عماد الدين أديب
تضيعين مني مثلما يضيع السراب من حدقة العين!
أفقدك، وأفتقدك، وأفقد وجودي من دونك.
أبكيك بكاء اليتيم الذي أدرك أنه لن يرى أمه مرة ثانية!
أراك في مشهد جنائزي مهيب فيه ملايين المعزين، بينما السماء تمطر دموعا ملتهبة تحرق ظهورهم!
تقف في حنجرتي الكلمات مثل شفرات الحلاقة وتخرج الدماء من فمي على هيئة حروف مبعثرة لا تعرف أي ترتيب منطقي.
كل شيء فيك الآن يفقد معناه، تضيع منه قيمته، تهرب منه مصداقيته.
أين أنت يا حبيبتي القديمة، يا عريقة عراقة الزمان والمكان، يا أزلية الوجود، يا لا نهائية الحدود، يا معشوقتي الأولى والأخيرة.
أسير وحدي هائما في المدن الغريبة، أبحث في وجوه المارة عن وجه يشبهك فلا أجد ملامح رائعة مثل قسمات وجهك!
أسأل المارة هل رأيتم حبيبتي؟ هل رأيتم صاحبة هذه الصورة؟ هل رأيتم من علم الناس الخير والحب والجمال؟ هل رأيتم بديعة المكان وفاتنة الزمان؟
أتوسل إليكم أعيدوها لي كما كانت!
أقبل أحذيتكم، خذوني إليها حتى لو كان ذلك على جناحي طائر من نار!
خذوني إلى معشوقتي الأولى والأخيرة التي ليس قبلها قبل وليس بعدها بعد.
هي البدايات والنهايات، هي الحروف والكلمات، هي النور والهواء، هي أبجدية التاريخ ومساحات الجغرافيا، هي الهواء الشاغر المعبأ بحبها!
مفتون أنا بها، مجنون أنا بوجودها، فقدت كل ملليمترات الصواب الباقية في عقلي بعد رحيلها!
بالله عليكم أنقذوني من جريمة الانتحار بضفائرها، أنقذوني من أن أدفن نفسي حيا بين رموش عينيها!
بالله عليكم لا تتركوني وحدي بعدما فقدت كل رفاقي وأنصاري وأحبائي!
بالله عليكم، ساعة الزمن تدق ليل نهار في رأسي بصوت هيستيري معلنة نهاية حياتي بعدما ضاع مني أعز ما أملك.
يا رفاقي ضاع مني وطني. ضاعت مني حبيبتي.. مصر!
لذلك سوف أستمر حزينا أتخيل أن حياتي الباقية كلها سرادق عزاء أتلقى فيه تعازي الأصدقاء في بلادي.
نثلا عن جريدة الشرق الاوسط