دول لا «زبائن»

دول لا «زبائن»

دول لا «زبائن»

 العرب اليوم -

دول لا «زبائن»

بقلم - عريب الرنتاوي

يوماً إثر آخر، يكشف الرئيس الأمريكي عن جوانب جديدة من نظرته لدول العالم ومجتمعاتها وشعوبها ... هي بالنسبة له، ليست دولاً، بل «زبائن»، وقيمة الزبون تتحدد بقدرته الشرائية وملاءته المالية ... بصرف النظر عن أية معايير قيمية أو أخلاقية، أو حتى سياسية.
النظرة لدول العالم باعتبارها «زبائن» باتت معياراً لتعريف وإعادة تعريف معسكر الأعداء والأصدقاء ... فأنت جيد لأمريكا إن كانت لديك الأموال التي يمكن «حلبها» و»استدرارها» منك، لخلق فرص عمل ووظائف جديدة للأمريكيين ... ليس المهم من تكون وماذا تكون، وعن أي مرجعية قيمية وثقافية وإنسانية تصدر.
وأنت سيىء لأمريكا، حتى وإن كنت شريكاً في منظومة القيم والمبادئ، إن كنت من المنافسين المحتملين لها على كسب ود هؤلاء «الزبائن» وأموالهم ... هذا يفسر موقف الرجل الفظ، من أقرب حلفاء الولايات المتحدة إليها: دول الناتو والمجموعة الأوروبية وكندا والمكسيك، واستعداده لإقامة أفضل العلاقات وأوثقها مع دول رجعية وقمعية واستبدادية، طالما أن «البيزنيس» معها ممكن ومربح.
ولأنه أنشأ ثروة كبيرة من «العوالم السفلية» والهابطة في سوق المصارعة والمضاربة حيث لا معنى للقيم ولا قيمة للمنافسة الإبداعية على الإنتاج والاختراع، فإن الرجل الذي يقود الدولة العظمى في العالم، لا بمعايير المنافسة الاقتصادية والسوق العالمية المفتوحة والتجارة الحرة، بل يعتمد وسائل «البلطجة» لكسب الزبائن والأسواق ... يُخضع أكثر من ملياري نسمة في العالم، قرابة ثلاثين بالمائة من البشر، لأنظمة عقوبات متفاوتة ... هو لا يكتفي بتقرير ما الذي يتعين على الزبون شراءه من المنتجات الأمريكية، بل ويهدده بنظام عقوبات صارم إن هو امتنع عن الشراء أو ذهب إلى مصادر أخرى للتسوق.
لا يهمه أن هذه دول «ذات سيادة»، ولا تعنيه طبيعة النظام السياسي القائم فيها، مع أنه أكثر ميلاً للإعجاب بالأنظمة الديكتاتورية والزعماء مطلقي الصلاحيات ... ليس معنياً بالديمقراطية ولا يأتي على ذكر حقوق الانسان ... بل لا يأتي على ذكر «الانسان» بحد ذاته، فمنطق «الزبون» لا يبقي لإنسان هذه «الدول/ الزبائن» أية قيمة عند الرجل.
كنا صغاراً نتساءل عندما نومئ بأيدينا لسيارة الأجرة: كيف ينظر إلينا السائق، وما الذي يراه فينا نحن المصطفين على قارعة الطريق؟ ... كانت أجوبتنا العفوية تتدفق من دون تعثر: نحن بالنسبة له «عشرة قروش» هي أجرة الراكب الواحد، مضروبة بعددنا الإجمالي ... هذه النظرية البسيطة التي اشتققناها صغاراً، يبدو أنها هي بالذات، جوهر نظرية «الدولة/الزبون» التي يقوم عليها البناء الفكري والسياسي والأخلاقي والقيمي للرئيس وإدارته، وإلا لما رأيناه يتصرف أمام قادة الدول على طريقة «رجال المبيعات» في شركات التسويق والعلاقات العامة والدعاية.
لعل أهم «أداة» يستخدمها الرجل إلى جانب هاتفه المحمول المكرس لإطلاق «تغريداته» التي لا تنقطع، هو «الآلة الحاسبة»، كل ما يريده الرجل هو «Calculator»، لا حاجة له لأكثر من ذلك، طالما أن العلاقات الدولية بالنسبة له، ودور أمريكا ورسالتها في العالم، يمكن احتسابها على هذا الجهاز الصغير والمحمول.
هذا الرجل الذي جعل من شعار «America Great Again»، يكاد يصبح التهديد الأكبر لمكانة الولايات المتحدة وصورتها وقيادتها للعالم ... هذا الرجل لا يكتفي بإشعال الحرائق وإشاعة مناخات القلق والتوتر على جبهات شتى، بل يهدد أول ما يهدد، صورة بلاده ومكانتها كزعيمة للعالم الحر.
الرهان اليوم، وإن كان ضعيفاً، ما زال معقوداً على قدرة المجتمع الأمريكي على «الصمود والمقاومة»، وإعادة تصويب المسيرة والمسار، وإخراج هذه الإدارة «العالمثالثية» الخطرة، والمهددة للسلم الدولي، من البيت الأبيض ... وفي ظني أن «الويلسونيين» من جمهوريين وديمقراطيين على حد سواء، فضلاً عن الصحافة والحركة النسائية والمنظمات الحقوقية، وبقية مكونات «السيستم» أو «الاستبلاشمنت» الأمريكية، لن يقبلوا باستمرار هذه المهزلة طويلاً، وإن غداً لناظره قريب.

 

arabstoday

GMT 15:19 2019 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

لماذا كل هذه الوحشية؟

GMT 15:17 2019 الأحد ,08 كانون الأول / ديسمبر

عن حماس وإسرائيل ... عن غزة و"الهدنة"

GMT 15:21 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

لجان الكونغرس تدين دونالد ترامب

GMT 08:31 2019 الجمعة ,22 شباط / فبراير

موازين القوى والمأساة الفلسطينية

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دول لا «زبائن» دول لا «زبائن»



هيفا وهبي تعكس الابتكار في عالم الموضة عبر اختيارات الحقائب الصغيرة

القاهرة ـ العرب اليوم
 العرب اليوم - الدانتيل بين الأصالة والحداثة وكيفية تنسيقه في إطلالاتك

GMT 05:59 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

نموذج ذكاء اصطناعي مبتكر لتشخيص أمراض الرئة بدقة عالية
 العرب اليوم - نموذج ذكاء اصطناعي مبتكر لتشخيص أمراض الرئة بدقة عالية

GMT 16:09 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

أصالة تكشف تفاصيل ألبومها الجديد باللهجة المصرية
 العرب اليوم - أصالة تكشف تفاصيل ألبومها الجديد باللهجة المصرية

GMT 06:31 2025 الأحد ,26 كانون الثاني / يناير

ثريدز تختبر إعلانات وصور بين المنشورات للمستخدمين
 العرب اليوم - ثريدز تختبر إعلانات وصور بين المنشورات للمستخدمين

GMT 03:25 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

جيش الاحتلال يعتزم مواصلة الانتشار جنوبي لبنان

GMT 03:17 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

زلزال قوي يهز إثيوبيا بقوة 4.7 ريختر

GMT 03:24 2025 السبت ,25 كانون الثاني / يناير

الحصبة تتفشى في المغرب 25 ألف إصابة و120 وفاة خلال 16 شهرا

GMT 11:32 2025 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

يسرا اللوزي تتحدّث عن الشخصية التي تتمنى تقديمها

GMT 08:46 2025 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

في ذكرى صاحب المزرعة

GMT 09:25 2025 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

ألوان ديكورات 2025 تعيد تعريف الفخامة بجاذبية جريئة

GMT 08:44 2025 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

كيف ستكون علاقتنا مع ترمب؟

GMT 08:42 2025 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

مناخر الفضول وحصائد «فيسبوك»

GMT 14:00 2025 الخميس ,23 كانون الثاني / يناير

أخطر سلاح في حرب السودان!
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab