لماذا ينجح الأكراد و يخفق العـرب سـوريـا نـموذجــاً

لماذا ينجح الأكراد و يخفق العـرب.. سـوريـا نـموذجــاً

لماذا ينجح الأكراد و يخفق العـرب.. سـوريـا نـموذجــاً

 العرب اليوم -

لماذا ينجح الأكراد و يخفق العـرب سـوريـا نـموذجــاً

عريب الرنتاوي

أول هزائم داعش كانت في عين العرب / كوباني، المدينة السورية ذات الغالبية الكردية، وعلى يد وحدات الحماية الشعبية ... وآخر هزائمها تتجسد في هذه اللحظات في محيط تل أبيض وجوارها، حيث تلحق الوحدات الكردية، أفدح الخسائر في التنظيم الذي نجح في إلحاق نكسات وهزائم بعدة جيوش عربية جرارة... داعش لم تندحر حتى الآن، عن أي مدينة سورية احتلتها، ذات غالبية عربية سنيّة، الأمر الذي يتكشف عن مفارقة ويطرح سؤالاً عن الأسباب.

الجواب المباشر يأتيك مباشرة من قنوات الفتنة والتحريض: لولا الدعم الأمريكي لما نجح الأكراد ولسقطت كوباني ... دعم واشنطن ودول التحالف كان من دون شك، حيوياً في تمكين الأكراد من الصمود والثبات، توطئةً لطرد داعش من المنطقة برمتها، وتكبيدها خسائر جسيمة في الأرواح والمعدات والعتاد ... ضغوط واشنطن على أنقرة، سمحت للأكراد بالحصول على ما يبتغون من أسلحة ثقيلة، وفرتها لها قوات البيشمركة في إقليم كردستان، مروراً بالأراضي التركية ... لكن قصة نجاح الأكراد، لا تعود للعامل الخارجي فحسب، فهناك عوامل جوهرية وراء هذا النجاح، لا تقل أهمية، بل وأكثر أهمية من حكاية الدعم الخارجي.

من أهم هذه العوامل، أن الأكراد حملة مشاعل “قضية وطنية” تندرج في سياقات الحقوق القومية وتقرير المصير ... وهي قضية جمعية جامعة، تأتي بالكردي العلماني والمسلم، السني و الشيعي، إلى الخندق ذاته ... ولأنها كذلك، فقد كانت كافية لبعث روح كفاحية عند الأكراد، ليست متوفرة لدى أقرانهم من العرب ... وربما لهذا السبب بالذات، رأيناهم يقفون صفاً واحداً في مواجهة التهديد الذي يطاولهم جميعاً، مع أننا نعرف تمام المعرفة أن “واقع حالهم” يجسد الآية الكريمة “تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى”.

من حسن طالع الأكراد، أن القوى الرئيسة التي تشكل العمود الفقري للحركة الوطنية الكردية، تنتمي لمدارس سياسية مدينة وعلمانية ووطنية في الغالب، لديها القدرة على تحسس مواطن الحذر والتحفظ لدى المجتمع الدولي، وتمتلك مهارة تقديم نفسها بوصفها حاملة مشروع حضاري، يقف بصلابة ضد الاستبداد والإرهاب ... وهذا ما لا يتوفر لكثيرين من العرب، الذين انساقوا وراء خطاب أصولي وسلفي وديني تفتيتي وليس جامعاً، يحفل بالمفردات والدلالات المثيرة لمخاوف الغرب وحذره.

والحقيقة أن قصة نجاح الأكراد، تتخطى ميادين القتال وجبهاته، إلى تحصين مناطقهم وأماكن انتشارهم، فقد أجروا انتخابات، وشكلوا برلمانهم ومجالسهم المحلية وإدارتهم المدنية بطرق “شرعية” تماماً، وبمشاركة نسبة وازنة من أصحاب الحق في الاقتراع ... ولقد أتيح لكاتب هذه السطور، أن يقرأ على عجل، صفحات من ميثاقهم الوطني، الذي حمل اسم “العقد الاجتماعي”، وأحسب أن هذه الوثيقة “الدستورية” تستحق الاسم الذي حملته، إذ أنه يؤسس على نظرية “المواطنة المتساوية” منظومة كاملة من الحقوق الفردية والجماعية، وينصف النساء ولا يغبن الأقليات حقوقها.

وبهذا المعنى، أحسب أن أكراد سوريا، إنما قرروا وضع تجربة إقليم كردستان نصب أعينهم، فأخذوا بمحاكاة ما يفعله الإقليم، استلهاماً لتجربته وسعياً للحاق بدروبه المفضية لا محالة إلى “الاستقلال/ الانفصال” عن الوطن العراقي الأم ... مع أن أكراد سوريا، بخلاف أكراد العراق، لا يبوحون بأية نوايا انفصالية، وإنما يتحدثون عن حقوق ثقافية واعتراف بهويتهم القومية في إطار سوريا الفيدرالية الموحدة.

وبفعل هذه المكتسبات على جبهتي الحدود والبناء الداخلي، بات “الإقليم قيد التأسيس”، يشكل مصدر قلق وتحسب لتركيا، الجارة القوية النافذة، حيث أن “انبعاث” الكيانية الكردية، بات أمراً مقلقاً لها، دفعها للمبادرة إلى بذل كل مسعى وجهد في سبيل “شيطنة” الحركة الكردية، واتهامها بما فيها وما ليس فيها أو منها.

السيد أردوغان، وفي الخطاب الذي “كسر به صيامه عن الكلام” إثر صدمة انتخابات السابع من حزيران، حمل عليهم، بل ونعتهم بـ “الإرهابيين الأكراد”، وشن حملة انتقادات لاذعة للغرب والتحالف الدولي بقيادة واشنطن، على خلفية ما أسماه “قصف العرب والتركمان، ودعم الإرهابيين الأكراد”... أما قنوات الفتنة والتحريض، فما زالت على “بثها المباشر” عن الأحوال المتردية للعرب وغير الأكراد، في مناطق سيطرة الحركة الوطنية الكردية، وتركيز لا يستد إلى أسس صلبة عند الحديث عن “تطهير عرقي” وتهجير جماعي للعرب من قراهم وبلداتهم.

الأكراد ينفون حكاية “التطهير العرقي” جملة وتفصيلاً ... وهم يقدمون رواية أقرب للدقة، وتقع على ما يبدو، في “منزلة بين منزلتين” مفادها أن مطاردة داعش والحرب على الإرهاب، قد تسفران عن سقوط ضحايا مدنيين، سيما في البيئات الحاضنة لها، والتي هي في الأساس ذات غالبية عربية -سنية... كما أن الحرب تسفر في العادة عن أخطاء وخطايا وتدفع بالأهالي إلى الهجرة، وليس التهجير المنهجي المنظم ... لكن “زرّاع” الفتنة يأبون إلا أن ينفثوا في نار الخلافات والحساسيات المذهبية والطائفية والقومية والعرقية، الكثير من سمومهم.

لم تظهر المدن والحواضر العربية السنية بخاصة، شيئاً من هذا قبيل ما فعله الأكراد ونجحوا فيه، لم تقاوم زحف داعش والإرهاب، حتى أن بعضها تحوّل إلى حواضن لها، والأهم، أنها عجزت عن بناء إدارات مدنية بديلة، تملأ فراغ غياب السلطة، وبقيت نهباً لصراعات لصوص المليشيات وأمراء الحرب وزعماء الحارات ... هي قضية نجاح كردية تقابلها قصة فشل عربية، ومع ذلك ترى من يبحث دوماً عن أسباب وذرائع لتسويق الفشل وتسويغه، خارج حدود موقعه وموقفه ومسؤولياته.

 

arabstoday

GMT 06:25 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

الروس قادمون حقاً

GMT 06:24 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... أخطار الساحة وضرورة الدولة

GMT 06:22 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

زحامٌ على المائدة السورية

GMT 06:21 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

روبيو... ملامح براغماتية للسياسة الأميركية

GMT 06:18 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

سوريا قبل أن يفوت الأوان

GMT 06:17 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

محفوظ والعقاد في عيون فيفي وشكوكو

GMT 06:16 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

البعد الإقليمي لتنفيذ القرار 1701

GMT 06:14 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

معركة مصالح دولية وإقليمية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا ينجح الأكراد و يخفق العـرب سـوريـا نـموذجــاً لماذا ينجح الأكراد و يخفق العـرب سـوريـا نـموذجــاً



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 08:33 2024 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

حذف حساب الفنانة أنغام من منصة أنغامي
 العرب اليوم - حذف حساب الفنانة أنغام من منصة أنغامي

GMT 01:25 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

الأوركسترا التنموية و«مترو الرياض»

GMT 06:28 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

السجائر الالكترونية قد تحمل مخاطر صحية غير معروفة

GMT 00:18 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

قصة غروب إمبراطوريات كرة القدم

GMT 00:08 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

تحذير من عقار لعلاج الربو يؤثر على الدماغ

GMT 00:08 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ماذا يحدث فى حلب؟

GMT 01:36 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

عودة ظاهرة الأوفر برايس إلى سوق السيارات المصري

GMT 12:03 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدء أعمال القمة الخليجية الـ 45 في الكويت

GMT 02:12 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

السفارة الروسية في دمشق تصدر بيانًا هامًا

GMT 00:03 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

مي عمر أفضل ممثلة في "ملتقى الإبداع العربي"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab