بقلم : أسامة غريب
يجب ألا يدعى أحد المعرفة الكاملة بما يحدث أو ما ستؤول إليه الأمور، ولكن، وفى ضوء ما تشهده المنطقة العربية والذى وصل ذروة حبكته الدرامية مع الدفع بتنظيم جهادى مسلح لإسقاط نظام ديكتاتورى فى أيام معدودة، محاولة الحصول على إطلالة أوسع كما ورد فى المقال أمس أمر يستحق التجربة.
ما يجرى ليس مجرد بلورة فعلية لنظام عالمى سياسى واقتصادى وعسكرى جديد، (مع تنحية نظريات المؤامرة ومجالس إدارة العالم وجماعاته السرية جانبا)، لكنه نظام أخلاقى وسلوكى واجتماعى ورقمى جديد أيضا.
لن يفتح أحدهم المخزن أو الخزانة ويُخرِج مكونات النظام الجديد، ولكنّ هذا التغيير جارٍ منذ سنوات، وربما عقود. النظام الرقمى الجديد يتبلور منذ سنوات. وهو لا يقتصر على تدريب مدام عفاف فى الدور الثالث على إدخال بيانات العميل الذى أضاع أسابيع من عمره ليجول على المكاتب ويصول على المصالح للحصول على إمضاء وسداد بضعة جنيهات، لتقوم هى بـ«رقمنة» الخدمة عبر إدخال هذه البيانات بينما الجماهير الغفيرة تنتظر لساعات، لا سيما أن «السيستم بيقع» بين الحين والآخر.
النظام الرقمى الجديد فيه إعادة تشكيل لتدفقات المعلومات، والحوكمة التقنية، ومستويات غير مسبوقة من الاتصال والتحول الرقمى فى كل المجالات. فى النظام العالمى الرقمى الجديد، تأثيرات رقمية لا حصر لها. والمسألة أيضا لا تنحصر فى مطاردة فتيات التيك توك لحماية قيم الأسرة، أو التقدم بقانون لإغلاق تطبيق هنا أو حظر منصة هناك. هذا كلام يليق بالعصور الرقمية الوسطى. التأثيرات تشمل طرق تفاعل الناس وتعاملهم، والحصول على المعلومات، والمشاركة فى الحياة، والحقوق والواجبات، وسوق العمل، والتركيبة النفسية والعصبية للبشر.
هذا النظام الرقمى الجديد يحمل أبعادا اقتصادية وسياسية وجيوسياسية وعسكرية تختلف عما شهدناه من قبل. ويعنى تغيرات كبرى بناء على من يملك التقنيات ويوجهها ويحددها ويفتح بواباتها أو يغلقها أين ومتى ولماذا؟ ولا ننسى أن الرئيس الجديد لـ«أقوى دولة فى العالم»، دونالد ترامب، اختار الملياردير و«تايكون» الفضاء والأثير والتقنيات الرقمية وغيرها ليقود قسم «الكفاءة الحكومية» فى الإدارة الجديدة، وذلك بالتعاون مع الاسم الأبرز فى مجال التكنولوجيا الحيوية، فيفيك راماسوامى، لتفكيك البيروقراطية الحكومية، وعمل إصلاحات هكيلية واسعة النطاق.
لم يلجأ ترامب إلى الكنيسة، كما فعل بشكل مكثف فى إطار معركته لكسب الأصوات فى أثناء الحملة الانتخابية لدرجة أنه غازل المسيحيين الأقباط الذين يعيشون فى ربوع أمريكا، بالإضافة لكونه مرشح الكثيرين من المسيحيين المتدينين، بل لجأ إلى عمالقة التكنولوجيا لبناء هيكل الإدارة الجديدة.
فى النظام العالمى الجديد، لكل مقام مقال، ومن يخلط المقالات غير ذات الصلة مثل الإصرار على خطاب دينى متحجر، أو الإغراق فى صراعات طائفية لا طائل منها، أو إضفاء القدسية على تنظيمات دنيوية، أو إهدار الوقت فى عمل قوائم الجنة والنار بحسب ما يحدده أمراء الجماعات وكهنة المعابد، فى مقامات مصيرية فى النظام العالمى الجديد، فمصيره ذيل القائمة.