الأكثريّةُ أرْخَبيلٌ والأقليّةُ جزيرة

الأكثريّةُ أرْخَبيلٌ والأقليّةُ جزيرة

الأكثريّةُ أرْخَبيلٌ والأقليّةُ جزيرة

 العرب اليوم -

الأكثريّةُ أرْخَبيلٌ والأقليّةُ جزيرة

سجعان قزي
بقلم : سجعان قزي

رَبِـحْتم، ربِّـحوا البلد. خَسِرتُم، لا تُـخَسِّروا البلد. عظمةُ الديمقراطيّةِ أنّها تساوي في المسؤوليّةِ الرابِـحين والخاسِرين. للأوّلين تَقول الديمقراطيّةُ: "كونوا متواضِعين في انتصارِكم وحُكْمِكم"، وللآخرين: "كونوا نبلاءَ في خَسارتِكم ومعارضَتِكم". لحظةُ الانتصارِ أربعٌ وعشرون ساعةً تتبدّدُ بعد النشوة، ولحظةُ المسؤوليّةِ أربعُ سنواتٍ تبقى للمحاسَبةِ أربعينَ سنة. لا تَبحثوا عن الأكثريّةِ الفعليّةِ في المجلسِ النيابي، فهي موجودةٌ في مكانٍ آخَر، في الّذين قاطَعوا الانتخابات.
الفائزون والخاسرون في انتخاباتِ 15 أيار يُمثّلون معًا نحو 41% فقط من الشعب، بينما المقاطعون يُمثّلون وَحدَهم نحو 59%. لكنَّ دورَ المجلسِ النيابيِّ الجديدِ ــــ وهو كاملُ الشرعيّة ــــ أن يُجسِّدَ صوتَ المقترِعين وصوتَ المقاطِعين لأنَّ المقاطعةَ هي صوتٌ مُمتَنعٌ. المقترِعون والمقاطِعون يَنتمون إلى الاتّجاهاتِ السياسيّةِ ذاتِها. طرفٌ فَضَّلَ التعبيرَ عن موقفِه اقتراعًا وآخَرُ ارْتأى التعبيرَ عنه امتناعًا. ليس هذا الواقعُ سِمةَ الحياةِ السياسيّةِ اللبنانيّةِ وحدها، فهو يَنتشرُ في غالِبيّةِ الديمقراطيّاتِ الذابِلةِ حيث الشعوبُ لا تأمَلُ جديدًا من أنظمتِها.
الثابتُ أن المشاركةَ في الاستحقاقاتِ الانتخابيّةِ هي الفعلُ الديمقراطيُّ الصحيح، لكنْ حين تتجاوزُ نسبةُ المقاطعةِ نسبةَ المشاركةِ يكونُ هناك فِقدانُ ثقةٍ بالِقوى المتنافِسةِ ومُرشَّحيها، أو خَللٌ في قانونِ الانتخابِ، أو عُطلٌ في تطبيقِ النظامِ الديمقراطيّ، أو عَطَبٌ في هيكلِ الدولة، فتتّخذُ المقاطعةُ حينئذ صِفةً شرعيّةً وتصبحُ جُزءًا من الحالةِ التمثيليّة. اللبنانيّون يعانون من جميعِ هذه الأعطال ويتزايدُ شعورُهم بصعوبةِ التغييرِ الوطنيِّ من خلالِ الوسائلِ التقليديّةِ ومؤسَّساتِ النظام لأنَّ الصراعَ بات على النظامِ وعلى الديمقراطيّةِ، ولأن المؤسّساتِ الدستوريّة، بل القائمين عليها يَنظرون إلى ما يجري كشهودِ زورٍ، وبعضُهم يشاركُ في الانقلابِ على الدولةِ والشرعيّة. نحن في أزمةٍ وطنيّةٍ عميقةٍ تفوقُ التمثيلَ النيابيَّ، وتَتخطّى معادلاتِ الأكثريّةِ والأقليّةِ، خصوصًا أنَّ بعضَ أطرافِ الصراع يَرفض قواعدَ الديمقراطيّة، والبعضَ الآخَرَ يقاربُ الأزْمةَ الوطنيّةَ بذهنيّةِ التسوياتِ البائدة.
من هنا أَنَّ النتائجَ النهائيّةَ للانتخاباتِ النيابيّةِ لن تُعرَفَ قبلَ تشكيلِ الحكومةِ الجديدة، فهل تُقْدِمُ الأكثريّةُ وتؤلِّفُ حكومةً من كُتلِها فقط أم "تَتقبَّلُ" حزبَ الله وحلفاءَه فتَفقِدُ مفعولَ انتصارِها وتُجهِضُ مفهومَ تداولِ السلطة؟ ولن تُعرَفَ النتائجُ النهائيّةُ للانتخاباتِ النيابيّةِ أيضًا قبلَ انتخاباتِ رئاسةِ الجمهورية. فرِهانُ المواطنين الأساسيُّ أنْ يَتمكّنَ المجلسُ النيابيُّ الجديدُ من أن يَنتخِبَ رئيسًا جديدًا للجُمهوريّةِ في الموعدِ الدُستوريِّ ـــ ورُبّما قبلَه ـــ يَحِملُ نهجًا وطنيًّا مختلِفًا ويقودُ، مع مجلسِ الوزراءِ وقادةِ البلاد والمجتمعِ الدُوليِّ، عمليّةَ إنقاذِ لبنان وطنيًّا واقتصاديًّا ويُنهي حالةَ التمرّدِ على الدولة. قُدرةُ المجلسِ على هذا الأمرِ تَتوقّفُ على مدى قدرةِ الأكثريّةِ المعارِضةِ الفائزةِ على الاتّحادِ في جَبهةٍ مُوحَّدةٍ. كان مُهِمًّا أن تَستعيدَ قوى السيادةِ والتجديدِ الأكثريّةَ النيابيّةَ، لكنَّ الأهمَّ أن تَستعيدَ القرارَ الوطنيَّ فالوطن. لا قيمةَ لانتصارِ الأكثريّةِ الجديدةِ ما لم تَتلاقَ وتَتصالح وتَعترف ببعضِها البعض، خصوصًا أنَّ غالِبيّةَ مكوّناتِها تَتقاسمُ المبادئَ الوطنيّةَ والإصلاحيّة. خلافَ ذلك ستَبقى الأكثريّةُ الجديدةُ مجموعةَ أقليّاتٍ معارِضَةٍ وتُصبحُ الأقليّةُ النيابيّةُ هي الأكثريّةَ الفِعليّة. فحين يَتفرّقُ المنتصرِون ينَتصرُ الخاسرون. وأوّلُ تعبيرٍ عن ذلك هو اتّجاهُ الأكثريّةِ النيابيّةِ إلى خسارةِ أُولى معاركِها مع تجديدِ انتخابِ الرئيسِ نبيه بريّ لغيابِ مرشَّحٍ شيعيٍّ آخَر، ولِـمَيلِ بعضِ مكوِّناتِها (كُتلةُ جنبلاط مثلًا) إلى انتخابِه.
لقد وفّرت الانتخاباتُ فرصةً جديدةً للتغييرِ السياسيِّ، وأكّدت حيويّةَ هذا الشعبِ وتصميمَه على مواجهةِ محاولاتِ تغييرِ هُويّتِه الاجتماعيّةِ والوطنيّة. لكنَّ المرجَّحَ ألّا تَنحصِرَ معركةُ التغييرِ في أروقةِ المجلسِ النيابيِّ فتَفيضَ إلى الساحاتِ والشوارع. المواقفُ التي صَدرت بُعيدَ إعلانِ نتائجِ الانتخاباتِ تَكشِفُ أنَّ فريقَ 08 آذار لا يعترفُ بالواقعِ السياسيِّ الجديدِ ويُنكِرُ على الأكثريّةِ السياديّةِ حقَّها في ممارسةِ اللعبةِ البرلمانيّةِ حيث الأكثريةُ تَحكُم والأقليّةُ تُعارض. هذا انقلابٌ جديدٌ على نتائجِ الانتخاباتِ وكأنّها لم تَحصُل. فهل انتهيْنا من المعركةِ الانتخابيّةِ لنَدخُلَ في حربٍ سياسيّةٍ تُهدِّدُ السلامةَ العامّة؟
إنَّ إيران من خلالِ حزبِ الله وحلفائِه تُحاول أن تُطبِّقَ في لبنان سيناريو التعطيلِ الذي تُمارسُه في العراق. فمنذ خَسِرَ حلفاءُ إيران في الانتخاباتِ النيابيّةِ العراقيّة في تشرين الثاني 2021، والدُستور معلقٌ هناك، إذ تَرفُض إيران تأليفَ حكومةٍ من الأكثريّةِ الجديدةِ وتُصِرُّ على مشاركةِ التيّاراتِ الشيعيّةِ المواليةِ لها رغمَ خِسارتها. لذلك، إنَّ "المعارضاتِ" اللبنانيّةَ التي انتصَرت في الانتخاباتِ مدعوّةٌ إلى الخروجِ من جُزُرِها وعوازِلها، وتكوينِ أكثريّةٍ متراصّةٍ قادرةٍ على المواجهةِ.
خلافًا لما يَتهيّأ للبعض، ليست المرحلةُ المقبلةُ انتقاليةً بين مجلسِ نيابيٍّ وآخَر، وبين حكومةٍ وأخرى، وبين رئيسِ جُمهوريّةٍ وآخَر، بل هي مرحلةٌ مصيريةٌ بامتياز، ويتوقف عليها مصيرُ النظامِ البرلمانيِّ والجمهوريّةِ والكيان. ويفترضُ بالأكثريّةِ الجديدةِ أن تختارَ منذُ اليوم نهجَها الديمقراطيّ الصامِد. فالشعبُ لم يُعطِها ثقتَه لتعيدَ أخطاءَ الماضي القريبِ والبعيدِ، ولا لتمحوَ في تشكيلِ حكومةٍ "توافقيّةٍ" نتائجَ الانتخابات. هذا لا يَعني التفرّدَ في الحكمِ، إنما أن تَعكِسَ الحكومُة الجديدةُ موازينَ القوى البرلمانيّة، فلا يكون فيها ثُلثٌ مُعَطِّلٌ وزوائدُ وودائعُ وقنابلُ مَوْقوتة تمنع اتخاذَ القرارات، خصوصًا أنَّ الحكومةَ المقبلةَ قد تُصبحُ الحكومةَ الحاكمةَ والمؤتَمنةَ على الشرعيّةِ في حالِ حصولِ شغورٍ رئاسيٍّ في تشرين الأول المقبل.
كلمةٌ أخيرةٌ: لَعِبَ البطريركُ بشارة الراعي دورًا أساسيًّا في موجةِ التغييرِ النيابيِّ. فحين انسَحبَ الثوّارُ من الساحات، وانْشَغَف السياسيّون بالتسويات، وواظبَت الأحزابُ على انقساماتِها، وساومَت علينا دولٌ صديقةٌ، ظلَّت نبرةُ البطريركِ المارونيِّ مُدَوِّية. فمنذُ سنةِ 2019 والبطريركُ يَرعى الانتفاضةَ الشعبيّةَ ويَرفعُ الصوتَ وينادي الأممَ لإنقاذِ لبنان. رسمَ خريطةَ التغييرِ فدعا إلى: دعمِ الثورة، تحريرِ قرارِ الشرعيّة، اتّباعِ نهجِ الحياد الناشط، فصلِ الدين عن الدولة، اعتمادِ اللامركزيّةِ الموسَّعةِ، توحيدِ السلاحِ، إنهاءِ الدويلات، رفضِ التوطينِ الفِلسطينيِّ، إعادةِ النازحين السوريّين إلى بلادِهم، رفعِ يدِ السياسيّين والحاكمين عن القضاء، مكافحةِ الفسادِ، انبثاقِ سلطةِ جديدة، الكفِّ عن ضربِ المؤسّساتِ الدستوريّةِ، استمرارِ التحقيقِ في تفجيرِ مرفأِ بيروت، ومواجهةِ الانقلاب على الدولة والهويّة، إلخ... وها خِطابُه "لا تَسكُتوا" مِن نافذةِ الصرح البطريركي أمام حشودِ الثوّارِ في 27 شباط 2021 يُثمِرُ انتفاضةً نيابيّةً على مدى الوطن.

arabstoday

GMT 13:05 2024 السبت ,05 تشرين الأول / أكتوبر

حزب الله بخير

GMT 11:57 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

مرحلة دفاع «الدويلة اللبنانيّة» عن «دولة حزب الله»

GMT 11:55 2024 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

هل هذا كل ما يملكه حزب الله ؟؟؟!

GMT 20:31 2024 الجمعة ,13 أيلول / سبتمبر

عشر سنوات على الكيان الحوثي - الإيراني في اليمن

GMT 20:13 2024 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

صدمات انتخابية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأكثريّةُ أرْخَبيلٌ والأقليّةُ جزيرة الأكثريّةُ أرْخَبيلٌ والأقليّةُ جزيرة



إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:35 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
 العرب اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 07:55 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
 العرب اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 14:18 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
 العرب اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 07:54 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 07:15 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامين سي يعزز نتائج العلاج الكيميائي لسرطان البنكرياس

GMT 05:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

GMT 07:39 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

نجاة نهال عنبر وأسرتها من موت محقق

GMT 22:56 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتل 3 جنود لبنانيين في قصف إسرائيلي

GMT 09:48 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

بيب غوارديولا يوافق على عقد جديد مع مانشستر سيتي

GMT 18:37 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تفرض عقوبات على 6 قادة من حركة حماس

GMT 16:42 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

جماعة الحوثي تعلن استهداف سفينة في البحر الأحمر

GMT 08:32 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يُعلّق على فوزه بجائزة عمر الشريف

GMT 06:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

ترامب الطامح إلى دور شبه ديكتاتور!

GMT 11:51 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

تليغرام يطلق تحديثات ضخمة لاستعادة ثقة مستخدميه من جديد

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد العوضي يكشف عن بطلة مسلسله بعد انتقاد الجمهور

GMT 06:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab