بقلم - مصطفى الفقي
أكتب اليوم عن واحدة من المدارس المهنية المصرية التى نعتز بها ونفاخر بوجودها، وأعنى بها مدرسة الطب التى نبغت فيها قوافل عديدة من الأساتذة العظام، نتذكر منهم أمثال مجدى يعقوب بالطبع والذين سبقوه من على باشا إبراهيم، وعبد الوهاب مورو، ومحمد أحمد سليمان، وأبو ذكرى، ونجيب باشا محفوظ، وإبراهيم بدران، وأنور المفتى، ومحمد أبو الغار، ومحمد غنيم، ومحمد كامل حسين، وأساطين الجراحة الحديثة من أمثال أسامة سليمان وراضى سعد، وأتذكر اليوم تحديدًا طبيبًا مصريًا مرموقًا فى أمراض القلب وجراحاته وأعنى به الدكتور حمدى السيد الذى تبوأ منصب نقيب الأطباء لسنوات طويلة وانشغل بالعمل السياسى والنقابى فى البرلمان المصرى لعقدين من الزمان، وما زلت أتذكر ظروف ترشيحه نقيبًا للأطباء، فقد تردد وقتها أن دكتور إبراهيم بدران أستاذ الطب الزاهد يتطلع إلى الموقع وأن الرئيس الراحل مبارك متحمس له، ولم يكن ذلك الأستاذ الجامعى إبراهيم بدران ولا الرئيس الراحل مهتمين بذلك الموقع، خصوصًا أن دكتور بدران حاز بعلمه ومكانته المواقع الثلاث الكبرى وهى رئاسة الجامعة، ووزارة الصحة، وإدارة أكاديمية البحث العلمى، وعندما ترشح الدكتور حمدى السيد لموقع نقيب الأطباء تحمس له جمهرة كبيرة من أبناء المهنة وفى مقدمتهم الدكتور إبراهيم بدران؛ تقديرًا لعلمه وشجاعته فى إبداء الرأى فضلًا عن خدماته للطبيب المصرى فى كافة مراحل حياته، فالدكتور حمدى السيد معروف بطلاقة اللسان والقدرة على التعبير عما يريده، فضلًا عن التميز المهنى والتفوق فى ميدان جراحة القلب، ولقد بهرنى كثيرًا موقفه من الدكتور إسماعيل سلام وهو أستاذ طب بارع أيضًا أبلى فى وزارة الصحة الكثير،
ورغم أنه أحدث من الدكتور حمدى السيد بسنوات إلا أن نقيب الأطباء تعامل معه بالاحترام اللازم رغم أنه هو الذى أغراه بالعودة من الكويت والصعود فى مراتب الشؤون الطبية والعلاجية فى بلده مصر، وأنا شخصيًا أعرف الدكتور إسماعيل سلام جيدًا وقد زاملته فى منظمة الشباب وأعرف قدراته المتميزة وإنجازاته المعروفة، فتبدو القيمة الأخلاقية للدكتور حمدى السيد فى تعامله مع الوزير إسماعيل سلام بكل إخلاص وموضوعية، ويبدو لى أنه كان قانعًا بمنصب النقيب غير متطلع لمنصب الوزير. وإذ يمخر الرجل فى عباب التسعينيات من العمر لا يزال متقد الذهن قوى الذاكرة يتابع الأحداث من منزله ويبدى رأيه فى القضايا الصحية والشؤون العلاجية مع متابعة للأوضاع النقابية التى استهلكت جزءًا كبيرًا من حياته الزاخرة، وقد جمعتنى به زمالة البرلمان المصرى لسنوات طويلة، ورأيت فيه خطيبًا بارعًا يخطف الأسماع والأبصار مع القدرة على المواجهة دون تردد مع اقتحام القضايا المسكوت عنها وشن حرب ضروس على العادات الصحية البالية والأفكار التى لا تتماشى مع الطب الحديث والتطورات الضخمة التى طرأت عليه، فضلًا عن ولائه الشديد لأبناء مهنته والحرص على مصالحهم وعدم التفريط فى كرامتهم مقترنًا برغبة شديدة فى الارتقاء بالمهنة التى برع فيها المصريون منذ عصر الفراعنة وتمكن منها العرب المسلمون فى عصور ازدهار دولة الخلافة، وما زلت أتذكر عندما تقدمت للالتحاق بدراسة الدكتوراه فى جامعة لندن عام 1971 أنه تم استدعاء كل المتقدمين الأجانب فى كافة التخصصات ليمثلوا أمام لجنة الاختبار فى اللغة الإنجليزية أولًا ثم فى مادة التخصص ثانيًا، وفوجئت برئيس اللجان يعلن للأطباء المصريين المتقدمين معنا بأنهم معفون من اختبار المادة العلمية لأنهم يقفون مع الأطباء الإنجليز على قدم المساواة، ويكفى اختبارهم فقط فى اللغة الإنجليزية، بينما يحتاج الطالب الهندى المتقدم للدراسات العليا إلى اختبار فى المادة العلمية لأنه كان حينذاك أقل فى المستوى من الطبيبين البريطانى والمصرى، ولكن يتم إعفاؤه فقط من اختبار اللغة الإنجليزية باعتبارها اللغة السائدة فى الهند، وكان ذلك اعترافًا ضمنيًا بتميز الطبيب المصرى عند المفاضلة بين أقرانه فى الدول الأخرى، ولا بد أن أتذكر للدكتور حمدى السيد مواقفه الرائعة فى مواجهة مرض إنفلونزا الطيور وقيادته لحملات ضد التدخين، فقد كان الرجل دائمًا وطنيًا مخلصًا، ومهنيًا شريفًا، وبرلمانيًا متمرسًا.. أمد الله فى عمره حتى يشهد نتائج جهوده هو والجيل العظيم الذى ينتمى إليه.