اعترافات ومراجعات 64 ذكريات سورية

اعترافات ومراجعات (64).. ذكريات سورية

اعترافات ومراجعات (64).. ذكريات سورية

 العرب اليوم -

اعترافات ومراجعات 64 ذكريات سورية

بقلم:مصطفى الفقي

تشدنى منذ الطفولة اهتمامات أدبية وفنية ترتبط بمنطقة الشام الكبير أو سوريا الكبرى بما فيها لبنان وفلسطين والأردن، بل والعراق أحيانًا، وقد عشت أتذوق فنونهم وأطرب لموسيقاهم.. يسحرنى صوت صباح فخرى، وتهزنى حنجرة وديع الصافى، وتلهمنى فيروز بصوتها الملائكى.. ولقد انعكس ذلك الاهتمام على تعلق ثقافى وسياسى بتلك المنطقة من العالم التى تنفرد عن غيرها بالمزج بين شخصية المشرق العربى من جهة وثقافات البحر المتوسط من جهة أخرى.

وعندما بدأت مباحثات الوحدة بين مصر وسوريا ومعهما العراق لاحقًا فيما سمى مباحثات الوحدة الثلاثية أصبح الأمر بالنسبة لى تخصصًا جعلنى أقترب دائمًا من الساحة العربية وهمومها وشؤونها، مؤمنًا بما قاله أمير الشعراء (عز الشرق أوله دمشق)، فاهتممت بالحكم الهاشمى فى دمشق وبغداد وعمّان، وشعرت بأن هذه المنطقة التى ظهرت فيها وبالقرب منها الديانات السماوية الثلاث هى منطقة مباركة روحيًا وتاريخيًا، كما أدركت أن علاقة بر مصر وبر الحجاز وبر الشام هى علاقة وثيقة يصعب النيل منها أو العبث بدورها.

وعندما أدارت ثورة يوليو ١٩٥٢ ظهرها نسبيًا لمسألة السودان ووحدة وادى النيل كان الاتجاه الطبيعى البديل هو الاتجاه شرقًا والتركيز على روح العروبة، وقد اقترن ذلك من حيث التوقيت بسنوات الحلم القومى والمد الناصرى الذى عاصرناه فى سنوات شبابنا الباكرة، ولذلك كان إعلان قيام الجمهورية العربية المتحدة فى فبراير ١٩٥٨ انتصارًا كاسحًا للمشروع القومى.

وحينذاك برزت اهتماماتى العروبية وتعلقى بالنمط الاجتماعى لدى السوريين، حتى إننى حفظت تقريبًا الأناشيد والأشعار والقصائد والأذكار التى يرددها أدباء الشام وفنانوه، ولن أنسى أبدًا أغانى الإقليم الشمالى احتفالا بتلك الوحدة الوليدة والأهازيج الشعبية التى تجاوبت مع مشاعر العرب فى تلك الفترة من حياة المصريين التى كانوا يتطلعون فيها إلى تحقيق دولة الوحدة، وبرزت أسماء من القطر السورى يتقدمهم رجل عبدالناصر المشرف على المكتب الثانى فى سوريا.

وأعنى به عبدالحميد السراج، الذى كان يعتبر الرجل القوى بين رفاقه من ضباط الوحدة الذين ضغطوا على عبدالناصر للقبول الفورى بها، ومنهم أسماء مثل زياد الحريرى وفهد الشاعر، فضلا عن التبريك للمشروع الوحدوى من جانب أكرم الحورانى وصبرى العسلى وغيرهما، وقد تمكن عبدالناصر، من تهريب عبدالحميد السراج الذى كان معتقلا عشية انهيار الوحدة وحدوث الانفصال.

حيث عاد عبدالحميد السراج ومعه حارسه الخاص منصور رواشدة ولم يصب أىُّ منهما بسوء، وعادا إلى القاهرة تأكيدًا لمكانة عبدالناصر وتأثير الجمهورية العربية المتحدة حينذاك، وظلت دولة الوحدة اسميًا رافعة أعلامها مرددة نشيدها فى ظل حالة حادة من الاستقطاب السياسى داخل العالم العربى وانقسامٍ كبير تقف وراءه حرب اليمن فى جانب والاشتراكية العربية التى تبناها عبدالناصر فى جانبٍ آخر.

وقد ظل الأمر كذلك حتى لبى عبدالناصر نداء ربه فى الثامن والعشرين من سبتمبر ١٩٧٠، وظللت أتذكر سنوات الوحدة وألوك أحداثها وأرقب التغيرات الهائلة فى المنطقة العربية والتحولات الكبرى على المسرح القومى، ومنذ سنوات قليلة مع مطلع هذا القرن كنت أدخل أحد المحال التجارية فى ضاحية مصر الجديدة، فإذا بى أجد نفسى وجهًا لوجه أمام عبدالحميد السراج، لقد أظهر الرجل يومها ودًا وتقديرًا متبادلا لم أكن أتوقعه وانتحينا جانبًا وسألته مباشرة: لماذا لم تكتب مذكراتك عن فترة العمل مع عبدالناصر فى الإقليمين الجنوبى والشمالى؟، فأجاب لقد ألح علىّ الكثيرون فى أن أفعل ذلك.

لكننى لم أتحمس للفكرة لأننى وجدت أنى قد أسىء لبعض الشخصيات وقلت فى نفسى عفا الله عما سلف، لقد مضى عبدالناصر بعصره وبما له وما عليه، لكن تقديرى لزعامته وقيادته لا ينتهى. وقد ظل عبدالحميد السراج يشغل وظيفة فى الدولة المصرية حتى أصبح رئيس مجلس إدارة كبرى شركات التأمين واحتفظ دائمًا بمكانته ووقاره رغم تاريخه الصعب الذى شهد تقلبات كبرى فى كافة الاتجاهات، رحمه الله بعصره وأحداثه ورموزه.

arabstoday

GMT 05:18 2024 السبت ,27 تموز / يوليو

أمة الرواد والمشردين

GMT 05:16 2024 السبت ,27 تموز / يوليو

يوليو جمال عبد الناصر وأنور السادات

GMT 05:15 2024 السبت ,27 تموز / يوليو

المسلمون والإسلاميون في الغرب

GMT 05:13 2024 السبت ,27 تموز / يوليو

في مدح الكرم

GMT 05:12 2024 السبت ,27 تموز / يوليو

إنها أزمة مصطلحات!

GMT 05:10 2024 السبت ,27 تموز / يوليو

أميركا واختبار «الديمقراطية الجندرية»

GMT 04:33 2024 السبت ,27 تموز / يوليو

لبنان بين حربي 2006 و2024

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اعترافات ومراجعات 64 ذكريات سورية اعترافات ومراجعات 64 ذكريات سورية



ميريام فارس بإطلالات شاطئية عصرية وأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 16:07 2024 الجمعة ,26 تموز / يوليو

غارة إسرائيلية على أطراف بلدة مركبا فى لبنان

GMT 16:01 2024 الجمعة ,26 تموز / يوليو

ارتفاع التضخم في أمريكا خلال يونيو الماضي

GMT 13:19 2024 الجمعة ,26 تموز / يوليو

محمد ممدوح يكشف عن مهنته قبل التمثيل

GMT 13:16 2024 الجمعة ,26 تموز / يوليو

عمرو سعد يكشف تفاصيل عودته الى السينما
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab