الإنسان والحيوان

الإنسان والحيوان

الإنسان والحيوان

 العرب اليوم -

الإنسان والحيوان

مصطفي الفقي

مشغول أنا منذ الطفولة بالعلاقة بين الإنسان والحيوان، وأرى أوجه التشابه بينهما، فكلاهما يأكل ويشرب ويعيش عمرًا موقوتًا ويموت عند متوسط أعمار معينة وفقًا لفصيلة الحيوان وصحة الإنسان، ويؤلمنى كل عام مشهد «الذبائح» فى الشوارع والدماء فى مكان خلال الاحتفال بعيد الأضحى، وأرى أن حضور «الأطفال» مشهد «الذبح» هو جريمة نفسية رغم أن البعض يراها مظهرًا دينيًا يتعلم منه الصغار طقوس «ذبح الأضحية» فداءً لابن «إبراهيم» أبى الأنبياء عليهم السلام، ويؤلمنى كثيرًا أن «الأطفال» قد يتعلقون بـ«الخروف» ويتعايشون معه أيامًا أو أسابيع ثم يشهدون مصرعه ويأكلون لحمه! لذلك فرحت بفكرة «صكوك الأضاحى» وكفى الله البيوت شر الدماء ومع ذلك فإن بعض علماء الدين يرون أن ممارسة «ذبح الأضحية» هى طقس دينى مطلوب، والعلاقة بين الإنسان والحيوان علاقة تستحق التأمل، فالمغرمون بتربية «الكلاب» أو الذين تكون هواياتهم رعاية «القطط» يدركون ذكاء تلك الحيوانات الأليفة، فوفاء «الكلب» لا نظير له كما أن هدوء «القط» هو مشهد فلسفى يحتاج إلى دراسة، وأتصور أحيانًا أن نظرية «تناسخ الأرواح» فى دورة مستمرة بين الإنسان والحيوان يمكن أن تجعلنا ذات يوم أمام مشهد عبثى يتحول فيه الإنسان إلى حيوان أو يتحول الحيوان إلى إنسان، فالأرواح تتقمص الأجساد من بين كائنات الله بلا تفرقة إذ يمكن أن يتحول البشر إلى حيوانات أو زواحف أو طيور أو حشرات، وعندما أكتشف أننى من مواليد «برج العقرب» لا أجد بينى وبين «العقرب» صفات مشتركة وإنما أكتشف أن برجى فى «التقويم الصينى» هو «القرد» عندئذ أزداد دهشة ومع ذلك فإننى لا أستبعد مفهوم دورة التناسخ بين الإنسان والحيوان فى حياتنا على الأرض، ولقد علمتنى حياتى لأربع سنوات فى «الهند» – بلد العجائب والغرائب والفلسفات والديانات – أن المسافة بين الإنسان والحيوان ليست بهذا الاتساع الذى نراه فى بلادنا فالتعايش المشترك هناك يعطيك إحساسًا بالتقارب الروحى والاندماج النفسى بين الإنسان والحيوان فأنا أعترف أن العلاقة بين «الفلاح المصرى» و«حماره» علاقة وثيقة ولكنها لا ترقى إلى ما شاهدته فى «الهند» من تقديس لـ«الأبقار» واحترام لكافة الكائنات بلا استثناء، فلقد رأيت الخادمة الهندية تمد يدها لـ«الفأر» الصغير فيقف على راحة كفها يلعق يدها فى سكينة وهدوء ثم ينصرف إلى جحره هادئًا غير مذعور أو خائف، وذات يوم جاءنى بائع «الفضيات» الهندى إلى المنزل- وهى عادة معروفة فى «الهند» أن يأتى الباعة إلى البيوت بالسجاجيد والمفارش والمصنوعات الخشبية والأوانى المعدنية- وجلست فى حديقة المنزل أنا وزوجتى وابنتيّ والسيد «جين» يعرض علينا بعض منتجاته الفضية، وكلما مرت حشرة «النمل» الكبير «حرامى الحلة» تقدمت بقدمى ودست عليها فى الجزء «المبلط» من الحديقة فإذا بالرجل يشرع فى ضب أواعيه وتجميع منتجاته وهو ينظر إليّ شزرًا حيث فاجأنى بقوله: إنك قاتل فقلت له: كيف؟ فقال: إنك تدوس الحشرة دون مبرر منذ جلسنا فقلت له: إنها حشرة ضارة ومؤذية، فقال لى: ليس ذلك صحيحًا فكل أنواع الحيوان والزواحف والطير والحشرات لا تهاجم الإنسان إلا إذا بدأ بالعدوان عليها أو بادر باستفزازها وأضاف قائلًا أنه يذهب إلى «القلعة الحمراء» فى «دلهى القديمة» ليلة كل أسبوع يقضيها بين ما يزيد على خمسين «ثعبانًا سامًا» دون أن يمسه ضرر فهى تلتف حوله وتعيش معه وذلك من- وجهة نظره- نوع من التعبد والتقرب إلى الله خالق كل الكائنات من أعلاها إلى أدناها، ولقد لاحظت أنه يضع «كمامة» على فمه وعندما سألته عن سبب ذلك قال لى: حتى لا تؤذى أنفاسى حشرة صغيرة تطير فى الجو، وذات مساء كان أحد «الأبراص» الصغيرة يزحف على الحائط وذلك منظر مألوف فى البيوت الهندية ولكن ابنتيّ الصغيرتين شعرتا بالخوف فقلت لـ«البهادور» – حارس المنزل – حاول أن تقتل هذا «البرص» الذى يسبب ذعرًا للطفلتين، ولكنه قال لى: لن أفعل ذلك فهذا «البرص» الصغير يكاد عمره أن يكون أسبوعين ووالدى مات منذ أسبوعين وقد تكون روحه قد سكنت فى هذا «البرص» الوليد فلن يمسه أحد أمامى بشر أبدًا وذلك تطبيقًا منه لنظرية «تناسخ الأرواح» وانتقالها من الإنسان إلى الحيوان أو العكس، ولقد صدر لى مؤخرًا كتاب عن «الهيئة العامة للكتاب» يحمل عنوانًا هو «فلسفة الكون وتوازن الوجود» ذكرت فيه أنه لا يوجد فى تاريخ المعمورة كائنات بلا جدوى – حتى ما اندثر منها – فكل ميسر لما خلق له، فحتى الحيوانات المفترسة والزواحف السامة والحشرات الضارة هى جزء لا يتجزأ من «التوازن البيولوجي» للحياة حتى ولو اختفى منها «التوازن الأيديولوجي»! كما أن النفس البشرية لأرقى المخلوقات وما تملكه من عقل إنسانى منحة غالية من الله هما أشد تعقيدًا آلاف المرات من أكثر أجهزة «الكمبيوتر» تقدمًا ورقيًا، فأسرار الحياة وألغازها تخفى على الجميع (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربى، وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) ولقد لاحظت فى بعض أطراف «الهند» و«جبال كشمير» و«مرتفعات نيبال» أن أصوات البشر هناك وأغانيهم وأهازيجهم تشبه صيحات الحيوان فى البرارى و«زئير الأسود» فى الغابات، فالتقارب بين الإنسان والحيوان هو قضية أساسية حاكمة فى نظرية البقاء والارتقاء، والإنسان يأكل الحيوان والنبات، والحيوان يأكل الحيوان والنبات أيضًا، والنبات يعيش على التربة والهواء والماء، وصدق الخالق فى علاه إذ يقول (وجعلنا من الماء كل شىء حى)..

