فرضت الظروف، وفرض الصراع، وفرضت جغرافيا الموقع الاستراتيجي، أن تكون الأردن بين كفي صراع ساخن يتخذ شكل مواجهة عسكرية بين إيران وإسرائيل.
صراع تدرك الأردن جيداً أنه «نوع من الصراع الإقليمي» على مراكز النفوذ في العالم العربي. صراع تدرك الأردن أنه بين يمين ديني متطرّف في إسرائيل، ويمين ديني متطرّف في إيران. صراع تدرك الأردن أنه يبدو ـ ظاهرياً ـ مرتبط بالحرب في غزة، لكنه واقيعاً وتاريخياً منذ أن بدأت دولة ولاية الفقية في طهران عام 1979 في تطور وتدهور على مرّ السنوات، خاصة بعد تمدّد إيران في مشروع الهلال الشيعي.
إيران تريد السيطرة عبر الإسلام السياسي في الأردن على السلطة. وإسرائيل تريد عبر التهجير القسري لسكان فلسطين التاريخية تحويل الأردن إلى «الوطن البديل» للفلسطينيين، وهو مشروع قديم حديث يعاد «تدويره سياسياً» الآن على لسان بن غفير وسموتريتش وتيارهم المتطرف.
والحكمة كل الحكمة ألاّ تتورط الأردن في هذا الجنون المدمّر الدائر بين طرفي هذا الصراع.
الحكمة كل الحكمة، أن لا تشارك الأردن في أي من المشروعين سواء الإسرائيلي أو الإيراني.
من هنا، لا تريد الأردن أن تستخدم أراضيها كنقطة انطلاق أعمال عسكرية ضد إيران أو أهداف لقوى متحالفة معها، سواء في العراق أو سوريا أو لبنان.
ومن هنا أيضاً لا تريد الأردن أن تستخدم أراضيها أو مجالها الجوي في أعمال عسكرية إيرانية ضد إسرائيل أو العكس.
لا تريد الأردن جنون الإيراني، ولا تريد جنون الإسرائيلي.
ببساطة، لا تريد أن تدفع فاتورة حرب أو صراع لا تريده أو ليست طرفاً فيه وليست مستفيدة منه.
ونقول لهؤلاء «جنرالات منصات (اكس) و(فيس بوك)» الذين يلومون الأردن على تعامل أنظمة دفاعها مع الصواريخ الإيرانية التي اقتحمت مجالها الجوي كي تمر عبر أراضيها متجهة إلى إسرائيل الآتي:
في حال مثل هذه العمليات العسكرية، أو أي عمليات عسكرية، في أي حروب، بين أي أطراف، في أي زمان ومكان، فإن مرور صواريخ دولة أخرى داخل المجال الجوي لدولة ثانية، لا يتم وفق القانون الدولي، وقوانين الحرب، والاتفاقيات الدولية التي نشأت عقب الحرب العالمية الثانية، إلا باتفاقيات مشتركة وبروتوكولات تعاون عسكري واضحة عن طريق إذن مسبق.
في هذه حالة إذا سمحت الأردن تصبح ـ حكماً ـ وفعلياً شريكاً مباشراً في الحرب، وطرفاً فعّالاً يمكن لإسرائيل أن ترد عليه وتتدخل عسكرياً ضدّه لمنع مرور هذه الصواريخ أو الطائرات المسيّرة المعادية لها.
الحكم السياسي والتصوير الاستراتيجي هنا عند الأردن ليس منظور «نحن مع من ضد من»، ولكن تقدير الأمور يعتمد على قرار رئيس «هل تريد الأردن أن تكون بأي شكل من الأشكال متورطة في هذا الصراع؟ وهل مشاركتها «مع أو ضد» يخدم مصالحها ومصالح شعبها؟
هنا يأتي السؤال الافتراضي جداً، وهو هل إذا سمحت الأردن للصواريخ والمسيّرات العسكرية الإيرانية بالمرور دون اعتراض، وقامت إسرائيل جواً وبحراً وبراً – لا قدّر الله – بالاعتداء على أراضي وشعب الأردن، فهل كانت إيران ستهب للنجدة، أم ستقف موقف المشاهد مثلما حدث مع كل عمليات التدمير التي قامت بها إسرائيل ضد أراضي وشعب لبنان الصبور؟
قليلاً من التعقّل والحكمة والمنطق في هذا الزمن الشعبوي المجنون!