بريطانيا من التقسيم إلى الانقسام

بريطانيا... من التقسيم إلى الانقسام

بريطانيا... من التقسيم إلى الانقسام

 العرب اليوم -

بريطانيا من التقسيم إلى الانقسام

بقلم : عريب الرنتاوي

لن تبقى أوروبا بعد قرار البريطانيين الخروج من “الاتحاد” كما كانت عليه قبله ... ولن تبقى بريطانيا التي كانت عظمى ذات يوم، على ما هي عليه بعد الآن... إنه نوع نادر من الألعاب، لا رابح فيها أبداً، ويمكن أن نطلق عليها اسم “لعبة خاسر – خاسر”.

يصعب التكهن من الآن، بتداعيات القرار وتبعاته ... هناك فيض من التكهنات التي لا مجال لاستعراضها ... من الارتدادات الاقتصادية والمالية، التي ستصيب أوروبا عموماً، وبريطانيا على نحو خاص، بأوخم العواقب ... إلى تآكل المكانة والدور السياسيين والمعنويين لكل من الطرفين ... وصولاً إلى سقوط “قوة النموذج” التي طالما جرى استحضارها للدلالة على قدرة شعوب لطالما أزهقت حروبها العابرة للحدود وصراعاتها الأهلية حيوات الملايين من أبنائها وبناتها، للتطلع للمستقبل والعمل المشترك لبنائه لصالح الجميع، والقبول بتسليم بعض عناصر “السيادة الوطنية” طوعاً للإطار الاتحادي الجامع الأكبر.

وستفتح السابقة البريطانية الباب رحباً أمام دولٍ أوروبية أخرى، لطالما انتظرت من يعلق الجرس قبلها، للقفز من سفينة الاتحاد ... لكن من السابق لأوانه الجزم بذلك، فالأمر سيعتمد إلى حدٍ كبير، على الطريقة التي سيخرج بها الاقتصاد البريطاني من “أزمة الانفصال” عن أوروبا ... لكن الأمر المؤكد، أن دولاً أعضاء عديدة، ستسعى في إعادة صياغة شكل ومحتوى علاقاتها بالاتحاد، في محاولة منها للاستفادة من عوائده المجزية، وحجب ما يمكن أن يترتب عليها من مسؤوليات والتزامات، خصوصاً وأن القارة العجوز، تشهد منذ ربع قرن تقريباً، حراكاً بشرياً هائلاً، تمثل في انتقال الملايين من العمال والباحثين عن عمل، من أوروبا الشرقية والوسطى إلى غرب أوروبا، وهو أمر يفوق بسطوته وتأثيراته، تداعيات أزمة اللجوء السوري إلى القارة.

بريطانيا ذاتها، التي اشتهرت زمن الحقبة الكولونيالية بسعيها الدائب لتقسيم الدول والمجتمعات المُستَعمَرة، وزرع بذور الفتن والحروب اللاحقة فيما بينها، من الصين والهند وجوارهما، إلى سايكس بيكو وما تبعها من “وعد مشؤوم” واتفاقات تقاسم نفوذ لاحقة، إلى الفسيفساء الأفريقية التي عاث فيها “المقص البريطاني” تقطيعاً وتوصيلاً ... بريطانيا هذه، تشق اليوم القارة الأوروبية، وتقود مسيرة تفكيك الاتحاد بعد مرور قرابة الستة عقود على تأسيسه.

لكن للقدر سخرياته، فأول ردود الأفعال على نتائج “الاستفتاء البريطاني” جاء من سكوتلاند، حيث يجري التفكير جدياً في إجراء استفتاء ثانٍ عن بريطانيا، بعد إخفاق الاستفتاء الأول عام 2014، وثمة اعتقاد بأن الاستفتاء القادم، قد يأتي بنتائج مغايرة، سيما بعد خروج بريطانيا من عضوية “النادي الأوروبي”، وهو أمر قد يفتح الباب لتفكيك بريطانيا بدورها، وليس لتفكيك الاتحاد الأوروبي وحده.

بعد مائة عام على سايكس – بيكو الذي، سيتعين على بريطانيا العظمى، وليس على دول الشرق الأوسط وحدها، أن تقاتل في سبيل الحفاظ على وحدتها، وإبقاء كياناتها الرئيسة، قطعة واحدة ... على بريطانيا أن تكافح من أجل الاحتفاظ بآخر مظاهر العظمة المرتبطة باسمها وتاريخها، بعد أن غابت شمس الإمبراطورية التي لم تكن تغرب عنها الشمس.

ما يهمنا في هذا الصدد، هو سؤال كيف ستؤثر الخطوة البريطانية على مواقف لندن وبروكسيل من مشاكل منطقتنا، وهل من الملائم والممكن، الاستمرار بالرهان على دور أوربي فاعل في حل قضايا المنطقة، وبشكل خاص، قضية الصراع العربي – الإسرائيلي.

خلاصة القول، إن أوروبا التي ارتضت وهي موحدة، دوراً تابعاً وتكميلياً للدور الأمريكي في منطقتنا، لن يكون بمقدورها أن تلعب دوراً أكثر فاعلية، بقد أن فقدت أحد مقعديها الدائمين في مجلس الأمن ... والمؤكد أنه سيكون بمقدور واشنطن، أن تمارس دوراً مهيمناً على الدول الثماني والعشرين مجتمعة ومنفردة ... أما الأقطاب الدولية الأخرى، الصاعدة منها على نحو خاص (الصين، روسيا وغيرهما)، فسيكون بمقدورها أن تتمتع بهامش مناورة أوسع مع كل من أوروبا وبريطانيا على حد سواء.

arabstoday

GMT 05:33 2021 الإثنين ,12 إبريل / نيسان

عن القدس والانتخابات

GMT 04:29 2021 السبت ,10 إبريل / نيسان

بعد العاصفة، ما العمل؟

GMT 05:43 2021 الخميس ,08 إبريل / نيسان

إيران وإسرائيل و»حرب السفن»

GMT 18:43 2021 الأربعاء ,07 إبريل / نيسان

حتى لا تصرفنا أزمات الداخل عن رؤية تحديات الخارج

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بريطانيا من التقسيم إلى الانقسام بريطانيا من التقسيم إلى الانقسام



إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الفخامة والحداثة بأسلوب فريد

عمّان ـ العرب اليوم

GMT 10:19 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

يسرا تتفرغ للسينما بعد خروجها من دراما رمضان
 العرب اليوم - يسرا تتفرغ للسينما بعد خروجها من دراما رمضان

GMT 01:25 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

الأوركسترا التنموية و«مترو الرياض»

GMT 06:28 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

السجائر الالكترونية قد تحمل مخاطر صحية غير معروفة

GMT 00:18 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

قصة غروب إمبراطوريات كرة القدم

GMT 00:08 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

تحذير من عقار لعلاج الربو يؤثر على الدماغ

GMT 00:08 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ماذا يحدث فى حلب؟

GMT 01:36 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

عودة ظاهرة الأوفر برايس إلى سوق السيارات المصري

GMT 12:03 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

بدء أعمال القمة الخليجية الـ 45 في الكويت

GMT 02:12 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

السفارة الروسية في دمشق تصدر بيانًا هامًا

GMT 00:03 2024 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

مي عمر أفضل ممثلة في "ملتقى الإبداع العربي"
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab