اعترافات ومراجعات 2 «بنك القلق»

اعترافات ومراجعات (2) «بنك القلق»

اعترافات ومراجعات (2) «بنك القلق»

 العرب اليوم -

اعترافات ومراجعات 2 «بنك القلق»

بقلم - مصطفي الفقي

استعرت عنوان بنك القلق من صاحبه الأديب الفيلسوف توفيق الحكيم؛ لكى أشير إلى المراحل الأولى من حياتى التى اتسمت بكثير من الانشغال الدائم بالتساؤلات المشروعة للطفولة، ثم امتدت بى الأمور لتصبح هى الأخرى متصلة بالمسائل الكونية والأفكار التى تتعلق بمفهوم الإيمان والعقيدة الدينية، وأصابتنى فى سن مبكرة حالة من الاستغراق الدينى جعلتنى أؤدى فروض الصلاة غالبًا فى المسجد، وأكون إمامًا لزملائى فى المدرسة، كما كنت قد حفظت أجزاء كبيرة من القرآن الكريم ولقد شجعنى على ذلك غرامى الشديد بالمقرئين من كافة الطبقات الصوتية، ومعرفة ميعاد كل منهم فى تلاوته بالراديو أو التليفزيون فيما بعد، وأصبحت أميز أصواتهم للتفرقة بين أكثر من ثلاثين قارئًا للذكر الحكيم أتابع أصواتهم وأسعد بقراءاتهم وميزت بينهم، الشيوخ مصطفى إسماعيل وعبد الباسط عبد الصمد ومحمود خليل الحصرى ومحمود على البنا والطبلاوى وأبو العينين شعيشع ومنصور الشامى الدمنهورى والبهتيمى والدروى وصديق المنشاوى. كما كنت مفتونًا بدرجة كبيرة بالصوت الشجى لإمام المقرئين الشيخ محمد رفعت الذى سمّاه محمود السعدنى بحق قيثارة السماء، ولا بد أن أعترف هنا أنه بعد سنوات معدودة من الاستغراق فى التدين والمبالغة فى تأدية الشعائر حدثت لى ردة كبيرة عندما انصرفت إلى دراسة الأفكار الفلسفية والنظم السياسية، وشرعت فى تناول كل النصوص من خلال قراءة نقدية لا تقبل بالمسلمات وتجادل فى كل صغيرة وكبيرة، وحدث فى داخلى صراع عميق بين الإيمان المسيطر عاطفيًا وبين نزعة إلحادية كنت أرفضها فى أعماقى ولكنى أستسلم لها بالتفكير المجرد والرؤية المباشرة، وما زلت أتذكر أننى تأثرت بكتابين صغيرين أولهما لعالم الفلك د.أحمد زكى وعنوانه (مع الله فى السماء)، وكتاب آخر لمؤلفه ديل كارنيجى وعنوانه (دع القلق وابدأ الحياة)، وذلك بالإضافة إلى خلاصة الفكر المصرى المعاصر لمؤلفات العقاد وطه حسين والحكيم وسلامة موسى بل المنفلوطى، وأشعار شوقى وحافظ، فضلًا عن مجموعات القصص بالإنجليزية،

وقد أصبحت جليسًا دائمًا فى مكتبة البلدية بمدينة دمنهور مستغرقًا فى قراءات واسعة لأمهات الأدب وكتب التراث وعصارة فكر من كتبوا عن حياتهم وتاريخهم، مع ما أحاط بهم من ظروف وملابسات. وفى مارس عام 1964 رحل عن عالمنا المفكر المصرى الكبير عباس محمود العقاد، وقد كنت واحدًا من عارفى قدره ومدركى مكانته فهو ينحت الفكرة نحتًا يعجز عنه سواه، وقد لا يهتم بأناقة العبارة وموسيقى النص بقدر اهتمامه بالمعانى العميقة والتحليل العلمى الذى يقوم على تأصيل الظواهر وتفكيك الأفكار المعقدة أمام القارئ على نحو يدعو إلى الذهول أحيانًا، ولقد كتبت يوم رحيله مقالًا لم أنشره ولكننى آثرت به بعض أصدقائى الذين نصحوا بعدم النشر لما فيه من نزعة تتعارض مع العقيدة الدينية، فقد كان عنوانه (مع العقاد فى السماء)، حيث تخيلته يقف أمام العرش الإلهى فى محاكمة كبرى وهو فى مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر، وتطورت فى الأمر- وهنا مكمن الخطورة والخطيئة معًا- فرأيت أن العقاد يجادل الله سبحانه وتعالى فى خلقه ومخلوقاته ويناقشه فى طبيعة الكون وفلسفة الحياة، ثم يخضع العقاد بعد ذلك لمحاكمة عادلة تدفع به إلى مرتبة عالية وهو الذى لم يحصل على مؤهل دراسى يسمح له بالمرور إلى الظواهر العلمية، ولقد ساعدت على تلك النزعة المتمردة على العقيدة الدينية قراءات ماركسية وتوجهات يسارية انتشرت فى الجو العام فى البلاد، خلال تلك الفترة من حكم الرئيس الراحل عبد الناصر، الذى آمنا به إيمانًا مطلقًا حتى كانت هزيمة يونيو عام 1967 التى ضربت اليقين فى مقتل، ودمرت فى أعماقنا كثيرًا من الأطروحات، وتبدلت معها المسلمات على نحو غير مسبوق، فكان القلق مشروعًا نتيجة الانقلاب على كثير من الأفكار المستقرة والرؤى الثابتة، وبدأت سنوات التخبط والضياع مقترنة ببداية حياتى العملية بعد تخرجى فى الجامعة ومواجهة ظروف الوطن فى أحلك فتراته ما بين عامى 1967 و1973، حيث ساد الإحباط وضربت الهزيمة المشروع القومى فى مقتل، وأفلس بنك القلق ولم يعد لديه رصيد من التفاؤل، لكى تكون كل حساباتنا الفكرية والثقافية مكشوفة أمام واقع سياسى مؤلم وظروف ضاغطة وحزينة من كافة الاتجاهات.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اعترافات ومراجعات 2 «بنك القلق» اعترافات ومراجعات 2 «بنك القلق»



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:39 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
 العرب اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 08:03 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
 العرب اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 07:49 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
 العرب اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 09:07 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

تامر حسني يكشف حقيقة عودته لبسمة بوسيل ويصدم الجمهور
 العرب اليوم - تامر حسني يكشف حقيقة عودته لبسمة بوسيل ويصدم الجمهور

GMT 19:57 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 06:40 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

2024 سنة نجاحات مغربيّة

GMT 06:32 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

هل قرأت افتتاحية «داعش» اليوم؟!

GMT 08:12 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

ممرات الشرق الآمنة ما بعد الأسد

GMT 09:29 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

للمرة الأولى بعد «الطائف» هناك فرصة لبناء الدولة!

GMT 14:10 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

رسميا الكويت تستضيف بطولة أساطير الخليج

GMT 06:30 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

ما تم اكتشافه بعد سقوط النظام السوري!

GMT 11:26 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا يتفقدان سجن صيدنايا في سوريا

GMT 14:14 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 4.7 درجة يضرب مدينة "سيبي" الباكستانية

GMT 14:10 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

جيش الاحتلال يرصد إطلاق صاروخين من شمال غزة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab