منتهى العبث

منتهى العبث

منتهى العبث

 العرب اليوم -

منتهى العبث

بقلم - أسامة غريب

لم يكن لشعبان عبد الرحيم نصيب من التعليم، ومع ذلك فقد كنت أعجب بذكائه الفطرى وقدرته على استغفال المذيعين الذين يحاولون السخرية منه وإظهاره فى صورة مزرية، فإذا به يسحبهم إلى منطقته ويستغل وجوده على الشاشة، فيدلى باَراء فى السياسة والفن والحياة مليئة بالسذاجة المتعمدة التى أدرك منذ زمن أنها تقربه من الجمهور، وفى الوقت نفسه تداعب غرور المذيعين الحمقى، بينما هو يضحك فى سره من الذين منحوه الفلوس والشهرة مقابل حكايات عبيطة لا يعنيها وشىء من الغناء البدائى!. ولكن إعجابى بذكائه لا يعنى أنه مطربى المفضل.

صحيح أسمعه من وقت لاَخر، إلا أن الأمر يظل عند حدوده الطبيعية باعتبار هذا النوع من الغناء يخاطب الجانب العبثى من الوجدان.. بالضبط كما أستمع إلى الجميل محمود شكوكو، مع الفارق أن شكوكو كان يغنى لشعراء حقيقيين كالقدير فتحى قورة، ولملحنين حقيقيين كالعظيم محمود الشريف، الذين تظل موهبتهم حاضرة حتى مع أغنية تقول: يا دابح قلبى بإزازة.. لماذا الهجر دا لماذا؟. لكنى مع هذا لا أستطيع أن أستمع إلى هذا النوع طوال الوقت، ولا أن أعتبر أن هذا هو الغناء.

ما يحدث الاَن ويا للغرابة أن الجانب العبثى من الوجدان الذى كان يغطيه شكوكو وإسماعيل ياسين أو حتى عدوية، قد تمدد ليستحوذ على الوجدان كله. ولقد لاحظت فى كل الحفلات والأعراس التى حضرتها فى السنوات الأخيرة، غلبة أغانى المهرجانات التى صارت محفوظة لدى الشباب من كل الطبقات والمستويات بحيث لم يعد أحد يشغّل أغنية شادية «يا دبلة الخطوبة» أو أغنية «دقوا المزاهر» لفريد الأطرش، وإنما يرقص الجميع على أغان تخلو من الشاعرية وتميل إلى البذاءة.

ويلاحظ أن الفرَح الذى كانت تستدعى إليه الراقصات فى السابق قد تغير الآن وأصبحت العروسة هى التى تقوم بدور الراقصة الأساسية فى الحفل وتساعدها صديقاتها فى الرقص طوال الليل. ومن اآيات هذه الحالة العبثية كذلك أن الناس فقدوا ليس فقط التمييز بين الغناء الجيد وبين سواه، وإنما فقدوا القدرة على التمييز بين الغناء الحزين والأغانى المفرحة، وأصبحوا يقومون بإحياء الأفراح على أنغام أغان حزينة.

ولقد تكرر فى أكثر من مناسبة أن أحضر عُرسا فأجد القاعة مشتعلة بالرقص على أغنية «سيد الحبايب يا ضنايا إنت» التى غنتها شادية فى واحد من أكثر الأفلام مأساوية.. ليس هذا فقط ولكن أغنية «ع اللى جرى» صارت هى الأخرى تميمة فى الأفراح مع أنها واحدة من أكثر الأغانى جلبا للحزن واستدعاء للشجن، وهى أغنية تتحدث عن عذاب امرأة تشعر بالغربة القاتلة وتعيش الوحدة والوحشة منذ أن سافر حبيبها وتركها تجتر أحزانها مع الرسائل، وهى تحكى له عما تفعله بها رسائله.

كما تروى له معاناتها وهوانها على الناس فى غيابه، لأنه منذ سافر لم تسمع خبرا واحدًا مفرحًا.. ينفصل الناس عما يسمعون وتنطلق الزغاريد وتعلو الضحكات بينما الغنوة تحكى عن عذاب بلا حدود.. منتهى العبث.

arabstoday

GMT 00:09 2024 الإثنين ,27 أيار / مايو

ثلاثة أحداث فارقة ومستقبل الدولة الفلسطينية

GMT 00:05 2024 الإثنين ,27 أيار / مايو

ماذا بعد «نورة»؟

GMT 00:03 2024 الإثنين ,27 أيار / مايو

سقوف حوار افتراضي مع «حزب الله»

GMT 23:35 2024 الأحد ,26 أيار / مايو

دولة لا غنى عنها

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

منتهى العبث منتهى العبث



 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab