بين الفلسفة والأدب

بين الفلسفة والأدب

بين الفلسفة والأدب

 العرب اليوم -

بين الفلسفة والأدب

بقلم : أسامة غريب

كان موقف الفلاسفة اليونانيين من الأدب حادًّا ورافضًا على نحو يبدو لنا اليوم شديد الغرابة. لم يتعاطَ أفلاطون مع الشعر والمسرح إلا بحسبانه محاكاة كاذبة للواقع، وهذه المحاكاة من شأنها أن تجهض الجهد الذى تقوم به الفلسفة، التى تنحو نحو فهم الإنسان لذاته ومحاولته اتخاذ العلم منهجًا يدفع الحياة إلى الأمام. أما الأشعار والقصائد فمن شأنها تشويش الذهن وتفريغ العقل من الفهم الصحيح للكون وحقائق الحياة. لم يختلف موقف أفلاطون عن موقف أستاذه سقراط، كما لم يدفع أرسطو بأى رؤية مخالفة للموقف العدائى المناوئ الذى اتخذه الفلاسفة من الأدب. ومن العجيب أن هذا الموقف، الذى قامت الأيام والأزمان والحقب بتفكيكه وتغييره، يتشابه مع نفس الموقف الذى يتخذه المتشددون الإسلاميون كالوهابيين والدواعش ومَن لف لفهم من الأدب، فهؤلاء يرون أيضًا أن الأعمال الأدبية والروايات والقصص تحكى للناس أشياء غير حقيقية ولم تحدث فعلًا بمعنى أنها أكاذيب يسوقها الأديب، وبما أن الكذب محرّم فى الإسلام، فالأدب أيضًا ممنوع قراءته، والأفضل أن يقوم الناس بقراءات نافعة.. وهنا يفترق الموقف السلفى الوهابى من الأدب عن الموقف الفلسفى اليونانى، إذ إن فلاسفة الإغريق كانوا يحذرون من الأدب والشعر والمسرح لأنه يبطل عمل الفلسفة ويعطل دورها فى المجتمع، بينما الإسلاميون المتشددون يعادون الفلسفة بأكثر من معاداتهم للفن والأدب ويحرمون كل ما أبدعه العقل الإنسانى ويضعونه فى مقابل النصوص الدينية، على الرغم من عدم وجود تناقض بين احترام النص الدينى والاستمتاع بالرواية والقصة والقصيدة والفيلم والمسرحية واللوحة.

والمثير للتأمل أن الفلسفة الإسلامية لم تتخذ نفس الموقف الإغريقى من الأدب والشعر، وإنما كان للفلاسفة العرب إسهامات شعرية احتوت مواقفهم الفلسفية وأبرزتها، وتذكر أمهات الكتب أعمال «أبوحيان التوحيدى»، وله مُصنَّف كبير فى تصوف الحكماء، وكتاب سماه «البصائر والذخائر» وكذلك المقابسات. أما أبوالعتاهية فعُرف بأشعاره التى أودعها الحكمة، وجعلها تحمل رؤيته الخاصة للحياة والموت، فهو القائل: الشيب كرهٌ وكرهٌ أن يفارقنى.. أعجب بشىءٍ على البغضاء مودودُ.

والقائل: خليلىَّ إن لم يغتفر كل واحدٍ.. عثار أخيه منكما فترافضا/ وما يلبث الحِبّانِ إن لم يجوّزا.. كثيرًا من المكروه أن يتباغضا.

وتحفل الفلسفة الإسلامية بأشعار الإمام الغزالى، ومنها: أخذتَ بأعضادهم إذ ونوا.. وخلفك الجهدُ إذ أسرعوا/ وأصبحت تهدى ولا تهتدى.. وتُسمع وعظًا ولا تسمعُ/ فيا حجر الشحذ حتى متى.. تسن الحديدَ ولا تقطعُ.

كذلك إسهامات محيى الدين بن عربى الفلسفية كان للشعر فيها نصيب وافر، فهو القائل: بذكر الله تزداد الذنوبُ.. وتحتجب البصائر والقلوبُ/ وتركُ الذكرِ أفضل منه حالًا.. فإن الشمس لها غروبُ.

والذين يفسرون كلامه على محمل نبيل يقولون: إنما يُذكر الغائب، والله تعالى حاضر لا يغيب، وإن ذكره يدل على بُعد عن ذاته وجلاله، والبُعد حرمان يدل على كثرة الذنوب، والبُعد عن الذات طمس فى البصائر وظلمات فى القلوب. أما الإخوة الذين يأخذون بحرفية القول للدلالة على كفر القائل، فهم الذين لا يفهمون الفلسفة ولا يقرأون الأدب.

arabstoday

GMT 11:43 2025 الإثنين ,24 شباط / فبراير

تلك هي الحكاية

GMT 11:41 2025 الإثنين ,24 شباط / فبراير

تشييع «حزب الله»

GMT 11:39 2025 الإثنين ,24 شباط / فبراير

لبنان... على ضفاف نهر الاغتيالات

GMT 11:33 2025 الإثنين ,24 شباط / فبراير

«هدنة 1949» لتحرير لبنان من حروب الآخرين

GMT 11:27 2025 الإثنين ,24 شباط / فبراير

وسمٌ سعودي على التاريخ

GMT 11:25 2025 الإثنين ,24 شباط / فبراير

المشهد الفلسطيني قبل اليوم التالي

GMT 11:21 2025 الإثنين ,24 شباط / فبراير

واشنطن... ومستقبل الأمم المتحدة

GMT 11:20 2025 الإثنين ,24 شباط / فبراير

ورقة المهاجرين!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين الفلسفة والأدب بين الفلسفة والأدب



أحلام تتألق بإطلالة لامعة فخمة في عيد ميلادها

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 07:24 2025 الأحد ,23 شباط / فبراير

نهج التأسيس... وتأسيس النهج

GMT 07:29 2025 الأحد ,23 شباط / فبراير

كم سيندم لبنان على فرصة اتفاق 17 أيّار...

GMT 05:50 2025 الأحد ,23 شباط / فبراير

حقائق غامضة

GMT 18:20 2025 السبت ,22 شباط / فبراير

إنستجرام يضيف ميزات جديدة للرسائل المباشرة

GMT 09:50 2025 السبت ,22 شباط / فبراير

أنغام تتألق في حفل تكريم عبدالله الرويشد
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab