دروس مستفادة من أحداث غزة ولبنان وسوريا

دروس مستفادة من أحداث غزة ولبنان وسوريا

دروس مستفادة من أحداث غزة ولبنان وسوريا

 العرب اليوم -

دروس مستفادة من أحداث غزة ولبنان وسوريا

بقلم - جميل مطر

عشنا أياما فى خضم تجربة جربتها إسرائيل مع العرب مرارا. تأتى التجربة تحت عنوان من ثلاث كلمات هى «استراتيجية هجومية شاملة»، استراتيجية تسمح بتعبئة كل إمكانات «الأمة»، متعمدا هنا عن قصد أكيد استخدام كلمة «الأمة»، باعتبار أنها فى المعنى والحيز أوسع مساحة وأعمق تاريخا وأوفر إمكانات من كلمة الدولة، وباعتبار أننا نراعى فى فهمنا لهذه الدولة أن التعامل المجدى لفهم حقيقة القوة الإسرائيلية يكون بحساب إسرائيل أمة واسعة الانتشار فهى موجودة فى كل ركن من أركان العالم منذ مطلع التاريخ، وهى عظيمة الإمكانات إلى حد لا يقارن بإمكانات دولة عادية كما تحب أن تبدو أحيانا، محدودة المساحة قليلة السكان، بينما هى فى الحقيقة أمة مغروسة أو غرست نفسها كرها أو ودا أو واقعا فى كل دين سماوى وغير سماوى، ولم تتوان عبر القرون عن التدخل مرات عديدة بالتحسين أو الإساءة لتغيير نصوص أو أساطير أو وعود فى هذا الدين أو تلك العقيدة.

• • •
رأينا بعيوننا وقلوبنا كيف أعدت حكومة إسرائيل، باسم أمتها الممتدة، استراتيجية هجومية شاملة. عبأت كل إمكانات الأمة فى الداخل والخارج. عبأت معظم أساتذة الجامعات فى كل الدول العظمى شرقا وغربا اليهود منهم وغير اليهود وبالفعل استطاعت تقييد فرص نجاح الثورة الطلابية لصالح شعب غزة فى مختلف جامعات الغرب بخاصة. نعرف أنه يجرى حاليا رغم التوقف المؤقت للقتال فى لبنان وغزة فصل أساتذة جامعات قصروا فى أداء واجبهم تجاه الهيمنة الصهيونية على الحياة السياسية داخل الجامعات.
• • •
لا شك أن إسرائيل، بحسن وكفاءة قيادتها لأمتها اليهودية عادت فأكدت خلال الشهور القليلة على ما كان دائما فى نيتها وترسانتها من خطط وأفكار سياسية وعسكرية واقتصادية. الأمثلة عديدة ونعيش تردداتها العنيفة فى يومنا هذا. كانت ما تزال دولة على طريق النشأة تقودها وتضع خططها ميليشيات إرهابية، حسب التوصيف البريطانى لها فى ذلك الحين، وبقى الوصف أساسا لاستراتيجية هجومية شاملة تلتزمها أمة اليهود فى كل مكان، وخلفت خططا وسياسات مشهودة:

أولها: التمسك بمبدأ التوسع باعتباره أقصر الطرق للدفاع.
ثانيها: الاستمرار فى حفظ وتقديس خرائط التراث الدينى والأساطير اليهودية كمستودع لا غنى عنه لتأكيد الشرعية لحكام إسرائيل ومختلف تياراتها السياسية. هذه الخرائط ليست فقط لتأكيد الشرعية ولكن أيضا لتعبئة جنود بنى إسرائيل ولتنشئة أجيال نشأة عسكرية وسياسية وعلى أسس صهيونية.
ثالثها: التحالف المقام مع القوة الدولية الأقوى فى حينها، إمبراطورية كانت أم جماعة بالغة الثراء والنفوذ. لذلك يصعب علينا الفصل «الهزلى أحيانا أو غالبا» بين أمريكا الوسيط لوقف إطلاق النار بين إسرائيل والفلسطينيين، وبين أمريكا الدولة الأعظم حامية الحقوق الإنسانية ورائدة الديموقراطية وحامية النظام الدولى والراهن والمهيمنة على أكثر تفاصيله، وبين أمريكا التى تزود جيش إسرائيل بالقنابل ثقيلة الوزن والفتك بالجملة بالفلسطينيين واللبنانيين واليمنيين فى الحرب الهمجية الصهيونية التى تشنها إسرائيل ضمن هذه الاستراتيجية الهجومية الشاملة. فهمنا بطبيعة الحال أن هذه الحرب المتكررة والوحشية تبعث برسالة تذكير وتنبيه للدول العربية وغير العربية فى الشرق الأوسط.
رابعها: إلى جانب الحماية الأمريكية المضمونة دائما أو على الأقل حتى الآن، قامت إسرائيل الدولة ودول غربية أخرى بتدريب فرق يهودية على أعمال الاستخبارات الخفية مثل التفنن فى اغتيال مسئولين كبار وقادة عسكريين أجانب وعلماء طبيعة وبخاصة علماء الذرة فى جميع أنحاء الشرق الأوسط. كادت هذه الفرق بفضل استخدام الغرب لها بين الحين الآخر وحمايته لها تحتل مكانة بارزة ومؤثرة فى ميزان الاستراتيجية الكلية لإسرائيل.
خامسها: الاطمئنان لعدم المساس بها من جانب الأمم المتحدة ومؤسساتها اعتمادا على حق الفيتو للدول الغربية فى مجلس الأمن وبخاصة الولايات المتحدة ونفوذها فى مؤسسات التنظيم الدولى بشكل عام. بمعنى آخر تقوم الاستراتيجية الهجومية الإسرائيلية على قاعدة إهمال مبادئ القانون الدولى وحقوق الإنسان مما يضيف إلى قواتها المسلحة قوة على قوة.
سادسها: التحالف عمليا مع القوى الأكثر ثراء فى العالم الغربى مثل الشركات الأعظم فى التكنولوجيا كما فى الطاقة والعقارات والمصارف. فمن خلال تلك المصالح تستطيع أن تصل إلى قاعدة أوسع فى الرأى العام وشراء ذمم المشرعين فى بعض الدول الغربية. لم يمنعها هذا التحالف القوى من أن تتدخل فى أنشطة القوى الليبرالية واليسارية وتنفذ داخل قياداتها، وهى التدخلات التى شهدت مؤخرا انحسارا ملحوظا ليس فقط فى أدوار اليسار فى دول الغرب ولكن أيضا فى إسرائيل ذاتها.


ملاحظات واستنتاجات
النظر فى المستقبل، وأعنى مستقبل الدول العربية فى ظل الاستراتيجية الهجومية الإسرائيلية، يفرض الحاجة إلى صراحة فى التعامل مع قضية على هذا القدر من الخطورة والنوايا السيئة وأحيانا المدمرة. فيما يلى أعرض وبإيجاز لأهم ما يجب أن نخرج به من ملاحظات واستنتاجات حول حروب إسرائيل الثلاثة ضد غزة ولبنان وسوريا وما آلت إليه قرب توقفها.
أولا: نعرف أن كل دولة متقدمة وضعت لنفسها استراتيجية دفاع معلنة وملزمة ومتطورة مع حال الحرب والسلم فى الإقليم الذى تعيش فيه وفى الحيز الحيوى من أمن البلاد. نلاحظ أن لا دولة واحدة فى العالم العربى كبيرة أو صغيرة تبنت استراتيجية دفاعية أو هجومية شاملة أعلنت عنها والتزمت الوفاء بها أمام شعبها أو أمتها.
ثانيا: لم يعد سرا خفيا أو معلنا أن دولا كبرى لها ميليشيات محدد لها دور فى استراتيجيتها غير المعلنة هجومية كانت أم دفاعية. أغلب هذه الميليشيات كما عهدناها لا تحمل اسم الدولة الراعية. نسمع عن فاجنر الروسية. ونما إلى علمنا فى وقت من الأوقات معلومات عن ميليشيات أمريكية التدريب والتمويل كانت تعمل فى نيكاراجوا وكولومبيا وشيلى وكوبا، وشائعات عن ميليشيات عملت أو تعمل فى دول عربية وغير عربية أو ضدها ومنها سوريا والعراق وإيران وأفغانستان تتمول كما يشاع من مصادر أمريكية أو من حلف الأطلسى بطرق غير مباشرة.
ثالثا: قدمت فصائل مقاومة عربية فى الآونة الأخيرة مثالا يستحق الاهتمام غير العاطفى من جانب المحللين وصناع الرأى العربى يعزز مقولة سادت وعادت تطل علينا وتلح بأنه صار من غير الممكن فى الأجلين القصير كما الطويل تحقيق سلم حقيقى فى فلسطين ولبنان ودول أخرى فى الشرق الأوسط فى غياب دور ملموس من المقاومة الوطنية المسلحة. ثبت أيضا من تجارب الماضى القريب أن إسرائيل لن تتكرم بعرض سلام عادل على أى جهة عربية أو القبول بعرض مماثل عليها إلا وجاء مصحوبا بمقاومة مسلحة.
رابعا: مطروح من جانب الغرب على من تبقى من العرب فى خرائط الشرق الأوسط الجديد الاقتناع بفكرة ترويض إسرائيل لتصبح مقبولة. المقصود بالترويض هنا هو التطبيع. التطبيع فى نهايته، حسب هذا المنطق، لا بد أن يجبر إسرائيل على الجنوح نحو السلم. هذه الفكرة لم تعمل حسابا للمواطن العربى كما هو واضح فى الدول العربية التى تظن أنها بالتطبيع نجحت أو سوف تنجح فى "ترويض" إسرائيل. أحداث الأيام الأخيرة وصداها فى العالم العربى وموقف الغالبية العظمى من شعب إسرائيل وغالبية أعضاء الكنيسيت وجميع أحزاب إسرائيل خلال الأيام العصيبة الماضية يؤكد أن التطبيع لم يعالج أو حتى يمس بالرضا أو بالاعتدال أساسا واحدا من أسس الصراع مع إسرائيل. لا أرى تطبيعا أقوى من الاتفاق المبرم بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل حول إدارة الضفة الغربية، وفى ظله، كما نسمع، يقتلون الفلسطينيين فى مخيماتهم ليل نهار.
• • •
إسرائيل تبقى وستبقى مشكلة العرب الأولى. لا يوجد حتى يومنا هذا دليل واحد يثبت لنا فى عالمنا العربى أو فى عالم الشرق الأوسط أن إسرائيل استبدلت، أو استعدت لاستبدال استراتيجية سلام عادل باستراتيجيتها الهجومية المباشرة، أو دليل يثبت أن التجارب العديدة فى التطبيع نجحت فى ترويض إسرائيل لتصبح دولة أو أمة ساعية أو مروجة لسلام عادل.

arabstoday

GMT 19:45 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

هل سيغير ترمب شكل العالم؟

GMT 19:44 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

معايير الانتصار والهزيمة فى الحروب

GMT 09:25 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

دولار ترمب

GMT 09:23 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

لغز اليمن... في ظلّ فشل الحروب الإيرانيّة

GMT 09:21 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

هزيمة "حماس" لا تعني تجاوز الشعب الفلسطيني

GMT 09:18 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

صدمة ترامب

GMT 09:17 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

مهنة البحث عن «الاحتراق»

GMT 09:15 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

صراع التيك توك

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دروس مستفادة من أحداث غزة ولبنان وسوريا دروس مستفادة من أحداث غزة ولبنان وسوريا



أحلام بإطلالات ناعمة وراقية في المملكة العربية السعودية

الرياض ـ العرب اليوم

GMT 09:58 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

أنغام تثير الجدل بتصريحاتها عن "صوت مصر" والزواج والاكتئاب
 العرب اليوم - أنغام تثير الجدل بتصريحاتها عن "صوت مصر" والزواج والاكتئاب

GMT 11:30 2025 الإثنين ,20 كانون الثاني / يناير

عشبة القمح تعزز جهاز المناعة وتساهم في منع السرطان

GMT 15:40 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

SpaceX تطلق 21 قمرًا صناعيًا من Starlink إلى المدار

GMT 05:56 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

حريق جديد في لوس أنجلوس وسط رياح سانتا آنا

GMT 15:41 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

مانشستر سيتي يعرض 65 مليون يورو لضم كامبياسو موهبة يوفنتوس

GMT 03:25 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

استمرار غياب تيك توك عن متجري أبل وغوغل في أميركا

GMT 03:02 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

زلزال بالقرب من سواحل تركيا بقوة 5 درجات

GMT 03:10 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

استشهاد مسؤول حزب الله في البقاع الغربي محمد حمادة

GMT 16:11 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

أحمد الفيشاوي يعلق على خسارته جائزة "أحسن ممثل"

GMT 03:08 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

ارتفاع ضحايا حريق منتجع للتزلج في تركيا لـ76 قتيلًا

GMT 05:52 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

الصين تختبر صاروخاً فضائياً قابل لإعادة الاستخدام

GMT 16:06 2025 الثلاثاء ,21 كانون الثاني / يناير

ميس حمدان تكشف ردود فعل الرجال على أغنيتها الجديدة

GMT 02:59 2025 الأربعاء ,22 كانون الثاني / يناير

تحذيرات من رياح خطرة وحرائق جديدة في جنوب كاليفورنيا
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab