السودان المختلف عليه

السودان المختلف عليه!

السودان المختلف عليه!

 العرب اليوم -

السودان المختلف عليه

بقلم - مصطفي الفقي

لا تذكر كلمة السودان إلا وأصابتنى غصة مع بعض الشعور بالذنب الذى تشترك فيه إفريقيا والعالمان العربى والإسلامى تجاه تلك الدولة العربية الكبيرة التى تعتبر واسطة العقد فى الارتباط بين الجنوب والشمال فى القارة الإفريقية، ولقد ظل الأمر كذلك لسنوات طويلة تكونت فيها عقدة لدى الأشقاء السودانيين بأن مصر لديها أخلاق الفاتح وصفات الشريك، وظن الكثيرون أن السودان يمكن أن يتصرف وحده وإن ابتعد عن الشمال بكل ما يرمز إليه تاريخيًا وجغرافيًا، ولكننا اكتشفنا فى السنوات الأخيرة أن السودان هو ذلك الشعب الطيب الذى لا يضمر كراهية لأحد ولا يقتات على مكانة الآخرين بل هو شعب أبى اختار دائمًا أن يكون واسطة العقد ومركز الثقل فى الوقت نفسه، ولقد عرفنا عبر تاريخ المنطقة كلها طبيعة الأسافين التى دقها الاحتلال البريطانى فى ضمير الدولة السودانية وعلاقتها التاريخية بالشطر الشمالى حتى أصبحت العلاقات المصرية السودانية فى بعض الفترات مسألة جدلية بين شطرى الوادى بعدما كانت لعقودٍ طويلة راسخة الأقدام تتميز بالثبات والاستقرار رغم كل العوامل الخارجية ذات الطابع السلبى التى كانت تؤثر عليها وفى مقدمتها الاحتلال البريطانى وآثاره المدمرة على الأواصر الوثيقة بين الشطر السودانى والمصرى، ولقد حرصت الأحزاب السياسية المصرية على التمسك بوحدة وادى النيل وكانت واحدة من المبادئ الكبرى التى تعتمد عليها السياسة الخارجية لتلك الأحزاب، ولعلنا نتذكر مقولة النحاس باشا الزعيم الصلب لحزب الوفد عندما قال: (تقطع يدى ولا أوقع على ما يؤدى إلى انفصال السودان)، وظل الاسم المصرى لملك مصر أنه (ملك مصر والسودان) معًا، وبقيام ثورة يوليو 1952 تغيّر المزاج العام للعلاقة بين الدولتين حتى إن داعية الاتحاد إسماعيل الأزهرى وحزبه قد انتقلا من خانة دعم شعار وحدة وادى النيل إلى شعار السودان المستقل، منفصلاً عن شمال الوادى بعد طول اندماج، ولقد تعزز ذلك الأمر بأن أطل العصر الناصرى على المنطقة وكان عروبيًا أكثر منه إفريقيًا، علمًا بأنه لا خطيئة بين البعدين ولا تعارض، فمصر والسودان يحمل كل منهما فى هويته هذين العاملين معًا، ولقد دارت الأيام وتدفقت المياه فى النهر وجاء وقت على العلاقات المصرية السودانية لكى تصل إلى مرحلة حرجة هى تلك التالية لمحاولة اغتيال الرئيس الراحل مبارك فى أديس أبابا عام 1995 والتى أشارت فيها أصابع الاتهام إلى القيادة السودانية حينذاك، ولقد حاول المثقفون المصريون والسودانيون بذل الجهود المخلصة للتقريب بين الشباب فى الدولتين وإحياء روح الانتماء، ولكن الأمور لم تأت كما كان متوقعًا لأن نظام الرئيس السابق عمر البشير ظل معاديًا لمصر متربصًا للعلاقات بين الدولتين، وأنا هنا لا أتحدث من منطلق شخصى إذ تحفظ سودان البشير على ترشحى الرسمى لمنصب أمين عام جامعة الدول العربية، لذلك ظلت فصول كثيرة فى العلاقات مسكوتًا عنها وغير متفق عليها، وأطلت الحساسيات التاريخية برأسها على العلاقات الأزلية التى ربطت بين البلدين التوأم، وأصبحنا أمام حالة تتأرجح فيها العلاقات بين القاهرة والخرطوم بشكل ملحوظ، خصوصًا بعدما تدخلت دول أخرى وأنظمة مختلفة فى المشهد، واستهدفت دولٌ عربية وغير عربية الموقع الإستراتيجى للسودان وثرواته الهائلة فى محاولة لإبعاد مصر عن مجالها الحيوى مثلما هى الأخرى مجال حيوى للسودان، ولقد وصل الأمر بالحكومة السودانية فى عهد عمر البشير إلى اللجوء لمجلس الأمن حول أزمة حدودية مصطنعة فى مثلث حلايب وشلاتين وتذرعت حينها القاهرة بالصبر الطويل خصوصًا بعدما أبلغت أن هناك أساليب تآمرية لضرب العلاقة بين مصر والسودان، وقد تبدلت المشاهد واختفت من الساحة القوى السياسية التى كانت داعمة لشعار وحدة وادى النيل وساعية نحو التكامل بين البلدين، كما خضع السودانيون فى الوقت نفسه لبعض الحكومات التى كانت تملك نظرة سلبية للعلاقات التاريخية مع مصر منذ استقلال السودان وأنظمة عبدالله خليل وإبراهيم عبود وصولاً إلى العصر الذهبى فى العلاقات بين القاهرة والخرطوم وأعنى بها سنوات حكم جعفر النميرى الذى لم تكن تحكمه حساسيات مريرة تجاه القاهرة مثل غيره من سابقيه ولاحقيه.

