«ماكرون» خير معبّر عن السياسة الفرنسية صاحبة المواقف المرنة تجاه الأضداد في كل أطراف أي صراع.
باستثناء الرئيس التاريخي الزعيم شارل ديغول كانت سياسة فرنسا الخارجية قائمة على اللعب على كل الحبال الدبلوماسية والجلوس على كل الموائد طالما أن هناك «طيبات» متوفرة على المائدة.
كتب الرئيس ديغول في مذكراته: «هناك مواقف في الحياة لا ينفع فيها مطلقاً إمساك العصا من الوسط». ويضيف: «مثلاً في حال احتلال أراضي الوطن من قبل محتل، كيف يمكن للإنسان أن يكون محايداً».
طبق ديغول ذلك على نفسه قبل أي إنسان حينما رفض حكومة «فيشي» العميلة وناضل على رأس حكومة فرنسا الحرة حتى تحقق التحرير.
غير ذلك، فمواقف السياسة الخارجية الفرنسية فيها تضارب يصل حد الانتهازية المتعمدة.
في احتلال الجزائر، كانت الوعود بالاستقلال تتم في الوقت ذاته الذي تزداد فيه دفعات قوات الاحتلال.
في الحرب الباردة كانت فرنسا عضواً في حلف شمال الأطلسي المعادي للاتحاد السوفييتي، لكنها كان تفتح قنوات التواصل مع موسكو.
في إنشاء إسرائيل كانت وزارة الدفاع الفرنسية هي من أسس أول مفاعل نووي إسرائيلي في ديمونة، في الوقت الذي كانت الاتصالات بين الرئيسين ديغول وعبد الناصر على قدم وساق.
في حرب العراق – إيران، كانت شركات السلاح الفرنسية تبيع سلاحاً لبغداد وطهران في آن واحد.
في الحرب الأهلية اللبنانية، كانت فرنسا التي تسمى «الأم الرؤوم للبنان» تبيع وتشتري كل فرقاء هذه الحرب.
الآن، وبعد 7 أكتوبر الجاري خرجت فرنسا منذ الحلقة الأولى مدافعة عن «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها إزاء الأعمال الوحشية لحركة حماس الداعشية» على حد وصفهم.
والآن وأثناء زيارة ماكرون للمنطقة تحدث الرجل عن ضرورة إنشاء تحالف إقليمي ودولي لمقاومة الإرهاب، ثم عدل ذلك حينما كان مع الزعماء العرب، وقال إنه يدعو لتحالف من أجل السلام.
إن مبدأ «أعطِ كل طرف ما يحب أن يسمع وكل ما يرتاح إليه عقله وضميره» هو تلاعب دبلوماسي لا يؤدي إلى نتائج حقيقية أو واقعية في الوصول لحلول عملية برعاية أو مشاركة فرنسية.
إن فرنسا، الدولة العظمى، وإحدى الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، والعضو في حلف شمال الأطلسي، والقائدة في الاتحاد الأوروبي، وأحد أهم عشر قوى مسلحة في العالم، والعضو في النادي النووي، أصبحت في العقد الأخير دولة هامشية في التأثير الدولي والإقليمي.
فشل ماكرون في الوساطة في الحرب الروسية الأوكرانية، وفشل في الوساطة في إقناع إيران بالتوقيع على النسخة الثانية من الاتفاق النووي، وفشل في حلحلة ملف العقوبات الأمريكية التجارية على الصين، وفشل في إقناع الفرق في لبنان بصيغة اختيار رئيس جديد، وحكومة مستقرة.
جزء أساسي، ومكون رئيس من ممارسة سياسة مؤثرة إقليمياً ودولياً يعتمد على حجم الثقة ومنسوب المصداقية التي تتوفر لأي شخصية عالمية تسعى للعب دور مهم.
للأسف إيمانويل ماكرون يعاني من أزمة كبرى في هذا المجال.