سؤال الهوية

سؤال الهوية

سؤال الهوية

 العرب اليوم -

سؤال الهوية

بقلم - مصطفي الفقي

يطفو على السطح فى أوساط المثقفين والمفكرين فى مصر بل فى بعض الدول العربية الأخرى سؤال حول الهوية المصرية وأين تقع بين الأعمدة المتعددة للبناء الحضارى لتلك الدولة العريقة؟ ويزداد السؤال إلحاحًا كلما تعرض أحد عناصر تلك الهوية لهزات عنيفة سواءً كانت عربية بالنسبة للقضية الفلسطينية والصراع العربى - الإسرائيلى أو كانت إسلامية مثلما هو الأمر بالنسبة لقضايا القدس والأقصى والإسلاموفوبيا، ثم تتردد مرة أخرى على المستوى المصرى الإفريقى عندما نتحدث عن سد النهضة وتداعيات إنشائه وملابسات إقامته لذلك فإنه يحسن أن نطرح السؤال حتى نجيب عليه بقدر ما يتاح لنا من اجتهاد فى التفكير ورؤية للمستقبل، فالدولة المصرية فى ظنى هى سبيكة منسجمة من شرائح تاريخية ورقائق حضارية عرفها التاريخ وساندته الجغرافيا اندمجت كلها بشكل متجانس لا نكاد نجد له نظيرًا فى كثير من شعوب الكوكب، وحتى افتعال التقسيم الوهمى بين مسلمين ومسيحيين فى مصر لم يحقق نتيجة ترضى أصحابها بل ظلت الأحداث الطائفية محدودة لا تعبر عن تيار عام فى أيٍ من الجانبين حتى إن عروبة الأقباط لم تعد مجال تساؤل، فقد حسمت منذ عقود طويلة عندما زار مكرم عبيد (باشا) سكرتير عام الوفد حزب الأغلبية مدن الشام الكبرى فى سوريا ولبنان وألقى خطبًا شدت الانتباه بفصاحة لسانه ووضوح رؤيته ليؤكد أن الأقباط جزء من نسيج المنطقة العربية شأنهم شأن مسيحيى الشام الذين كانوا حملة لواء القومية العربية، وقد كان استقبال خطب مكرم (باشا) عبيد نقطة تحول فى توصيف عروبة الأقباط إلى أن جاء البابا قوى الشكيمة غزير المعرفة شنودة الثالث الذى احتفلنا بمئوية ميلاده هذا العام ليكرس بقوة عروبة الأقباط ويتخذ موقفًا من إسرائيل لا تباريه فيه مؤسسات دينية أخرى فلقد كان ذلك البابا الراحل ضابطًا احتياطيًا وصحفيًا وكاتبًا وشاعرًا عرك الحياة السياسية والحزبية قبل أن يدخل فى سلك الرهبنة، ومنذ ذلك الحين والكنيسة القبطية المصرية رقم صعب بين مفردات القضية العربية الأولى وأعنى بها القضية الفلسطينية، لذلك فإن البعد العربى لم يعد محل تساؤل وإن كانت الأحداث الدامية التى تجرى على أرض فلسطين والتضحيات الكبيرة التى يدفعها ذلك الشعب المناضل تثير بين حين وآخر مخاوف مصرية كامنة من مزيد من التورط فى هذه القضية التى تبدو قضية مصرية مصيرية وليست مجرد قضية قومية عربية، لذلك دفعت مصر - الملكية والجمهورية - ثمنًا غاليًا لمواجهة ذلك الصراع الذى امتد عبر قرن كامل حتى الآن، وأنا لست من دعاة الحرب ولا من راغبى الصدام الدائم مع إسرائيل ولكنى ألفت النظر إلى أن المسئولية الأولى تقع عليها بالدرجة الأولى فهى لا تريد الحل إلا بالقهر، ولا تريد السلام إلا بالسيطرة، ولا تريد الوجود فى المنطقة إلا بالعنصرية والطغيان، لذلك فإن الموقف المصرى من تطورات الصراع هو موقف متعقل رغم الانحياز العاطفى الكامل ضد المقهورين فى بلادهم والمحتلة أراضيهم، إننى أثير قضية الهوية فى هذه الظروف لكى ألح على الانتماء الجغرافى والتاريخى والثقافى الذى يتجسد حاليًا فى أن مصر جزء من أمتها العربية وأن القضية الفلسطينية هى القضية الأولى للعرب فى العصر الحديث وأضيف إلى ذلك أن هذه القضية المركزية تكاد تلح على العقل المصرى بحيث تصبح قضية مصرية أيضًا، ويكفى أن نتذكر تضحيات المصريين عبر العقود الأخيرة حربًا وسلامًا من أجل استعادة الحقوق السليبة لواحد من أبسل شعوب الأرض وأعنى به الشعب الفلسطينى، كما أن القضية الفلسطينية ذات أبعاد متعددة الجوانب فهى قضية سياسية بالدرجة الأولى وتحت مظلة قومية شاملة تجمع فى إطارها العالمين العربى والإسلامى بالإضافة إلى تعاطف إفريقى مع الشعب الفلسطينى الذى يسعى إلى تقرير مصيره، وتحرير أرضه والسيطرة الكاملة على ترابه الوطنى، ولكن إسرائيل كالمعتاد تريد تصدير الكارثة الأخيرة إلى الحدود المصرية لتضرب عدة عصافير بحجر واحد، لذلك فإن المتشككين من دعاة البلبلة وأصحاب الآراء الخرقاء الذين يتحدثون أحيانًا عن انتماء مصرى منكمش إنما يقعون فى سقطة كبيرة فالانتماء الوطنى لما يمكن تسميته القومية المصرية لا اعتراض عليه ولا رفض له ولكنه فى النهاية نتاج لحالة الاندماج التاريخى والتداخل الجغرافى بين عوامل مختلفة وفدت على أرض الكنانة مع وصول الهجرات وتعدد الثقافات وتناوب الحضارات فمصر هى عربية اللسان، مسلمة ومسيحية الوجدان ترتبط بما يمكن اعتباره رمزًا للتوحد فى الذات المصرية التى تتميز عن غيرها فى التوفيق بين انتماءاتها المتعددة وولاءاتها المختلفة إلا أنها تبقى عربية بدورها القومى الذى لا يجادل فيه أحد، ومؤمنة بأزهرها الشريف وكنيستها القبطية وإفريقية الموقع حيث تقع على الناصية الشمالية الشرقية للقارة السمراء، وهى دولة بحر متوسطية ربطها طه حسين – الذى نحتفل بمرور نصف قرن على رحيله – بالحضارة الهيلينية وثقافة اليونان وغيرهم من شعوب البحر المتوسط بحيرة الحضارات وقلب العالم القديم.

إننى أطالب بالتوقف عن الهرطقة واللغو فى قضية الانتماء لأن المصريين يدركون كما يدرك غيرهم أن العروبة قدر ومصير وحياة، ولكن تبقى الوطنية المصرية حقًا تاريخيًا لا يتراجع ولا يهتز.

arabstoday

GMT 06:31 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

الملاذ

GMT 06:28 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

وبقيت للأسد... زفرة

GMT 06:27 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

هل «يتدمشق» الجولاني؟

GMT 06:25 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

الشرع والعقبة

GMT 06:23 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مستقبل سوريا: مخاوف مشروعة

GMT 06:21 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

جهود بحثية عربية لدراسات الطاقة

GMT 06:18 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

دمشق والسير عكس المتوقع

GMT 06:15 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

شرق أوسط جديد حقًّا

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سؤال الهوية سؤال الهوية



إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 13:51 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين
 العرب اليوم - مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 06:48 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

دليل لاختيار أقمشة وسائد الأرائك وعددها المناسب وألوانها
 العرب اليوم - دليل لاختيار أقمشة وسائد الأرائك وعددها المناسب وألوانها

GMT 07:38 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء
 العرب اليوم - نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 07:21 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلاق إعلان الرياض لذكاء اصطناعي مؤثر لخير البشرية
 العرب اليوم - إطلاق إعلان الرياض لذكاء اصطناعي مؤثر لخير البشرية

GMT 15:16 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

صفارات الإنذار تدوي في تل أبيب أثناء محاكمة نتنياهو

GMT 12:39 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

هل يتحمل كهربا وحده ضياع حلم الأهلى؟!

GMT 07:38 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

نصائح سهلة للتخلص من الدهون خلال فصل الشتاء

GMT 08:34 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

جديد في كل مكان ولا جديد بشأن غزة

GMT 04:35 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إنزال إسرائيلي قرب دمشق استمر 20 دقيقة

GMT 16:56 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

السيتي يعلن وفاة مشجع في ديربي مانشستر

GMT 20:06 2024 الإثنين ,16 كانون الأول / ديسمبر

انتشال 34 جثة من مقبرة جماعية في ريف درعا في سوريا

GMT 10:58 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

ضربة جوية أمريكية تستهدف منشأة تابعة للحوثيين باليمن

GMT 08:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 03:01 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

حظر الطيران الجوي في أصفهان وقم الإيرانيتين

GMT 02:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

استشهاد 8 فلسطينيين في قصف إسرائيلي بغزة

GMT 02:54 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

زلزال بقوة 7.3 يضرب المحيط الهادئ وتحذير من تسوماني

GMT 04:32 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

دوي انفجار يهز صنعاء وسط أنباء عن استهداف وزارة الدفاع
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab