اللاجئ والوطن

اللاجئ.. والوطن

اللاجئ.. والوطن

 العرب اليوم -

اللاجئ والوطن

مصطفي الفقي

ارتبطت فى أذهاننا لعدة عقود كلمة اللاجئين بالشعب الفلسطينى ومنظمة إغاثته «الأونروا»، فإذا نحن الآن أمام شعوب عربية تصدّر اللاجئين والنازحين إلى «أوروبا» فى ظروف إنسانية مؤلمة جسّدتها «صورة طفل» فى الثالثة من عمره وقد قذفت به أمواج «البحر الأبيض المتوسط» إلى الشاطئ، بعد أن غرق المركب الصغير الذى يحمل المئات من الباحثين عن الحياة، هروبًا من جحيم الموت فى بلادهم التى لفظتهم إلى الشتات والضياع والتشرد، فى وقت توصد فيه بعض الدول الأوروبية أبوابها أمامهم، وسط جدل دولى صاخب يناقش قضية اللاجئين عمومًا ويوزع أعدادهم على الدول التى تسمح باستقبالهم، و«مصر» ليست دولة جديدة على استقبال مَن لجأ إليها، بل إنها «الكنانة» التى استضافت الثوار من أنحاء الدنيا، والملوك والرؤساء والحكام الذين لا يجدون مأوى، ومازلنا نتذكر طائرة شاه إيران «محمد رضا بهلوى» وهى تجوب الأجواء بين الأصدقاء والحلفاء عندما رفضه الجميع، بما فى ذلك «الولايات المتحدة الأمريكية» التى تخلت عن حليفها كعادتها، ولم تستقبله إلا «مصر السادات»، لأنها تفتح ذراعيها لكل ذى حاجة أو مَن يطلب اللجوء إليها أو النزول إلى أرضها الطيبة، والذين لا يقدرون مرارة كلمة (لاجئ)- خصوصًا إذا كان مواطنًا عاديًا، هو وأسرته وأطفاله هاربون من جحيم المعارك ونيران القنابل وبشاعة «الإرهاب»- لا يعرفون على الجانب الآخر معنى كلمة (وطن)، التى لا يدرك حقيقتها إلا مَن يفقد ذلك الكيان الغالى، وقديمًا قال حكيم: (الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى)، كذلك قال الشاعر العربى: (لا يعرف الشوق إلا مَن يكابده ولا الصبابة إلا مَن يعانيها)، ونتذكر هنا ما قاله أمير الشعراء: (وطنى لو شُغلت بالخلد عنه نازعتنى إليه فى الخلد نفسى)، وينطبق هذا القول على أولئك الذين يفقدون أوطانهم ويجدون أنفسهم وقد ضاقت بهم الدنيا ولفظتهم الأرض ورفضتهم الدول وهم يقفون على الأسوار الشائكة عند الحدود المغلقة، ولعل ما يحدث للشعب السورى الشقيق هو كارثة بشرية مروعة ومأساة إنسانية لم يكن أحد يتوقع حدوثها، فالشعب السورى كان يستقبل اللاجئين من «فلسطين»، وأحيانًا من «لبنان» و«العراق»، فإذا به اليوم يتحول من مضيف كريم إلى ضيف غير مرغوب فيه، و«السوريون» ليسوا أى شعب، لأنهم دعاة الوحدة وحملة لواء القومية منذ منتصف القرن التاسع عشر، إنه البلد الذى جزع أمير الشعراء أيضًا عند عدوان «فرنسا» عليه فى الربع الأول من القرن الماضى عندما قال: (لحاها الله أنباء توالت على سمع الولى بما يشق)، ومضى فى رائعته حتى قال: (وعز الشرق أوله دمشق)، ونحن هنا فى «مصر» لدينا ارتباط خاص بالشعب السورى،

فقد خضعنا معًا لحكم واحد مرتين، الأولى فى القرن التاسع عشر (1831- 1840) والثانية فى القرن العشرين (1958- 1961) فى عهدى التوسع المصرى بقيادة «محمد على» فى الأولى، و«جمال عبدالناصر» فى الثانية، ومازلت أتذكر ما قاله لى زملائى الدبلوماسيون الذين ذهبوا لإعادة فتح السفارة المصرية فى «دمشق» عند نهاية ثمانينيات القرن الماضى، وكيف أخذهم سائق «التاكسى» السورى عندما لاحظ لهجتهم المصرية إلى منزله مباشرة ضيوفًا لتناول طعام إفطار رمضان لديه وقد كانوا متوجهين إلى مطعم معروف، فإذا الحب السورى للمصريين يدفع ذلك المواطن العادى إلى قراره الذى يعكس متانة العلاقة بين البلدين وأصالة الشعب السورى الذى أصبح اليوم شعب الشهداء واللاجئين والنازحين، وليس المهم عندى مَن يحكم «سوريا»، ولكن الأهم هو أن تبقى «سوريا»، التى تنهشها الأطماع الإقليمية من «إسرائيل» إلى «تركيا» و«إيران»، وتعبث بأرضها جماعات إرهابية وحشية دمرت الآثار وعبثت بالتاريخ وزيفت الدين وسفكت الدماء وذبحت الأبرياء وهى تحاول طمس الهوية القومية لذلك البلد العريق، إذ إن «دمشق» واحدة من أقدم مدن الدنيا على الإطلاق، وهى شاهدة على كل عصور التاريخ المكتوب، وعندما أسمع عن «البراميل» المتفجرة تمطر الشعب السورى فلابد أن يصيبنى حزن بغير حدود، والعالم يلهو متفرجًا وقد يمصمص البعض الشفاه فى مواساة ظاهرية لا تقدم ولا تؤخر، ولعل المشهد المأساوى لمراكب الموت تمخر عباب «البحر الأبيض المتوسط» متجهة إلى المجهول، هربًا من الجحيم، هو تجسيد حى لمأساة الشعب السورى الأبى الذى احتضن «العروبة»، بعدما استقبل قبلها «المسيحية» و«الإسلام» على التوالى.

إننى أتطلع إلى دور مصرى قوى وفاعل يقود «الجامعة العربية» نحو موقف قومى موحد لإنقاذ «سوريا»، الدولة والوطن والشعب، خصوصًا أن سقوطها المحتمل وتقسيمها المنتظر لن ينعكس على «دول الجوار» وحدها، ولكنه سوف يفتح بوابة الأطماع الأجنبية فى الأرض العربية كلها بغير استثناء، ولاسيما أن الجهود الدولية لإنقاذ «سوريا» بطيئة وباردة، فى ظل وضع إقليمى متراجع بفعل الأحداث التى شهدتها المنطقة فى السنوات الأخيرة، ويجب ألا ننسى أن القهر والاستبداد والفساد هى الخلفية المعتادة لقيام الثورات وسقوط الأنظمة ووقوع المآسى والكوارث والنكبات.

يا إلهى كن مع الأطفال والأرامل والثكالى فى شعب يدفع ضريبة الحياة كل يوم عدة مرات، واحفظ لنا وطننا حتى لا نرى ذات يوم (لاجئًا مصريًا)، فالموت أهون وأرحم، فكل شىء يمكن تعويضه إلا الوطن يا رب العالمين!

arabstoday

GMT 08:25 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

دمامة الشقيقة

GMT 08:23 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

بشار في دور إسكوبار

GMT 08:17 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

سوريا الجديدة والمؤشرات المتضاربة

GMT 08:14 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

هجمات رأس السنة الإرهابية... ما الرسالة؟

GMT 08:13 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الشرق الأوسط الجديد: الفيل في الغرفة

GMT 08:12 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

ممرات الشرق الآمنة ما بعد الأسد

GMT 08:11 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الفنانون السوريون وفخ المزايدات

GMT 08:10 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الباشا محسود!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اللاجئ والوطن اللاجئ والوطن



الأسود يُهيمن على إطلالات ياسمين صبري في 2024

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 04:57 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة
 العرب اليوم - زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة

GMT 05:19 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

جنوب السودان يثبت سعر الفائدة عند 15%

GMT 19:57 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 09:06 2025 الخميس ,02 كانون الثاني / يناير

القضية والمسألة

GMT 09:43 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

استعادة ثورة السوريين عام 1925

GMT 09:18 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

الكتاتيب ودور الأزهر!

GMT 10:15 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

لماذا ينضم الناس إلى الأحزاب؟

GMT 18:11 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

النصر يعلن رسميا رحيل الإيفواي فوفانا إلى رين الفرنسي

GMT 18:23 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

حنبعل المجبري يتلقى أسوأ بطاقة حمراء في 2025

GMT 21:51 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

انفجار سيارة أمام فندق ترامب في لاس فيغاس

GMT 22:28 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

27 شهيدا في غزة ومياه الأمطار تغمر 1500 خيمة للنازحين

GMT 19:32 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

صاعقة تضرب مبنى الكونغرس الأميركي ليلة رأس السنة

GMT 10:06 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

صلاح 9 أم 10 من 10؟
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab