بقلم - أسامة غريب
ليس معروفًا ما إذا كان الغضب الذى أبدته واشنطن تجاه سقوط ثلاثة قتلى من جنودها فى المنطقة غير 34 مصابًا غضبًا حقيقيًا، أم أن الادعاء فى هذا الغضب أكبر من الحقيقة.
لا شك أن ما حدث فاجأ الأمريكان، إذ إن كل الهجمات التى وقعت بالصواريخ والطائرات المسيرة ضد الوجود الأمريكى فى سوريا والعراق عقب حرب غزة أسفرت عن إسقاط الطائرات والصواريخ وعدم وصولها إلى أهدافها، وبعضها تسبب فى خسائر مادية فقط.
أما هذه المرة فهى الأولى التى يقع فيها قتلى نتيجة ضربات الميليشيات التى تسعى لإخراج القوات الأمريكية من الأراضى العربية التى تحتلها واشنطن بذريعة محاربة داعش، والأصل أنها موجودة لمناوءة إيران، كما تعمل كقواعد استخبارية تمد إسرائيل بالمعلومات. الغريب فى الأمر هو التضارب فى تحديد مكان الضربة.
فبينما أشار الأمريكان إلى وجود القاعدة الأمريكية فى الأردن وسموها «البرج 22»، فإن البيان الأردنى أكد أنها وقعت فى منطقة التنف داخل الحدود السورية، وقد أوضح البيان الصادر عن المقاومة الإسلامية فى العراق أنها استهدفت فجر يوم الأحد 28 يناير أربع قواعد أمريكية، ثلاثًا منها تقع داخل الأراضى السورية (قاعدة الركبان وقاعدة الشدادى وقاعدة التنف)، والقاعدة الرابعة هى قاعدة زوفولون البحرية وتقع داخل فلسطين المحتلة.
يثير هذا التضارب فى تحديد الموقع الشك فى أن الأمريكان يريدون أن يزجوا بالأردن فى أتون المعركة مع الميليشيات المدعومة من إيران، فى حين أن الأردن لا مشكلة له إلا مع مهربى المخدرات عبر الحدود السورية، أما المقاومون فلا يضرون الأردن.
ومع ذلك فقد سارع المتحدث الأردنى بالتعليق مطالبًا الولايات المتحدة ما دامت تزعم ضرب الأراضى الأردنية بتزويد عمان بالأسلحة المتطورة، وعلى رأسها صواريخ باتريوت، للتصدى للأذرع الإيرانية فى المنطقة!.. وهذا التصريح الذكى يتماهى مع الاستعباط الأمريكى ومحاولة إدخال الأردن فى الصراع.
يتضح هنا أن الأمريكان يرغبون فى أن يحارب أبناء المنطقة بعضهم بعضًا لصالح واشنطن كما كان يحدث فى السابق، ويبدو أن هذه السياسة قد أصابتها انتكاسة فى الآونة الأخيرة، ومن آيات ذلك إحجام المملكة العربية السعودية عن الانضمام للتحالف الذى أرادت أمريكا تشكيله لمواجهة الهجمات اليمنية ضد السفن المتجهة لإسرائيل فى البحر الأحمر. لقد اتخذت الرياض موقف الحياد، ولم تبد حماسًا للمشاركة، وكذلك فعلت الإمارات.
ويبدو أن الدولتين العربيتين أرادتا إيصال رسالة للأمريكان؛ مفادها أنه يتعين على الولايات المتحدة أن تخوض حروبها بأبنائها هى وجنودها هى وليس بأبناء الآخرين، وقد يترتب على هذه المواقف التى لا يتحمس فيها العرب لخوض القتال لحساب أحد أن تنظر واشنطن بعين الاعتبار لفكرة انسحابها من المنطقة؛ لأن البديل سيكون الغوص فى وحل الحروب فى المنطقة وهو ما يتمناه الروس والصينيون وتسعى أمريكا لتفاديه.
عمومًا، ستتضح الصورة على ضوء رد الفعل المنتظر من القوات الأمريكية ردًا على مقتل جنودهم.