إن ملف العلاقات المصرية ـ السودانية يضم فصولاً بعضها مضىء، وبعضها الآخر تغلبت عليه إرادة الشعوب، والشعب السودانى الطيب يدفع اليوم ثمن فاتورة قديمة من علاقات متأرجحة مع الجارة الشقيقة مصر، وسوف يظل أمر العلاقات المصرية ـ السودانية قضية حاكمة لكل من الخرطوم والقاهرة خصوصًا فى ظل تلك الظروف المؤلمة التى يمر بها السودان الشقيق الذى تحيط به الأطماع من كل جانب وتستهدف وحدته الإقليمية وتقسيم أرضيته الوطنية والعبث بمقدراته الضخمة وهو أمر يؤرق جميع الأطراف، بل إننى أختتم هذه السطور قائلاً: إن ما يجرى فى السودان لا يستهدف ذلك البلد وحده ولكنه يستهدف قبل ذلك مصر التى تتأثر حدودها الجنوبية بالدولة التوأم فى وادى النيل وأعنى بها السودان الشقيق.

arabstoday

GMT 05:18 2024 السبت ,27 تموز / يوليو

أمة الرواد والمشردين

GMT 05:16 2024 السبت ,27 تموز / يوليو

يوليو جمال عبد الناصر وأنور السادات

GMT 05:15 2024 السبت ,27 تموز / يوليو

المسلمون والإسلاميون في الغرب

GMT 05:13 2024 السبت ,27 تموز / يوليو

في مدح الكرم

GMT 05:12 2024 السبت ,27 تموز / يوليو

إنها أزمة مصطلحات!

GMT 05:10 2024 السبت ,27 تموز / يوليو

أميركا واختبار «الديمقراطية الجندرية»

GMT 04:33 2024 السبت ,27 تموز / يوليو

لبنان بين حربي 2006 و2024

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السودان المختلف عليه السودان المختلف عليه



ميريام فارس بإطلالات شاطئية عصرية وأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 16:07 2024 الجمعة ,26 تموز / يوليو

غارة إسرائيلية على أطراف بلدة مركبا فى لبنان

GMT 16:01 2024 الجمعة ,26 تموز / يوليو

ارتفاع التضخم في أمريكا خلال يونيو الماضي

GMT 13:19 2024 الجمعة ,26 تموز / يوليو

محمد ممدوح يكشف عن مهنته قبل التمثيل

GMT 13:16 2024 الجمعة ,26 تموز / يوليو

عمرو سعد يكشف تفاصيل عودته الى السينما
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab