علمني الحوار مع الأستاذ سلطان بن سليّم أن «قوة المبادرة والتفكير الإبداعي» أقوى من «قوة الثروة والمال».
أعظم ترجمة لهذه الحكمة هي تجربة «موانئ دبي العالمية» («دي بي ورلد»)، التي أصبحت تدير بكفاءة نادرة أكثر من 74 نقطة شحن وتفريغ ونقل وتوزيع في هذا العالم.
وتمثل هذه الهيئة مصدراً رئيساً من الدخل للاستثمار المباشر في الإمارات بحجم عمليات يتجاوز 80 مليار دولار.
استطاع سلطان بن سليّم أن يكوّن فريقاً يهدف إلى أن يكون جزءاً من الحل، وليس مستسلماً أمام المشكلة، يعتمد على التعلم من المشكلات وتراكم الخبرات اليومية في التفاصيل.
105 آلاف موظف، وإداري، وعامل، لديهم فهم واضح وصريح لتوجيه استراتيجي من الإدارة العليا لا لبس ولا اعتذار فيه، يقول: «أنت هنا كي تحقق أرباحاً وتنمي مصادر الشركة».
وحتى يتم تحقيق هدف الربح، لا بد من التميز، والتميز يأتي من المبادرة، والمبادرة تأتي من الفهم لطبيعة المشكلات وإيجاد حلول إبداعية.
في العمليات اللوجستية يصبح الهدف هو ألا تقف الجغرافيا أو الأجواء، أو الطرق أو التعقيدات الإدارية، عائقاً أمام تحقيق الأهداف في عمليات النقل للبضائع وتأمين السلع أياً كانت.
عمليات النقل هي رحلة من الصانع المصدّر إلى المستهلك المستورد.
وحتى ننجح، لا بد أن تصل السلعة، أياً كانت، بأسرع وقت، في أفضل جودة، بأقل تكاليف.
من هنا تقوم «موانئ دبي» بتأمين وصول الموالح المصرية إلى أفريقيا، والقمح والحبوب إلى الهند، وتوجد في بيرو، والبرازيل، وبريطانيا، وكندا، وأهم عواصم أفريقيا، وفي جدة، والجزائر، والمغرب، والصومال.
وكي تحقق «موانئ دبي» هذه الأهداف، فهي تستخدم أقوى وسائط النقل والشحن المتعددة من الطائرة إلى ناقلة الحاويات البحرية، إلى أكبر شبكة قطارات (في الهند)، إلى شاحنات السيارات (التريلا) وصولاً إلى إيصال بعض السلع على الدراجات البخارية.
أهم ما يميز هيئة «موانئ دبي» عقليتها الإدارية المرنة والمبدعة في إيجاد حلول عملية وفورية ليس بعقلية الناقل التقليدي، ولكن بمفهوم أن تضع نفسها في موقع مصلحة العميل الذي يريد، سواء أكان مصدّراً أم مستورداً، أن تصل سلعته أو تجارته في أسرع وقت بأفضل جودة وأقل تكاليف.
استطاعت هيئة «موانئ دبي» أن تحقق ذلك من خلال التفكير خارج الصندوق بأفكار إبداعية غير تقليدية، منها وأهمها أنها اختصرت عمليات النقل التي كانت تعمد أوروبا، رغم بُعد المسافة والوقت وارتفاع التكاليف، إلى إنشاء خطوط مباشرة عبر أفريقيا، فاستطاعت بذلك أن توفر 40 % من «الوقت»، ومن 20 إلى %25 من التكاليف.
استثمرت «موانئ دبي» في أحد مشاريعها 6 مليارات دولار كي توسع شبكة التوزيع، واستحوذت على أفضل الشركات المحلية والوكلاء، وربطت كل هؤلاء بنظم حاسوب خوارزمية حديثة تختصر الإجراءات والبيروقراطية، وتوفر قاعدة معلومات دقيقة ومفصلة تسهل الإدارة العملية المؤدية للقرارات الصحيحة السريعة.
هذه هي «دبي» محمد بن راشد آل مكتوم، التي أصبحت نموذجاً يقوم على حكمة «إذا تعلمت جيداً أصبحت معلماً».