سيدتان من المجتمع الراقى

سيدتان من المجتمع الراقى

سيدتان من المجتمع الراقى

 العرب اليوم -

سيدتان من المجتمع الراقى

بقلم - أسامة غريب

قال هوبدن: لقد ذهبت لهذا العرض المسرحى بصحبة خطيبتى التى صارت زوجتى وأم أبنائى.. ثم تنهد وهو يضيف: وقد تركتنى ورحلت منذ ثلاثين سنة. قلت له: تعيش وتفتكر يا عم هوبدين.

ابتسم صديقى العجوز محاولًا إقناعى: ما قولك أن تأتى معى إلى المسرح يوم الجمعة وسوف أتولى إحضار سيدتين من المجتمع الراقى حتى نضفى على الليلة بُعدًا رومانسيًّا؟. قلت له مفزوعًا: سيدتان من المجتمع الراقى؟.. كم عمرهما؟.

قال: اطمئن.. الصغيرة سوف تكون من نصيبك!. ضحكت وأنا أسأله: كم عمر هذه الصغيرة، وهل يا ترى شاركت فى ثورة المكسيك؟. قال: لا أدرى ولكنى واثق من أنها ستعجبك. قلت له: لين.. هل تعتقد أننى تخرجت معك فى الجامعة سنة 1928 أم تظن أن عمرى 90 سنة، ولهذا ستقدم لى الصغيرة ذات الثمانين ربيعًا؟.

قال: أنت كثير الثرثرة.. تعالَ يوم الجمعة، ولن تندم. الغريب أننى ذهبت للقائه فى الميعاد، وقد ارتديت بدلة سواريه، كما طلب منى، وأحضرت معى وردة لأهديها إلى السيدة الصغيرة التى ستكون بصحبتى، وقد صدقت توقعاتى لأن الوغد كان قد أحضر لصديقته وردة هو الآخر!.

فى الحقيقة أن السيدة الصغيرة التى لبّت دعوة هوبدين كانت مخالفة لتوقعاتى.. صحيح أنها كانت فى حدود الستين وأنا لم أكن قد وصلت إلى الأربعين بعد، لكنها كانت فعلًا جميلة، ولم يكذب الرجل حين وصفها بالرقى.. لقد كانت سيدة راقية مهذبة ومثقفة إلى أقصى درجة. وقد دعوتهم بعد العرض إلى العشاء فى مطعم كلاسيكى فاخر، ولم نتوقف عن الحديث والنقاش فى تلك الليلة.

كانت السيدة مولَعة بالأديب التشيكى ميلان كونديرا.. وجدتها مهووسة بروايته «الحياة هى فى مكان آخر»، وأطلعتها على رأيى فى أن رواية «خفة الكائن التى لا تُحتمل» هى أفضل أعماله على الإطلاق.

كلمتنى عن أديب برازيلى لم أكن قد سمعت عنه وقتها اسمه «باولو كويلو». كلمتها عن نجيب محفوظ، ففوجئت بأنها تعرفه وقرأت بعض أعماله، وقد شعرتُ أننى كبرت فى عينيها لما عرَفَتْ أننى قابلت محفوظ وأجريت معه لقاء صحفيًّا منذ سنوات. حدثتنى عن المدارس السينمائية المختلفة ووجدتها مثلى لا ترتاح لسينما إنجمار برجمان لكنها تعتبرها ضرورية فى فترة الحيرة والتيه.

لم أُحدثها عن فيلم أحبه إلا وجدتها تعرفه وتحبه، من أول أفلام فيربانكس ومارى بيكفورد الصامتة مرورًا بشارلى شابلن ولوريل وهاردى، كما اكتشفت أنها حجة فى أفلام هيتشكوك وتحتفظ بنسخ من أفلامه، التى لا يعرفها أحد عندما كان فى بريطانيا قبل أن يهاجر ويعمل فى أمريكا، وأسعدنى أنها تشاركنى حب همفرى بوجارت وكارى جرانت وأودرى هيبورن، وتهيم بكل الأفلام المأخوذة عن رواية مونت كريستو. عرّجنا بعد ذلك على الموسيقى بأنواعها، فأذهلتنى بثرائها الفنى وذائقتها المميزة ومواكبتها للموسيقى حول العالم.. كانت ببساطة مثقفة حقيقية بدون ادعاء.

تمنيت أن تطول تلك الليلة ولا تنتهى، لكن فى النهاية ودعتهم وأنا أشعر بامتنان عميق للعجوز جدًّا لين هوبدين.. ذلك الصديق الذى دعانى إلى الأوبرا بصحبة سيدتين من المجتمع الراقى.

arabstoday

GMT 03:07 2024 السبت ,18 أيار / مايو

مورد محدود

GMT 03:02 2024 السبت ,18 أيار / مايو

نهاية مصارعة الثيران

GMT 02:59 2024 السبت ,18 أيار / مايو

هل كان المتنبي فظاً؟!

GMT 02:57 2024 السبت ,18 أيار / مايو

التكلفة الباهظة للفقر

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سيدتان من المجتمع الراقى سيدتان من المجتمع الراقى



الفساتين الطويلة اختيار مي عمر منذ بداية فصل الربيع وصولًا إلى الصيف

القاهرة ـ العرب اليوم

GMT 11:26 2024 السبت ,18 أيار / مايو

استلهمي ألوان واجهة منزلك من مدينة كانّ
 العرب اليوم - استلهمي ألوان واجهة منزلك من مدينة كانّ

GMT 16:34 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

وفاة أحمد نوير مراسل قنوات بين سبورت

GMT 16:36 2024 الجمعة ,17 أيار / مايو

اعتراض صاروخ أطلق من غزة باتجاه سديروت
 
syria-24

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Arabstoday Arabstoday Arabstoday Arabstoday
arabstoday arabstoday arabstoday
arabstoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
arabs, Arab, Arab