إننا نريد أن نقول فى النهاية إنه لا توجد خطوط فاصلة بين الإنسان والحيوان كما نتوهم ولكنها فقط المنحة الإلهية بالعقل الذى اختص به الإنسان فساد الأكوان وقهر الطبيعة وسخر الحيوان!

arabstoday

GMT 07:03 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

صوت الذهب... وعقود الأدب

GMT 07:02 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أولويات ترمب الخارجية تتقدّمها القضية الفلسطينية!

GMT 07:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

التسمم بالرصاص وانخفاض ذكاء الطفل

GMT 06:59 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

عن تكريم الأستاذ الغُنيم خواطر أخرى

GMT 06:56 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجائزة الكبرى المأمولة

GMT 06:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

تنظيم «الإخوان» ومعادلة «الحرية أو الطوفان»

GMT 06:52 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

لأميركا وجهان... وهذا وجهها المضيء

GMT 06:51 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أنا «ماشي» أنا!.. كيف تسلل إلى المهرجان العريق؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإنسان والحيوان الإنسان والحيوان



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 06:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

1000 يوم.. ومازالت الغرابة مستمرة

GMT 09:46 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:49 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروبي يؤجل عودة برشلونة إلى ملعب كامب نو

GMT 14:52 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئاسة الفلسطينية تعلّق على "إنشاء منطقة عازلة" في شمال غزة

GMT 06:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجيش الإسرائيلي يصدر تحذيرا لـ3 مناطق في جنوب لبنان

GMT 12:26 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الجنائية الدولية تصدر مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت

GMT 13:22 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الإيراني يناشد البابا فرانسيس التدخل لوقف الحرب

GMT 13:29 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

رئيس دولة الإمارات وعاهل الأردن يبحثان العلاقات الثنائية

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab