اعترافات ومراجعات 2 «صالون التأمل»

اعترافات ومراجعات (2) «صالون التأمل»

اعترافات ومراجعات (2) «صالون التأمل»

 العرب اليوم -

اعترافات ومراجعات 2 «صالون التأمل»

بقلم - مصطفي الفقي

كان تفوقى الدراسى فى المرحلتين الإعدادية والثانوية مصدر اعتزاز ذاتى أشعرنى دائمًا بأنه رغم أننى لست طالبًا يستذكر دروسه صباح مساء، إلا أننى الأول دائمًا حتى على منطقة البحيرة التعليمية بالكامل فى الشهادة الإعدادية عام 1958، وكنت مبهورًا فى الوقت ذاته بالأحداث الكبرى والتطورات السريعة للحركة القومية فى العالم العربى ودور مصر الناصرية ريادة وقيادة لتلك الحركة فى ذلك الوقت، وكنت أرتاد المنتديات الثقافية، خصوصًا بعد التحاقى بالجامعة وحضورى أول مناقشة دكتوراة، عندما وجدت لى مكانًا فى الصف الأول بالمدرج الرئيسى لكلية الحقوق جامعة القاهرة- خصوصًا أننا كنا ندرس فى ملحق تلك الكلية مقرًا للكلية الوليدة الاقتصاد والعلوم السياسية- وفى ذلك اليوم كانت مناقشة رسالة الطالب يحيى الجمل الذى أصبح وزيرًا ونائبًا لرئيس الوزراء فيما بعد.

وأتيح لى يومها أن أتعرف على الثلاثة الكبار فى القانون الدولى- رحمهم الله- وهم حامد سلطان من حقوق القاهرة، وعلى صادق أبو هيف من حقوق الإسكندرية، ومحمد حافظ غانم من حقوق عين شمس، وأظن أن موضوع الدكتوراة كان عن نظرية الاعتراف فى القانون الدولى، ومن بعدها أصبحت متابعًا دائمًا لمناقشات الرسائل العلمية الهامة مستمتعًا بالتواجد فيها، وذات يوم كنت أحضر مناقشة أخرى فى حقوق القاهرة أيضًا، وكانت لطالب عراقى أصبح أمينًا لمنظمة مجلس الوحدة الاقتصادية، وكان اسمه الصكبان، إن لم تخذلنى الذاكرة، وكان موضوعها حول الضرائب على التركات، وترأس اللجنة فى تلك المناقشة الدكتور حسين خلاف الأستاذ المرموق فى الاقتصاد والمالية العامة، وحدثت أمامى واقعة- أثناء المناقشة- تعلمت منها الكثير، فقد أومأ الدكتور خلاف بنظرة هادئة بحثًا عن أحد عمال القاعة ليأتيه بكوب ماء، وفوجئت بأن الدكتور محمد لبيب شقير عضو اليمين فى المناقشة يقوم من مقعده ويخرج من القاعة ويعود حاملًا كوب الماء لأستاذه، فضجت القاعة بالتصفيق، وكان لبيب شقير وقتها أستاذًا جامعيًا مرموقًا ونائبًا لوزير التخطيط، ثم أصبح بعد ذلك رئيسًا لمجلس الأمة، فتعلمت كيف يوقر العلماء أساتذتهم ويعطونهم القدر الذى لا يعلوه قدر آخر، وأتذكر أيضًا أننى أمضيت السنوات الدراسية الأربع بنجاح باستثناء الإخفاق فى السنة الأولى فى مادتى الإحصاء والاشتراكية العربية، وكان يدرس المادة الأخيرة لنا أستاذ كنت شديد الإعجاب به ولا أزال، وأعنى به الدكتور رفعت المحجوب.

والغريب أن النتيجة قد خرجت بنجاحى فى كل المواد وحصولى على تقدير ضعيف جدًا فى مادة الاشتراكية العربية، رغم أننى كنت وقتها شديد الالتحام بالفكرة والولاء لها، وعندما سألت الدكتور رفعت المحجوب بعد ذلك بسنوات عن طالب متميز فى الدراسات الاشتراكية، لكنه أعطاه أقل تقدير أجابنى متذكرًا: أهو أنت؟ قلت: ماذا تقصد؟ قال: لقد جاءتنى ورقة الإجابة لأحد الطلاب فى تلك المادة فى السنة التى تشير إليها وهى تبدو لى كالفخ الأمنى، فقد احتوت دراسة رصينة عن الاشتراكية العلمية وأهمية المضى من نموذج الاشتراكية العربية إلى الأخذ بالأسلوب الماركسى، وأضاف: «لقد تصورت أنها ورقة متعمدة من جهة أمنية للتحقق من ولائى السياسى لنظام الرئيس الراحل عبد الناصر، حيث كان الدكتور المحجوب مرشحًا دائمًا لمناصب عليا، ويومها تعلمت أن هناك فاصلًا بين الحماس الفكرى والولاء السياسى، وما زلت أتذكر تأثير الدكتور حامد ربيع عالم السياسة الفذ فى طريقة تفكيرى وأسلوب الانتقال عندى بين مفهوم الحضارة العربية الإسلامية ومنطق الحضارة الغربية المسيحية تجاه الموضوع الواحد، وما زلت أتذكره عندما أقلب بين مناهج البحث فى موضوع أكتبه وأتذكر كيف أن ذلك العالم العظيم قد لقى حتفه مسمومًا بفعل فاعل، وكأنما يكرر مأساة النهاية التى خاضها عبد الرحمن الكواكبى قبله بما يقترب من قرن كامل، ولا بد أن أعترف هنا أن الطموح السياسى قد بدأ يتسلل إلى أعماقى، وكنا نتتبع خطى زميلنا الذى يقترب منا فى العمر ولكنه يسبقنا فى الدراسة، وأعنى به الأستاذ الدكتور على الدين هلال- أطال الله فى عمره- وكان أمينًا للجنة الاتحاد الاشتراكى بالكلية، وكنت وقتها رئيس اتحاد طلابها.

وأتذكر أن الطالب على الدين هلال كان يعقد مؤتمرًا سنويًا نحضره جميعًا وأرى فيه حاليًا نموذجًا رفيعًا للحوار السياسى وقتها وانتزاع مساحة من الحرية على نحو لم يكن معهودًا فى مطلع ستينيات القرن الماضى، وكنا نخرج فى بعض الأيام إلى منطقة العتبة الخضراء نرشف ما كنا نسميه المشروب العقائدى وهو مزيج من عدد من العصائر الطبيعية نتندر به على الفكرين السياسى والاشتراكى معًا.. إن تلك الأيام الخوالى قد شكلت وجدانى وتركت بصمات قوية على أسلوب تعاملى مع الحياة ودفعتنى للدخول إلى صالون التأمل الذاتى الذى لم يتوقف أبدًا!

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اعترافات ومراجعات 2 «صالون التأمل» اعترافات ومراجعات 2 «صالون التأمل»



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:39 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
 العرب اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 08:03 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
 العرب اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 07:49 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
 العرب اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 09:07 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

تامر حسني يكشف حقيقة عودته لبسمة بوسيل ويصدم الجمهور
 العرب اليوم - تامر حسني يكشف حقيقة عودته لبسمة بوسيل ويصدم الجمهور

GMT 19:57 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 06:40 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

2024 سنة نجاحات مغربيّة

GMT 06:32 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

هل قرأت افتتاحية «داعش» اليوم؟!

GMT 08:12 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

ممرات الشرق الآمنة ما بعد الأسد

GMT 09:29 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

للمرة الأولى بعد «الطائف» هناك فرصة لبناء الدولة!

GMT 14:10 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

رسميا الكويت تستضيف بطولة أساطير الخليج

GMT 06:30 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

ما تم اكتشافه بعد سقوط النظام السوري!

GMT 11:26 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا يتفقدان سجن صيدنايا في سوريا

GMT 14:14 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 4.7 درجة يضرب مدينة "سيبي" الباكستانية

GMT 14:10 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

جيش الاحتلال يرصد إطلاق صاروخين من شمال غزة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab