ثقافة الاعتذار فى العلاقات الدولية

ثقافة الاعتذار فى العلاقات الدولية

ثقافة الاعتذار فى العلاقات الدولية

 العرب اليوم -

ثقافة الاعتذار فى العلاقات الدولية

مصطفي الفقي

لاتبدو « ثقافة الاعتذار » أصيلة فى تقاليدنا الفكرية ولا عاداتنا الشرقية بل إننا نرى فيها غالباًـ نحن العرب- نوعاً من الضعف والمساس بالكرامة حتى قال بعض الحكماء (اربأ بنفسك عن مواطن الاعتذار) ولعلنا نختلف مع هذا النمط الفكرى والأخلاقى لنؤكد أن الاعتذار عند الخطأ فضيلة رفيعة تدل على الصدق مع النفس والشفافية فى التعامل والقدرة الواضحة على مراجعة الأقوال والأفعال، ولقد تميزت شعوب بذاتها باعتناق فلسفة «الاعتذار» عند اللزوم وجعلت منها أسلوباً أخلاقياً جماعياً يبدأ من الملوك والرؤساء وينتهى عند عامة الشعب، ذلك أن الاعتذار عن الجرائم الدولية والأخطاء السياسية أمر وارد ولعلنا نسوق الأمثلة الثلاثة التالية:

أولاً: لقد تميز «اليابانيون» بفضيلة الاعتذار والقدرة العلنية على مراجعة المواقف والتصرفات، وربما كان ذلك جزءاً من فلسفات «الشرق القديم» وآدابه وأفكاره، فلقد اعتذر «اليابانيون» عن موقعة «بيرل هاربر» بينما لم يعتذر «الأمريكيون» عن جريمة «هيروشيما ونجازاكى» ذلك أن الغطرسة الغربية والاستعلاء الأمريكى والإحساس المفرط بالقوة تجعلهم أبعد ما يكونون عن التراجع فى المواقف أو إبداء الندم عليها، لأن مثل هذه الأمور تحتاج إلى عمق تاريخى وتراث إنسانى قد لا تقوى عليه دولٌ حديثة فى عمر الزمان كررت أخطاءها بدءاً من ضرب «اليابان» بالسلاح الذرى الجديد، مروراً بالحرب «الكورية» والمأساة «الفيتنامية» والتورط فى «أفغانستان» والخطيئة الكبرى فى «العراق»، ولكنك لا تسمع عن محاولة للمراجعة أو تعبيراً عن الاعتذار! إنه صلف السيطرة وتلك هى روح الهيمنة!

ثانيًا: لقد ارتكب الغرب الاستعمارى جرائم فادحة فى بلادنا، فنحن لا ننسى ممارسات الاحتلال البريطانى على أرضنا، ولقد دعتنى كلية الدراسات الشرقية والعربية بجامعة «لندن»ـ التى حصلت منها على الدكتوراه عام 1977ـ للمشاركة فى ندوة كبيرة عام 2006 بمناسبة مضى نصف قرن على «حرب السويس»، وألقيت محاضرة فى جلستها الافتتاحية بحضور عدد من الشخصيات المرموقة من دول الشرق الأوسط و«بريطانيا»، ولعلى أذكر هنا أنه كان من بين الحاضرين وزير الخارجية المصرى الراحل «أحمد ماهر»، وقد طالبت يومها علناً بضرورة تقدم «المملكة المتحدة» باعتذار رسمى «لمصر» عن جرائم «فترة الاحتلال»، وقد اخترت حدثين يقبعان فى الذاكرة المصرية، الأول هو «حادث دنشواى» عندما جرى نصب المشانق فى القرية لإعدام الأبرياء أمام أهلهم وذويهم، أما الجريمة الثانية فهى مؤامرة السويس عام 1956 التى أدت إلى «العدوان الثلاثى» على «مصر»، وأبرزت بسالة المصريين فى «بورسعيد» على نحو دشّن زعامة «عبدالناصر» وكشفت أن الروح الاستعمارية كانت لا تزال موجودة وإن كانت «حرب السويس» هى آخر مسمار فى نعشها، ولقد ذكرت فى كلمتى أن «إيطاليا» قد قدمت اعتذاراً شكلياً «للقذافى» عن جرائمها فى «ليبيا» خصوصاً ذلك التصرف البشع الذى مارسه الاحتلال الإيطالى بإنهاء حياة زعيم المقاومة المناضل «عمر المختار»، وقلت يومها إذا كان «الإيطاليون» يفعلون ذلك ليشتروا صمت «القذافى» ويأمنوا شروره، فإن على «البريطانيين» أن يفكروا بطريقة مختلفة ليفتحوا صفحة جديدة مع «مصر الحديثة» يجرى فيها تنظيف الذاكرة وتعزيز التعاون بين البلدين.

ثالثًا: إن العربدة الإسرائيلية فى العقود الأخيرة لم تمارس الاعتذار «لمصر» إلا مرة واحدة، عندما قتلت بعض جنودها عن طريق الخطأـ كما قالواـ ويومها نجح رئيس المخابرات المصرية اللواء «مراد موافى» فى انتزاع ذلك الاعتذار الإسرائيلى الذى يمثل سابقة قد لا تكون قابلة للتكرار، إذ تواصل «إسرائيل» الدولة العنصرية العدوانية سياستها التى تتمتع فيها بغياب المساءلة أو الإدانة وكأنما هى خارج إطار الشرعية الدولية بفعل حق «الفيتو» الذى تستخدمه «الولايات المتحدة» وحلفاؤها لتدليل الدولة «العبرية» وقهر خصومها!

.. إن ثقافة الاعتذار هى تعبير عن الرقى الإنسانى والسمو البشرى ومؤشرٌ لنبل الأخلاق وصرامة القيم، ولا أدرى أين هى الآن فى حياتنا السياسية أو تقاليدنا الفكرية؟!.. إنها الفضيلة الغائبة فى زحام الأخطاء وفوضى الجرائم وإطار الانفلات الذى تشهده حياتنا على نحو لم نعهده فى تاريخنا كله!

arabstoday

GMT 19:33 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

لا لتعريب الطب

GMT 19:29 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

اللبنانيون واستقبال الجديد

GMT 14:05 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

شاعر الإسلام

GMT 14:02 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

الإرهاب الأخضر أو «الخمير الخضر»

GMT 14:00 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

أخطر سلاح في حرب السودان!

GMT 13:56 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

حذارِ تفويت الفرصة وكسر آمال اللبنانيين!

GMT 13:55 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

أين مقبرة كليوبترا ومارك أنطوني؟

GMT 13:52 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

نفط ليبيا في مهب النهب والإهدار

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ثقافة الاعتذار فى العلاقات الدولية ثقافة الاعتذار فى العلاقات الدولية



أحلام بإطلالات ناعمة وراقية في المملكة العربية السعودية

الرياض ـ العرب اليوم

GMT 17:14 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

عاصفة ثلجية مفاجئة تضرب الولايات المتحدة

GMT 11:55 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

مصر والعرب في دافوس

GMT 11:49 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

ليل الشتاء

GMT 17:05 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

مانشستر سيتي يوافق على انتقال كايل ووكر الى ميلان الإيطالى

GMT 17:07 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

كاف يحدد مكان وتوقيت إقامة قرعة كأس أمم إفريقيا 2025

GMT 03:19 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

القوات الإسرائيلية تجبر فلسطينيين على مغادرة جنين

GMT 17:06 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

بوروسيا دورتموند يعلن رسميًا إقالة نورى شاهين

GMT 17:04 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

شهيد و4 إصابات برصاص الاحتلال في رفح الفلسطينية

GMT 17:10 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

ارتفاع حصيلة عدوان إسرائيل على غزة لـ47 ألفا و161 شهيداً

GMT 09:58 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

أنغام تثير الجدل بتصريحاتها عن "صوت مصر" والزواج والاكتئاب

GMT 09:48 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

منة شلبي تواصل نشاطها السينمائي أمام نجم جديد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab