الجزائر والمغرب

الجزائر والمغرب

الجزائر والمغرب

 العرب اليوم -

الجزائر والمغرب

بقلم - مصطفي الفقي

لا تنال أوضاع المغرب العربي بدوله الخمس في الشمال الأفريقي الاهتمام الكافي من جانب عرب المشرق بما فيهم مصر، ذلك أن الأوضاع التي مرت بها تلك الدول منذ انتزاع استقلالها عن فرنسا وإيطاليا وإسبانيا تشير في مجملها إلى موقف يتفق مع اختلاف القومية والدين عن الغرب الأوروبي الذي تطل عليه عبر المحيط والبحر الأبيض تلك الدول من الشمال الأفريقي العربي.

لاحظنا في العقود الأخيرة اهتماماً متزايداً بالمفكرين من دول المغرب العربي، خصوصاً الجزائر والمغرب بل وتونس أيضاً على نحو وضع تلك الدول في مركز الصدارة لدول الأمة العربية ومكانتها في القارة الأفريقية والوطن العربي على حد سواء، ويرجع ذلك الانتماء بين القارة الأفريقية والدول العربية وفقاً للمراحل التاريخية التي مرت بها تلك المناطق من الشمال الأفريقي، حتى إن كثيراً من دول جنوب الصحراء كانت تنظر بشيء من الاختلاف تجاه تلك الدول تمييزاً لها عن دول أخرى في جنوب الصحراء، بل واعتقدت كثير من الدول الأفريقية أن انتماء تلك الدول في الشمال ليس خالصاً لوجه القارة السمراء.

شواغل المشرق العربي، خصوصاً القضية الفلسطينية، تستأثر بقدر كبير من اهتمام تلك الدول وتبعدها من الواقع الأفريقي الذي ترتبط به، حتى إن أحد قادة إحدى دول غرب أفريقيا قال ذات يوم، إن على الدول العربية الأفريقية أن تبحث لها عن منبر آخر بحيث تترك منظمة الوحدة الأفريقية، قبل قيام الاتحاد الأفريقي، خالصة لأبناء القارة السمراء حتى لا تقحم نفسها في الصراع العربي- الإسرائيلي والقضية الفلسطينية وغيرها من مشكلات المشرق.

لنا هنا بعض الملاحظات التي لا بد من تسجيلها:

أولاً: إن الجزائر والمغرب دولتان تمتلكان مقومات ذات خصوصية وتمثلان ثقلاً واضحاً في المغرب العربي ولا ينتقص منه إلا ذلك الصراع السياسي والخلاف الحدودي بينهما عبر العقود الأخيرة، وهنا يجب أن نسجل صراحة أنه كان يجب أن تكون مقومات البلدين إضافة مشتركة لهما وليست خصماً عليهما مثلما هو الأمر الآن، حتى إن ذلك الصراع يمثل سبباً رئيساً في ضعف الاتحاد المغاربي.

تفاءلت وتفاءل غيري عندما فتحت الجزائر مجالها الجوي أمام طائرات الإغاثة لتعبر إلى المغرب في أعقاب الزلزال المدمر الذي هز أجزاء كبيرة من المغرب في شهر سبتمبر (أيلول) 2023 واعتبرها البعض بادرة لحسن النية، بينما ذكر آخرون أنه مجرد قرار إنساني ليس له خلفية سياسية.

إذا صح التحليل في الحالتين فإن ذلك يؤكد درجة التشدد لدى الطرفين في ما يتصل بالخلاف حول قضية الصحراء الغربية، وإذا حدث، على سبيل المثال، خطأ غير مقصود في الخريطة ليضمن الصحراء الغربية في إحدى الدولتين، فإن ذلك يعد إثماً كبيراً تقوم له الدنيا ولا تقعد.

أتذكر شخصياً أنه قد وقع ذلك الخطأ في غلاف أحد كتبي منذ سنوات عدة، فكان الاحتجاج شديداً من السفارة المغربية وسفيرها الذي كان صديقاً ولا يزال أعتز برأيه وأحترم مشاعره على رغم أن أقصى آمالي كانت ولا تزال تمضي في اتجاه المصالحة والتطبيع بين الدولتين، وحل تلك القضية المزمنة التي حاول فيها كثيرون، بمن فيهم جيمس بيكر وزير الخارجية الأميركية الذي كان مبعوثاً أممياً لإيجاد مخرج لتلك المشكلة التي عانتها الدولتان.

أتذكر أيضاً أن أول عمل قام به محمد حسني مبارك نائب الرئيس السادات فور توليه مهام منصبه، هو إيفاده من قبل الرئيس المصري ليمارس نوعاً من الدبلوماسية المتبادلة والوساطة المطلوبة بين الدولتين، وإن كان قد أخفق في مهمته بسبب تشدد كل طرف أمام الطرف الآخر.

ثانياً: إن النضال الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي، وهو نضال كان مدعوماً من أشقائهم في المغرب، قد حول الصراع بين الجزائر وفرنسا إلى صراع يستند إلى نوع من القومية الدينية، التي اعتصم بها الجزائريون بإسلامهم أكثر من عروبتهم في مواجهة طويلة بين من يحاولون وضع حركة التحرير الجزائرية في إطار عربي، بينما هي تقف في مفترق الطرق بين التوجهين الإسلامي والعروبي حتى أضحت حرب تحرير الجزائر صراعاً يقوم على مسحة إسلامية قبل أن ترتدي لباساً عروبياً.

الجزائريون كانوا يقاتلون فرنسا ويتحدثون لغتها في الوقت ذاته، فلم تكن التفرقة ذات طابع قومي يعتمد على عنصر اللغة، بل ذات طابع ديني يعتمد على التاريخ الحضاري الإسلامي للشعب الجزائري، وقد وقف المغاربة داعمين في صلابة للنضال الجزائري مثل غيرهم من الدول الإسلامية في المشرق، وفي مقدمتها مصر التي اعتبرت القضية قضية وجود بالدرجة الأولى لا تتصل بالإسلام والعروبة وحدهما، ولكن لها بعد آخر يرتبط بحركة التحرر الوطني واستقلال الشعوب في خمسينيات القرن الماضي حتى تحقق للجزائر ما توازى مع نضال شعبها ومع أماني أشقائها.

ثالثاً: إن الأمر الذي لا شك فيه هو أن العلاقة بين الجزائر والمغرب علاقة عضوية تتجاوز اللغة الواحدة والبعد الديني والإطار الثقافي العام في الملبس والمأكل والمزاج الإنساني، الذي يشعر به كل من يزور الدولتين ويرى التداخل الشعبي والإنساني بينهما على رغم إغلاق الحدود والتشدد بين الجانبين على نحو يدعو إلى الأسف والحزن.

لقد كانت الجزائر هي أول دولة زرتها في حياتي العملية بعد تخرجي من الجامعة وكان ذلك في يونيو (حزيران) عام 1966، حين حضرت الاحتفال بعيد الاستقلال ونقل رفات الأمير عبدالقادر الجزائري من سوريا إلى مرقده في مقبرته بوطنه، ولقد بهرتني الجزائر وقتها بالمقارنة مع غيرها، حيث كانت آثار الاستعمار الفرنسي وطابعه الفرانكفوني لا تزال مسيطرة على البشر والحجر، على الإنسان والمباني، على الروح المشتركة بين أوروبا البحر متوسطية ودول الشمال الأفريقي المطلة معها على ذلك الذي يعد بحق بحيرة الحضارات في وسط العالم.

رابعاً: إن المغرب بتعدديته وفرادة موقعه يمثل هو الآخر بعداً إنسانياً كبيراً لا يمكن الإقلال من شأنه، ولقد زرت عدداً من مدنه وبهرتني الشخصية الفريدة لكل منها، فالرباط غير الدار البيضاء ومراكش غير فاس، وهي جميعاً تمثل انصهاراً إسلامياً عروبياً أفريقياً في تلك المنطقة التي تطل منها على المحيط الأطلسي والبحر المتوسط في آن واحد.

ولقد رأيت المسافة بين طنجة والساحل الأوروبي في مرمى البصر عندما كنت مدعواً لحضور فعاليات لمهرجان أصيلة الذي أنشأه ورعاه خلال العقود الماضية المثقف المغربي السيد محمد بن عيسى وزير الثقافة، ثم الخارجية في الحكومات المغربية سواء مع الملك الحسن الثاني أو الملك محمد السادس، وذلك يذكرني بشخصية جزائرية أعتز بها على الجانب الآخر، وهي شخصية السيد الأخضر الإبراهيمي وزير خارجية الجزائر السابق والمبعوث الأممي في عدد من مناطق التوتر في العالمين العربي والإسلامي، وكلاهما نموذج مضيء للرؤية الثاقبة والسبيكة المشتركة بين الثقافتين العربية والأوروبية.

خلاصة ما أريد أن أذهب إليه من الكتابة عن هاتين الدولتين العربيتين الشقيقتين بين دول المغرب العربي، أنهما تمثلان أيقونات معاصرة نفاخر ونعتز بوجودهما إلى جانب تونس بورقيبة وليبيا عمر المختار وموريتانيا التي احتضنت حركة التحرر الوطني في بدايتها، عندما قاد عبدالناصر المد القومي وأنشأت مصر مركزها الثقافي الكبير في عاصمة الشعراء والأدباء نواكشوط.

إنني كواحد من أبناء مصر في وسط العالم العربي أعتز بجناحيه في المشرق والمغرب، وأرى أنهما يمثلان معاً ما يمكن أن يحلق بنا إلى أعلى ويدفعنا إلى مدارج أرقى على طريق الإسلام والعروبة والانتماء الأفريقي الأصيل، الذي نعتز به ونرى فيه تأكيداً لأواصر الارتباط بين ثلثي العالم العربي، الذين يعيشون في القارة الأفريقية وبين الأشقاء من أبناء القارة السمراء الذين نرى بحق أنهم رصيد إنساني وحضاري نتمسك به ولا نفرط فيه!

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الجزائر والمغرب الجزائر والمغرب



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:39 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
 العرب اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 08:03 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
 العرب اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 07:49 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
 العرب اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 09:07 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

تامر حسني يكشف حقيقة عودته لبسمة بوسيل ويصدم الجمهور
 العرب اليوم - تامر حسني يكشف حقيقة عودته لبسمة بوسيل ويصدم الجمهور

GMT 19:57 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 06:40 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

2024 سنة نجاحات مغربيّة

GMT 06:32 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

هل قرأت افتتاحية «داعش» اليوم؟!

GMT 08:12 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

ممرات الشرق الآمنة ما بعد الأسد

GMT 09:29 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

للمرة الأولى بعد «الطائف» هناك فرصة لبناء الدولة!

GMT 14:10 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

رسميا الكويت تستضيف بطولة أساطير الخليج

GMT 06:30 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

ما تم اكتشافه بعد سقوط النظام السوري!

GMT 11:26 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا يتفقدان سجن صيدنايا في سوريا

GMT 14:14 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زلزال بقوة 4.7 درجة يضرب مدينة "سيبي" الباكستانية

GMT 14:10 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

جيش الاحتلال يرصد إطلاق صاروخين من شمال غزة
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab