بقلم - عماد الدين أديب
من أكثر الشخصيات السياسية عمقاً في فهم الدبلوماسية العالمية وقانون الفعل ورد الفعل في عالم اليوم المضطرب هو معالي الدكتور أنور قرقاش.
بالأمس حضرت ندوته القيّمة في منتدى الإعلام العربي، حيث حاورته فيها الزميلة الأستاذة لارا نبهان.
وتوقفت طويلاً أمام مصطلح ردّده د. أنور، وهو مصطلح الوضع «الجيواقتصادي» في المنطقة والعالم.
اعتدنا أن نسمع عن الوضع الجيوسياسي، وهو ما تفرضه الجغرافيا السياسية على سياسات وسلوك الدول.
وكان أستاذنا الدكتور جمال حمدان يقول: «إن الجغرافيا تصنع التاريخ الإنساني وتعتبر العنصر الحاكم في سياسات الدول على مر الأزمنة».
أما ما أشار إليه د. أنور قرقاش في عبارة الوضع «الجيواقتصادي»، فهو يشير إلى مصطلح جديد ظهر عام 1990، تم استخدامه في تحليلات الاقتصاد الأمريكي، ويعني ارتكاز نظام سياسي على تركيبة حاصل قوته الاقتصادية في ظل تركيبة إقليمية لوقائع وقوى اقتصادية.
والوضع الجيواقتصادي يتأثر بمواد الأرض التي يمكن استخدامها لأغراض اقتصادية أو صناعية، مثل النفط والغاز والفحم والمياه والليثوم واليورانيوم وما شابه.
من هنا، يدرك د. قرقاش أن العالم المأزوم الذي نحياه، الذي يعاني من أزمات اقتصادية وصراعات كونية، ويعيش الآن في مرحلة إعادة تشكيل لمراكز القوى العالمية بين الشرق والغرب، بعدما أصبح مركز الولايات المتحدة في صدارة العالم مُهدداً، يحتاج إلى المشاركة الإيجابية للإمارات والخليج والعرب في النسق الجديد الذي يتم إعادة تشكيله.
من هنا يفسّر د. قرقاش الدور الإماراتي النشط في أداء دور فعّال في المسارات اللوجستية لنقل الطاقة والبضائع والتجارة، وأيضاً أداء دور فعّال غير متأثر بالانحيازات أو الأهواء السياسية في أكبر تجمّعات العالم.
من هنا يمكن فهم مشاركة الإمارات في أداء دور في طريق الحزام الصيني، وفي الدفع بمشروع الممر الاقتصادي الذي تمّ الإعلان عنه مؤخراً في الهند.
إنها رؤية عملية براغماتية تقوم على التفكير السياسي الإبداعي الذي يهدف إلى تعظيم المصالح والمنافع الاقتصادية.
وإذا كانت قيادة الإمارات قد كرّمت د. قرقاش بأن أطلقت اسمه على أكاديمية وزارة الخارجية للعلوم الدبلوماسية، فإن الرجل بإسهاماته الثرية يستحق ـ هو نفسه ـ أن يكون أكاديمية متنقّلة.