ماذا تعنى القرارات الملكية السعودية الأخيرة التى أصدرها الملك سلمان بن عبدالعزيز؟
لا بد من الفهم العميق، والتحليل التفصيلى لهذه القرارات حتى يعرف المتابع أنها ليست مجرد تعديلات إدارية روتينية، لكنها ذات أبعاد مدروسة لها علاقة ارتباطية بتحديات حالية، وأخرى مقبلة يتعين على «الرياض» أن تتعامل معها وتواجهها.
القرار الملكى يقضى بإعادة تشكيل مجلس الوزراء السعودى برئاسة الملك واستمرار الأمير محمد بن سلمان فى كافة أدواره السابقة مع استمرار احتفاظه بحقيبة وزارة الدفاع ورئاسته للمجلس الاقتصادى الاجتماعى، وهو ذلك الهيكل الإدارى الذى يخطط ويتابع خطط الإصلاح المعروفة بخطة 2030.
ثانياً: يلفت النظر تعيين إبراهيم العساف فى منصب وزير الخارجية فى ذلك الظرف السياسى الخارجى الدقيق الذى عمل وزيراً للمالية منذ عام 1996 فى ظل 3 ملوك: فهد، وعبدالله، وسلمان.
و«العساف» لمن لا يعرف، حاصل على الدكتوراه فى الاقتصاد من جامعة كولورادو، والماجستير من جامعة دنفر، وهو يعرف العقلية الأمريكية عملياً ونظرياً جيداً.
ويرتبط «العساف» بعلاقات عمل ويكتسب احتراماً كبيراً مع كثير من الشركاء الغربيين فى عواصم مثل واشنطن ولندن وباريس وبرلين، كما أنه يعرف جيداً العديد من الشركاء التجاريين فى موسكو وبكين ونيودلهى، وكثير من المؤسسات الدولية العالمية.
هذه العلاقات، بالإضافة إلى قدراته التفاوضية الصلبة ونجاحاته فى إبرام الاتفاقات والتوصل إلى نتائج نهائية فى قضايا تبدو صعبة أو شبه مستحيلة، تجعله شخصية مقبولة ومرحباً بها فى هذا المنصب.
ولا بد أن نقول، وبصراحة إن أزمة اغتيال الزميل خاشقجى كانت لها آثار سلبية فى شكل التعاملات والكيمياء البشرية بين المسئولين عن السياسة الخارجية فى واشنطن ودول الاتحاد الأوروبى ونظرائهم السعوديين من الجانب الآخر.
شىء ما «انخدش» فى بلّورة العلاقات مما جعل وأوجب ضرورة تغيير الوجوه فى ظل ضرورات تغيير طبيعة العلاقات.
المتوقع أن تدخل العلاقات السعودية - الأمريكية مرحلة دقيقة وصعبة فى النصف الأول كله من العام الجديد، بعد تغييرات مجلس الشيوخ والنواب وتغيير كثير من أركان إدارة الرئيس «ترامب» بسبب كثرة الاستقالات والإقالات.
ولا يخفى على الجميع أن ترامب الضعيف أو المهدد دائماً بتقرير لجنة «موللر» للتحقيقات هو فى أصعب وضع يمكن فيه أن يدعم أصدقاءه فى الحكم بالرياض.
إذن، نحن فى عالم جديد، له قواعد جديدة، مجتمع مأزوم ومتوتر وشديد السيولة، لذلك يحتاج -بالضرورة- إلى وجوه جديدة تتصدى للتحديات المقبلة.
ومن الحكمة فى القرار أن يستمر الاحتفاظ بالوزير عادل الجبير، الذى دفع فاتورة أزمات عديدة ليس مسئولاً عنها، كما أن خبرة الجبير فى الملف الأمريكى عميقة وقديمة منذ أن عمل كدبلوماسى لسنوات طويلة وسفير لبلاده فى واشنطن.
ويجب ألا يغيب عن الأذهان أن مجال التخصص العميق لعادل الجبير فى الشأن الأمريكى هو مجلس الشيوخ والنواب والخارجية الأمريكية، وهى خبرة يجب الاستمرار فى الاستفادة منها والبناء عليها.
ثالثاً: نلاحظ فى التشكيل وجود 3 من أعمق وأفضل «التكنوقراط الإداريين» المتخصصين فى شئون الحكم والذين يعرفون كيفية تسيير شئون الدولة بين الديوان الملكى وديوان ولى العهد من ناحية، ومجلس الوزراء وبقية أجهزة الدولة من ناحية أخرى، وهم: مساعد العيبان وخالد العيسى، ومطلب النفيسة.
وهم بلا شك ضمانة مهمة لتسيير عمل الدولة.
رابعاً: تعيين تركى آل الشيخ رئيساً لهيئة الترفيه، وهو نوع من الترفيع له، وتعزيز لدوره بعد النجاح الواضح الذى حققه فى كافة مجالات الرياضة من ناحية التطوير والدعم والنجاح فى النتائج المحلية والإقليمية والدولية، كما أنه نجح فى تحقيق الإصلاح فى مجال الرياضة بمعناه الواسع والمتطور بشكل يتعدى التركيز على كرة القدم وحدها.
ويأتى آخر إنجازاته فى البطولة الدولية للشطرنج، ولعبة السلاح، والسلة، والبولو، وانطلاق أول سباق عالمى «للفورميللا آى».
ويجب عدم نسيان نجاح الرجل فى حل مشكلات الأندية المالية والإدارية وتطعيمها بأفضل اللاعبين الدوليين والوصول لكأس العالم لكرة القدم فى موسكو وحصول فريق الشباب على بطولة آسيا.
والمتوقع أن تتحول هيئة الترفيه التى تم تأسيسها فى عام 2016 فى المرحلة المقبلة إلى مركز تطوير حضارى جاذب يجعل من المملكة نقطة تنوير فى مجالات الفكر والثقافة كافة.
القرارات الملكية الأخرى لوحظ فيها أن متوسط أعمال التعديلات فى أمراء المناطق كلها تدخل فى مرحلة سنية شبابية، تجعل الجيل الأغلب فى مراكز صناعة القرار هو جيل الأمير محمد بن سلمان.
وكان من اللافت تعيين سيدة فى منصب نائبة لوزير التجارة لأول مرة.
ملخص كل ما حدث ويحدث أن الرياض قد أعدت نفسها من خلال رؤية واضحة ومبصرة من الملك سلمان لتحديات جديدة فى الداخل والمنطقة والعالم بتطوير هياكلها ورجالاتها التنفيذيين لتحقيق حلم الإصلاح الذى يقوده ولى العهد السعودى، والذى جاءت كل القرارات الأخيرة لتدعمه بقوة من ناحية الشكل والمضمون، وبالأدوات وبالرجال الذين يدعمون توجهاته.
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع