بقلم - مصطفى الفقي
تُعتبر دراسة المخطوطات جهدًا تراثيًّا يحدد درجة التواصل بيننا وبين مصادر المعرفة، خصوصًا فى عصر ما قبل الطباعة حتى تمكن يوحنا جوتنبرج من استكمال اختراع آلة الطباعة الحديثة، وكان ذلك بحق انقلابًا ضخمًا فى تاريخ الإنسان ونقلة نوعية كبرى فى عالم المعرفة والقدرة على نشر العلوم الحديثة التى تداولتها الأجيال بسهولة ويسر، ولكن بقى المخطوط مستندًا إلى صاحبه والفترة التى صدر فيها والظروف التى انتشر خلالها، لذلك حرصت أثناء عملى فى مكتبة الإسكندرية على إعطاء أهمية خاصة لمتحف المخطوطات، وهو الذى شرفه بالزيارة السيد رئيس الجمهورية عام 2017، ورغم أن قطاع التواصل الثقافى بمكتبة الإسكندرية متميز للغاية، ويقف على قمته أستاذ جامعى واعد، هو خبير المخطوطات، الدكتور محمد سليمان، لذلك رأيت تعزيزًا لذلك القطاع وتأكيدًا لتميز مكتبة الإسكندرية السعى إلى أهم أستاذ فى علم المخطوطات بالجامعات المصرية، وهو الأستاذ الدكتور أيمن فؤاد السيد، الذى كان باحثًا كبيرًا فى جامعة الأزهر، وقد اقتضى الأمر أن استأذن الإمام الأكبر شخصيًّا فى استعارة ذلك الأستاذ الجامعى المرموق، لذلك اتصلت هاتفيًّا بالإمام الأكبر، وحصلت على موافقة فضيلته على أن يواصل دكتور أيمن فؤاد السيد خدماته لجامعة الأزهر، خصوصًا أنه عالِم رفيع القدر امتزجت لديه الثقافة العربية الإسلامية والثقافة الفرنسية الغربية حتى أصبح اسمًا كبيرًا فى عالم المخطوطات لا فى مصر وحدها، ولكن فى المنطقة العربية والدوائر الغربية.
وهو يشغل أيضًا منصب رئيس مجلس إدارة الجمعية التاريخية المصرية، ويتواصل عطاؤه فى عدد من المواقع، حتى اعترفت به دول المنطقة، وإن اختلفت معه فى المنطلق القومى والولاء السياسى، وكنت أقول لنفسى دائمًا كلما التقيت بذلك العالِم الصديق ما أصعب الميدان الذى اقتحمه، ولابد أن أعترف هنا بأن عملية تحقيق المخطوطات القديمة عملية صعبة وتحتاج إلى تدريب طويل وصبر بلا حدود وثقافة واسعة تجعل الخبير فيها بالضرورة موسوعيًّا يضرب فى كافة العلوم بسهم ويحوز ثقافة واسعة وإلمامًا شاملًا بمراحل التاريخ المختلفة وانعكاسات كل مرحلة على العلوم والفنون والآداب، وذلك بالضبط هو الدكتور أيمن فؤاد السيد، الذى ورث عن أبيه الراحل ذلك الاجتهاد الغريزى فى علم المخطوطات، فأصبح حارسًا للتراث، فى بلد أغلى ما فيه هو التراث، إذ إن السلعة الأولى التى تصدرها مصر للعالم ثقافيًّا هى تراث الأجداد، الذى نباهى به ونفاخر بوجوده فى كافة العقود المتوالية، ويتصف الدكتور أيمن فؤاد السيد بما يتصف به العلماء الكبار من حرص على الوقت ودقة فى المواعيد وتجويد فى الأداء، ويكفى أنه يقوم بعملية تشكيل كاملة لكل ما يصدر عنه لغويًّا إيمانًا منه بأن ضبط النحو يؤدى بالضرورة إلى وضوح الفكرة ويَحُول دون اختلاط المعانى، ولا يقف الأمر عن هذا الحد، إذ إن ذلك العالِم الجليل يبدو زاهدًا فى المناصب بعيدًا عن الأضواء مؤمنًا بأن يظل عمله رصينًا فى كل الظروف، وما أكثر الأوقات التى دخل فيها الدكتور أيمن فؤاد السيد إلى مكتبى وهو يحمل وليدًا جديدًا يعتز به ويحنو عليه، ويكون ذلك هو كتاب أتَمَّ تحقيقه وأضافه إلى مكتبة التراث، ناقلًا فكر الأقدمين ورؤية رواد المعرفة عبر مراحل التاريخ المختلفة، وأنا إذ أُحييه اليوم، ألفت النظر إلى الثروة المصرية العظيمة فى عالم المخطوطات والوثائق وأهميتها بالنسبة لمكانة مصر الفكرية ودورها الثقافى.. دعونا نرفع القبعات تحية لواحد من أبرز خبراء التراث وأساتذة علم المخطوطات، والذى رشحته جهات علمية متعددة فى سنوات سابقة للحصول على جائزة النيل العليا فى العلوم الاجتماعية، والرجل يعمل فى صمت وينشط فى صبر ويقدم خدمات جليلة للفكر والثقافة والتراث والتاريخ عبر السنين.