في خطوة هي الأولى من نوعها في تاريخ الحياة التشريعية الأمريكية، تم عزل رئيس مجلس النوّاب.
جاء قرار عزل كيفن ماكارثي، وهو سيناتور جمهوري من كبار النواب المخضرمين من ذوي المواقف المبدئية، بعد تصويت تم بسرعة إجرائية غير مسبوقة في مجلس النواب بعدد أصوات 216 لصالح حجب الثقة مقابل معارضة 210 أصوات معارضة.
ما جريمة السيناتور ماكارثي؟
لم تكن تهمة الرجل فضيحة جنسية، أو تورّط في رشوة فساد، أو تجاوز سلطاته التشريعية، أو التخابر مع دولة أجنبية، لكنها كانت «التفاوض مع نواب الحزب الديمقراطي للتوصل لاتفاق حول إيجاد صيغة من أجل استمرار عمل الحكومة بالوفاء بالتزاماتها الإدارية والمالية».
في النظام التشريعي الأمريكي، هناك نصوص وعُرف سياسي مستقر يقول إنه في حالة عرض الموازنة المقترحة من الحكومة القائمة، وهناك اعتراض على القبول بنسبة العجز المالي المسموح به للإنفاق، يتم إيقاف أو تجميد الموازنة، وبالتالي يتم إيقاف الدعم من واشنطن للولايات، وتجميد دفع الأجور والرواتب وأي مصروفات حكومية لحين إقرار الموازنة.
وكان هدف التيار المتشدّد داخل الحزب الجمهوري المعارض هو الوصول إلى هذه الحالة من أجل الضغط السياسي على إدارة بايدن في ظل سخونة معركة الرئاسة الأمريكية.
واستخدم النائب الجمهوري «مات غايتس»، الذي قاد الانشقاق ضد ماكارثي، حجة أن الرجل سهّل استمرار التمويل من أجل استمرار دعم أوكرانيا.
كان ماكارثي من هؤلاء الذين يؤمنون بأن مصالح الوطن العليا وحقوق المواطنين الذين يعتمدون في تكاليف حياتهم على تمويل وإنفاق الدولة هو الهدف الذي يجب أن يعلو ولا يُعلى عليه.
باختصار، كان ماكارثي يرى أنها مسألة تعلو أي صراع حزبي أو أي ضغوط انتخابية.
تم تهديد ماكارثي من قبل التيار المتشدّد في حزبه الجمهوري بأنه في حال انخراطه في حالة التفاوض مع الديمقراطيين وإنجازه لاتفاق حل وسط فإنه سيتم عزله.
تم التوصل بالفعل إلى استمرار العمل بالموازنة مؤقتاً حتى النصف الثاني من نوفمبر المقبل، وتم عزل الرجل بعد هذا الاتفاق بستة أيام.
نواب الحزب الجمهوري اعتبروا ما فعله الرجل خيانة وعاراً لهم، والنواب الديمقراطيون سعدوا بالتخلّص منه.
وتم اعتبار مقعد رئيس مجلس النواب ممثل الأغلبية الجمهورية خالياً لحين انتخاب رئيس جديد.
قال ماكارثي: «إنني فعلت ما يجب عليّ أن أفعله من أجل خدمة مصالح الناس».
اختار ماكارثي ببساطة موقف «الضمير الوفي» على موقف اللاعب السياسي الحزبي.
بالطبع يمكن القول إن أحد أسباب العداء لماكارثي أنه من كبار المؤيدين للرئيس السابق دونالد ترامب وتصريحاته العلنية.
قال ماكارثي: «إن القيام بالشيء الصحيح ليس بالسهل أبداً، لقد نشأت على حل المشاكل وليس خلقها».
هكذا لعبة السياسة الأمريكية، أنصارك يبيعونك، وأعداؤك -حتى لو اتخذت موقفاً أخلاقياً عابراً للسياسة معهم- يفرّطون فيك بسهولة!