18:07 2024 السبت ,01 حزيران / يونيو

الدول العربية وسطاء أم شركاء؟

GMT 12:00 2024 السبت ,01 حزيران / يونيو

رحيل الممثلة الروسية أناستاسيا زافوروتنيوك

GMT 07:13 2024 السبت ,01 حزيران / يونيو

زلزال بقوة 5.9 درجات يضرب جنوب غربي الصين

GMT 00:52 2024 الأحد ,02 حزيران / يونيو

إنقاذ غزة مهمةٌ تاريخيةٌ

GMT 00:59 2024 الأحد ,02 حزيران / يونيو

كأنّ العراق يتأسّس من صفر ولا يتأسّس

GMT 00:10 2024 الأحد ,02 حزيران / يونيو

الفيضانات تجتاح جنوب ألمانيا

GMT 08:09 2024 الأحد ,02 حزيران / يونيو

افتتاح أول خط طيران عراقي سعودي مباشر

GMT 08:21 2024 الأحد ,02 حزيران / يونيو

عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab