دهاء الشعوب

دهاء الشعوب

دهاء الشعوب

 العرب اليوم -

دهاء الشعوب

مصطفى الفقي

الشعوب، كما الأفراد، تتميز بخصائص معينة تختلف من بلد لآخر، ورغم أن التعميم خطيئة، وأن فى كل مجتمع استثناءات تختلف عنه إلى أننا نستطيع أن نقول إن المصرى ذكى وطيب، وإن اليابانى صادق ومنظم، وإن الألمانى صارم وحازم، وإن الفرنسى انفعالى وحالم، وإن البريطانى عميق ومحافظ، وهذه ليست أحكاما نهائية، ولكنها ملاحظات عامة نستقيها من ظواهر تاريخية أو من مشاهد عصرية.

ولقد قالوا إن حادث سيارة قد وقع فى منطقة فى غرب «أوروبا»، وكان شهوده ثلاثة أشخاص: ألمانى، وفرنسى، وبريطانى، فهرول الألمانى لإبلاغ الشرطة، وأسرع الفرنسى لإبلاغ الإعلام، بينما مضى البريطانى فى طلب سيارة الإسعاف. وتلك قصة يرويها البعض للإشارة إلى «سيكولوجية» الشعوب ونمطية الاختلاف بينها، حتى إن كانت فى إطار واحد. والذى يهمنى هنا أن بعض الشعوب تتسم بالدهاء الذى قد لا يتصف به معظم أبناء شعب آخر، فالآسيوى لديه مخزون من الدهاء لا يتوافر لدى الأفريقى، كما أن الأوروبى يمكن أن يملك أعماقاً بعيدة فى تكوينه النفسى والعاطفى، بينما لا يتوافر ذات الأمر للأمريكى الذى يعانى من عقدة التاريخ القصير، ويلهث وراء التراث فى كل مكان. إننى أكتب هذه الكلمات اليوم، كى أدلل على النقاط التالية:

أولاً: إن الإنسان هو الإنسان فى كل زمان ومكان، يفرح لما يسعده، ويحزن لما يؤدى إلى تعاسته. فالضحك لغة عالمية. والابتسامة مظهر إنسانى. والبكاء لا تختلف عليه الشعوب. والمذاق الحلو تلتقى عنده معظم الأذواق. وملح الطعام يكاد يكون قاسماً مشتركاً على موائد البشر. هذه دلالات صغيرة للمكون الأكبر- العقل الإنسانى الذى يبحث عن المصلحة، ويتجنب الضرر، ويتأرجح بين الإيثار والأنانية، وبين الشجاعة والجبن، بل إن المخلوقات البشرية وغير البشرية تفر من الخطر، وتسعى نحو الأمان.

ولقد اكتشفت من خلال تجوالى فى مناطق مختلفة من العالم أن «المحبة» مفتاح السحر بين البشر، وأن الكلمة الطيبة تمنع شراً، وتجلب خيراً، ورغم كل ذلك فإن هناك صفات تسود بين بعض الشعوب، فنحن نقول مثلا: إنه بريطانى متحفظ، وإن هذا أمريكى لا يهتم بالتقاليد، أما الرفيق الصينى، فلا يخلو أحياناً من غموض. إنها سنة الحياة وطبيعة البشر، ولقد جاء فى الذكر الحكيم «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا».

ثانياً: إن الذى أوحى لى بكتابة هذا المقال هو أننى عشت فى «الهند»، ولمست قدراً من الدهاء الطيب لدى الشعب الهندى، كما أوحى لى مؤخراً الاتفاق الإطارى المبدئى حول الملف النووى الإيرانى بأن «الفرس» لا يفتقدون الدهاء، ولا تنقصهم القدرة على المناورة، بل المراوغة أحياناً، وليس ذلك عيباً فى شعب معين، ولكنه يمكن أن يكون ميزة فيه وقيمة له، ونحن فى «مصر» نفتقد الدهاء السياسى، وتعوزنا إلى حد كبير مهارات التفاوض، خصوصاً فى القضايا التجارية والمالية. فالمصرى فلاح بفطرته، بينما الشامى تاجر بطبيعته، والمصرى مفرط الذكاء، ويتصور أن ذكاءه وحده هو الحل لكل المشكلات، وليس ذلك صحيحاً، فالعمل والجهد عاملان رئيسان لتحقيق الأهداف على المستوى الفردى والجماعى، وإذا كانت كلمة «فهلوة» اللصيقة بالشخصية المصرية لا تجد لها ترجمة فى كلمة واحدة فى كل لغات الأرض، فهى تعنى محاولة إحلال الذكاء أو التذاكى، بديلاً عن المجهود المطلوب فى أمر معين. وعندما أقف عند «ميكانيكى» السيارات أجدنى أمام العبقرية المصرية، فالعامل لا يخضع للتركيبة الفنية التى أمامه، ولكنه يحاول ابتكار حلول وعمل توليفة للإصلاح، وربما ينجح فى الوصول إلى ما هو أفضل، ولكن مشكلة المصرى الحقيقية هى أنه يفتقد النظام فى العمل والتنظيم فى استغلال الوقت مع الميل الدائم إلى الهزل أحيانا، حتى فى أوقات العمل. ولو أن المصرى تعلّم فلسفة العمل الجاد فى إطار الفريق الواحد، وأدرك فلسفة ذلك، وهى التى أدت إلى نجاح شعوب كثيرة بدأت معنا من نقطة البداية أو حتى بعدنا. لو أن المصرى تعلم ذلك ما تفوق عليه أحد.

ثالثاً: إن روح العصر، وتجارب الأمم، وتنافس الشعوب- قد أدت فى معظمها إلى احتدام الصراع فى أنحاء المعمورة، وبرزت بالتالى خصائص جديدة وصفات لم تكن معروفة لجماعات بشرية معينة، خصوصاً فى ظل التفوق الكاسح فى وسائل الاتصال وتكنولوجيا المعلومات، فالعالم الذى أصبح قرية كونية بمنطق «العولمة» هو ذاته العالم الذى لا تختفى منه حقيقة، ولا تحجب عنه معلومة، ولا يموت فيه خبر، لذلك فإن دراسة طبيعة الشعوب وخصائص الأمم لا تقف عند حدود علم «النفس السياسى»، ولكنها تتجاوز ذلك إلى استكشاف كافة العلوم والمعارف والآداب والفنون.

هذه نقاط سعينا لإبرازها والطرق على أبوابها، لأنها قد تكون مؤشراً لبعض مشكلاتنا وسبيلاً لفهم المعضلات التى تواجه المشهد المصرى الراهن.. ليت المصريين يتعلمون شيئاً من دهاء الشعوب الأخرى مع قدرة على المناورة التى تستخدم فيها الذكاء الفطرى فيما يفيد بدلاً من العبث المستمر والسخرية الدائمة. إننا أبناء أعرق الحضارات وأرقى الثقافات، ولا يجب أن نكون أبداً فى غير طليعة الأمم، بل نكون فى مقدمة الشعوب دهاء وذكاء وفطنة!.

arabstoday

GMT 07:04 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

كبير الجلادين

GMT 06:59 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

التغيير في سورية... تغيير التوازن الإقليمي

GMT 06:56 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أحاديث الأكلات والذكريات

GMT 06:55 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

هذه الأقدام تقول الكثير من الأشياء

GMT 06:51 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

هل مع الفيروس الجديد سيعود الإغلاق؟

GMT 06:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

سوريا... والهستيريا

GMT 06:46 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

لا يطمئن السوريّين إلّا... وطنيّتهم السوريّة

GMT 06:44 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

هيثم المالح وإليسا... بلا حدود!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دهاء الشعوب دهاء الشعوب



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 03:38 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
 العرب اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 14:00 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة بالروسي
 العرب اليوم - نيقولا معوّض في تجربة سينمائية جديدة  بالروسي

GMT 10:38 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

المشهد في المشرق العربي

GMT 07:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 15:07 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

كاف يعلن موعد قرعة بطولة أمم أفريقيا للمحليين

GMT 19:03 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

فيروس جديد ينتشر في الصين وتحذيرات من حدوث جائحة أخرى

GMT 13:20 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

برشلونة يستهدف ضم سون نجم توتنهام بالمجان

GMT 02:56 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

مقتل وإصابة 40 شخصا في غارات على جنوب العاصمة السودانية

GMT 07:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 08:18 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

مي عمر تكشف عن مصير فيلمها مع عمرو سعد

GMT 10:42 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

عواقب النكران واللهو السياسي... مرة أخرى

GMT 09:44 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

الصحة العالمية تؤكد أن 7 ٪ من سكان غزة شهداء ومصابين
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab